الجيش اليمني صنفه «جلوبال فاير باور» خامس أقوى جيش عربي
الرئيس السابق عبدالله صالح عزز مكانة المشائخ بإعادة «مصلحة شؤون القبائل»
ثورة 1962 أخرجت الجيش عن إطاره التقليدي وتعددت مشاركاته السياسية
«حركة 13 يونيو» تعد أهم تحول تاريخي لليمن الشمالي ما بعد ثورة 62
اغتيال الرئيس حمدي أنهى أهم مشروع وطني حقيقي لهيكلة الجيش اليمني
الرئيس السابق عبدالله صالح خالف الدستور وسلم مقاليد الجيش لأقربائه



صالح حول الجيش إلى ما يشبه الإقطاع العائلي أداره عبر العلاقات والمحسوبيات
موازنة مؤسسة الجيش في عهد صالح فاقت موازنة 13 وزارة مجتمعة
129 مليار ريال
لـ «جيش صالح» و?70 من قيادته تابعون لأسرة الرئيس
بدأ التصدع في نظام حكم صالح حينما أعلن بداية عصر التوريث لأبنائه
قدرة صالح على إشعال النزاعات والحروب كانت فتيل أزمة ما بعد 2011
سياسات صالح تسببت في أن يكون باليمن عدة جيوش برية في دولة واحدة
40 يوماً لزمت ثورة الشباب في 2011 كشفت الانقسام بالجيش اليمني
الجيش اليمني بات يصنف بين «جيش أنصار الثورة» و«جيش العائلة»
المبادرة الخليجية تضمّنت بنداً خاصاً بتوحيد الجيش وإعادة هيكلته وإنهاء انقسامه
تعداد القوات البرية اليمنية بلغ 60 ألف مقاتل في 7 مناطق عسكرية طبقاً لإحصائيات
سقوط العاصمة صنعاء في يد الميليشيات الحوثية كشف الفشل في عملية الهيكلة
التمدد الحوثي أظهر انحياز قيادات عسكرية وأفراد الجيش لبنيتها القبلية والمناطقية





كتب - عصام القراضي:
كيف سقطت صنعاء؟.. أين كان الجيش اليمني؟.. وما موقف الجيش من «عاصفة الحزم» التي تدور رحاها على أرض اليمن اليوم؟ .. وهل يوجد جيش موحد أصلاً؟.
الجيش اليمني الذي صنفه موقع «جلوبال فاير باور» المتخصص في مجال التسليح خامس أقوى جيش عربي، والـ43 في قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2013، كيف يمعن في الغياب الآن؟ ويتحول اليمن إلى ساحة ميليشيات بعضها قادم من غياهب التاريخ وربما الجغرافيا.. ربما ما يمكننا تسميته الآن -بضمير مرتاح- «ضياع الجيش اليمني» ليس وليد اللحظة الراهنة، أو واقع التفكك المعاش في بلاد عريقة كاليمن، فلذلك تأثيره وتأثره بدوافع قبلية وجيوسياسية رافقت الجيش منذ نعومة أظفاره في عهد الدولة الزيدية الهاشمية إلى أن وصل إلى جيش مصنف بدرجة مخاطر فساد حرجة -بحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2013- على يد على عبدالله صالح.
وإذ لا يمكن الحديث عن شيء في اليمن دون الحديث عن القبيلة ودورها، فرجال القبائل وشيوخها -الفاعلون غير الرسميين باليمن- أدركوا مبكراً أن استمرار أدوارهم السياسية متعلق بقدرة الدولة على بناء جيش قوي محترف وذي طابع مؤسسي، لذلك ساهموا في تعويق مؤسسة الجيش، وإبقائه في حالة ضعف، وجعله في حاجة دائمة للاستعانة بقواتهم غير النظامية وأطلقوا عليها اسم «اللجان الشعبية أو الجيش الشعبي».
