إن ما يعزِّز الرأي القائل بأن الخلاف حول كيفية الخروج من الأزمة الحالية التي عصفت بالوطن يحمل طابعاً سياسياً وليس طائفياً على الإطلاق هو حقيقة أن أبناء الوطن، أي أبناء الطائفتين الكريمتين، يكنّون لبعضهم البعض كل المودة والاحترام والتقدير، رغم أن الأحداث المؤسفة كادت أن تحد من قوّة العلاقة القائمة بينهم، والممتدّة عبر القرون، مثلما أنها كانت قاب قوسين أو أدنى من نسف دعائم اللحمة الشعبية والوحدة الوطنية لولا يقظة المواطنين ووعيهم. إن السنة والشيعة في البحرين تجمعهم المصلحة المشتركة في التعايش السلمي الذي لا يفترض أن تعكر صفوه الوقائع والأحداث المريرة التي تعتبر سحابة صيف عابرة ليس إلاّ، مثلما يجمعهم الدين الإسلامي الحنيف الذي يحثهم جميعاً على التعاون على البِّر والتقوى، فرسالة الدين تكمن في قدرته على التوفيق بين مصالح أفراد المجتمع وطوائفه حتى لو كانت تحمل في تفكيرها إرثاً سلبياً تجاه الآخر، فبعض الناس ينظر مثلاً بمنظار غير إيجابي إلى اتباع الأديان الأخرى، غير أن الشريعة الإسلامية تتضمّن أيضاً ضوابط تلزم المسلمين باحترامهم وصيانة حقوقهم واعتبارهم مواطنين، ولهذا كله عاش اليهود والنصارى في بلاد الإسلام معزّزين مكرّمين. وعلاوةً على ذلك فإن المذاهب الإسلامية ذاتها تعايشت لقرون طويلة، ولم تكن استثناءً من هذه القاعدة الذهبية سوى بعض الحقب من قبل الأنظمة التي وظفت الدين وبعض رجاله لخدمة أهدافها، خصوصاً في عصر الخلافة العثمانية، ولهذا فإن الحوادث الطائفية محدودة جداً مقارنة مع الفترة الزمنية المديدة التي عاشت هذه الجماعات المتخالفة بجوار بعضها البعض. وفي الإسلام بطرفيّه السني الشيعي، إن جاز التعبير، يوجد من العوامل والضوابط الفكرية ما يمنع من التعدي على الآخرين وحقوقهم، وفيه ما يؤلِّف القلوب ويبعد شبح الفتنة الطائفية، ولكن ذلك يحتاج لرعايةٍ رسميةٍ صادقةٍ تحد من دور التيارات المتعصِّبة مذهبياً وأصحاب المصالح الخاصة بدلاً من تشجيعها على حساب التيارات المعتدلة التي تؤمن بضرورة التعايش السلمي مع كل من يعيش على هذه الأرض، وليس فقط بين الطائفتين. فالتحيّز المذهبي هو أحد إفرازات ألاعيب السياسة والدفاع عن المصالح الدنيويّة المادية، ولا يرتبط في الجوهر بقيم الدين ومبادئه!
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}