هذه العلاقة فهمها جيداً الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وشرع لاستغلالها لتثبيت أركان حكمه وفرض سيطرته على القبيلة، ومن خلالها اليمن، فعزز مكانة مشائخ القبائل في السلطة بإعادة إنشاء «مصلحة شؤون القبائل» لتقوم بدور وزارة شؤون القبائل التي ألغاها الرئيس المغتال إبراهيم الحمد، واستعان في كل حروبه الداخلية بها، والتي كان من أبرزها حرب صيف 1994، وحروب صعدة الستة 2004-2009، وكذلك فعل الرئيس عبدربه منصور هادي حين استعان بها في محاربة تنظيم القاعدة «2011 - 2012».
مسيرة الجيش والقبائل
قبل أن تعرف الدولة اليمنية الجيوش النظامية اعتمدت على رجال القبائل الذين يسكنون المناطق الشمالية والشمالية الغربية والشرقية من «اليمن الشمالي سابقاً» في توطيد أركان الدولة وبسط سيطرتها على كامل اليمن الشمالي وكان هذا في عهد مؤسس الدولة الزيدية الهاشمية الإمام يحيى بن الحسين عام 897م، والتحالف بين الحكم والقبيلة في الشمال أتى على حساب القبائل القاطنة في مناطق وسط وجنوب الشمال -شافعية المذهب-، والتي عانت طيلة حكم الدولة الزيدية الممتد لألف عام من التهميش والاضطهاد والتمييز والحرمان من أبسط الحقوق، ومثلت أحد أبرز المظلمات الاجتماعية التي عانت منها شعوب العالم.
بجانب المخاطر الداخلية التي واجهتها المملكة المتوكلية، فقد واجهت مخاطر خارجية كانت تأتيها من الجنوب المستعمر من الإنجليز، مما أضطر الإمام يحيي لتأسيس جيش نظامي يعرفه اليمن الشمالي السابق سمى بـ»الجيش المظفر» في ديسمبر 1918م، وفي نفس العام أنشأ المحتل البريطاني أول جيش في اليمن الجنوبي السابق سمي حينه بـ»الكتيبة اليمنية الأولى»، وهذا يظهر مدى التنافس والاحتقان السياسي والعسكري الذي شاب العلاقة بين الطرفين تأثراً بالتجاذبات الدولة في تلك الفترة.
وقبل اندلاع الثورة اليمنية في الشمال عام 1962 كان الجيش المظفر تطور من خلال اعتماده على الخبراء العسكريين المصريين وفي تسليحه على المعسكر الاشتراكي السابق، وتحول اسمه إلى جيش الدفاع، وبلغ تعداد قوامه البشري نحو 40,447 فرداً من مختلف الرتب، وكذلك كان الحال في الشطر الجنوبي من اليمن، فبعد قيام «اتحاد إمارات الجنوب العربي» في فبراير 1959م تكون «جيش الاتحاد النظامي»، والذي تحول إلى «جيش الجنوب العربي» وظلت ميزانيته حتى العام 1964 تصرف من وزارة الدفاع في لندن.
جيش الجمهورية
وإثر قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 في الشطر الشمالي من اليمن خرج الجيش عن الإطار التقليدي الذي مارسه طيلة فترة حكم المملكة المتوكلية، فتعددت أشكال مشاركته في الحياة السياسية، فقد كان تنظيم الضباط الأحرار هو من قام بالثورة، وأوصل كبار ضباط الجيش إلى السلطة، وقاد عدة انقلابات عسكرية وأدار الحرب الأهلية في شمال اليمن بين الملكيين والجمهوريين 1962-1970، وبات مخترقاً من أكثر من جهة حزبية وخضع لمعادلات قوى النفوذ القبلي والعسكري، مما أثرت فعلياً على عملية بنائه بطريقة صحيحة وجعله جيشاً فاقداً للهوية والعقيدة القتالية، رغم المساعدات المصرية لعملية بناء الجيش الوطني الحديث، واستمرت حالة عدم الاستقرار السياسي والتنازع على السلطة في الشمال وزادت حدتها بعد اغتيال الرئيس السابق إبراهيم الحمدي في 1974، وتمرد قطاعات مهمة من الجيش ضد الرئيس السابق أحمد الغشمي، ومعها زيادة حالة الانقسام والتدهور في الجيش، حتى وصل إلى أسوأ مراحله في حرب 1979 بين الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب.
ولم يختلف الوضع كثيراً في الجنوب، فرغم ما عرف به جيش الجنوب من وحدة القيادة ووحدة عقيدته القتالية وجاهزيتها، إلا أن حرب عام 1979 اليمنية كانت حداً فاصلاً وأظهرت بوضوح معاناة الجيش في الجنوب من الصراعات الدامية داخل الحزب الاشتراكي الحاكم في عدن، والتي أدت لتدهور وحدته وجاهزيته القتالية وظهور انقسامات عميقة فيه أواخر ثمانينات القرن.
الجيش الحلم
ولعل أهم تحول تاريخي لليمن الشمالي ما بعد ثورة 62م كان قيام الرئيس المرحوم إبراهيم الحمدي السريحي عام 1974، بحركة انقلاب أبيض عرفت بـ«حركة 13 يونيو التصحيحية»، أنهى بها حكم الرئيس القاضي عبدالرحمن الأرياني، وشرع في إعادة هيكلة الجيش اليمني، وبدأ بمواجهة المشيخات القبلية ونفوذها بالدولة، ودخل بصراع يعد الأول والأخير بين الجيش اليمني ومشائخ القبائل.
وكان أبرز قرارات الحمدي إلغاءه وزارة شؤون القبائل التي كان يرأسها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر باعتبارها معوقاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وعزل شيوخ القبائل سياسياً ولم يسمح لأي منهم بتولي منصب حكومي، وفي 27 يوليو1975 الذي أطلق عليه «يوم الجيش»، أصدر قرارات بعزل شيوخ القبائل من قيادة المؤسسة العسكرية، وأجرى إعادة تنظيم واسعة للقوات المسلحة، على أسس وطنية وعلمية، و هو ما خلق للرئيس الحمدي أعداء أقوياء من المشايخ وحلفائهم من القادة العسكرين المتضررين، وانتهى الأمر إلى اغتيال إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله وانتهاء أهم مشروع وطني حقيقي لهيكلة الجيش اليمني.
عود على بدء
انتكس الجيش مرة أخرى، بعد تولى الرئيس السابق على عبدالله صالح السنحاني رئاسة الجمهورية العربية اليمنية عام 1978م، فصالح الذي وصل إلى الحكم بعد اغتيال الرئيسين الحمدي والغشمي وصل بتأثير من المؤسسة العسكرية نظراً لاحتمال قيام مواجهات مسلحة مع الجنوب المتهم بتورطه في اغتيال الرئيس السابق أحمد الغشمي، فالرئيس السابق صالح كان الحاكم العسكري لمدينة تعز بوابة عدن عاصمة الجنوب آنذاك.
ومنذ بداية حكمه، عاني الرئيس السابق صالح من بعض قطاعات الجيش التي لا تدين له بالولاء، حيث كانت الوحدات العسكرية قد تشربت من الاتجاهات الفكرية والقومية واليسارية المختلفة، ووجد كثيراً من القادة والضباط في شخصية صالح الجهل والتخلف، وبعد أقل من ثلاثة أشهر من توليه السلطة رتبت بعض الوحدات العسكرية انقلاب عسكري عرف بـ»الانقلاب الناصري»، ولكنه فشل سريعاً واتخذ الرئيس السابق صالح قراراً في 1978 بإعدام ثلاثين شخصاً متهمين بالانقلاب.
هذه الحادثة فرضت نفسها على صالح وأثرت في تفكيره، فقرر نسف كافة الخطوات والإجراءات الهيكلية التي صنعها الرئيس الحمدي، وأجرى عملية تغيير واسعة في القوات المسلحة، وتمحورت عملية التغيير حول تسليم أهم المناصب القيادية على مستوى القوى والمناطق والوحدات العسكرية لأقرباءه وأفراد أسرته وأبناء قبيلته، في مخالفة صريحة للدستور اليمني الذي يحظر تسخير القوات المسلحة والأمن والشرطة وأية قوات أخرى لصالح حزب أو فرد أو جماعة.
جيش صالح العائلي
وكان عام 1983 هو عام بناء جيش صالح العائلي، فقد شرع الرئيس صالح فيه التغييرات بإنشاء وحدات عسكرية جديدة أهمها: اللواء الثامن صاعقة، الدفاع الجوي، الدفاع الساحلي، وتسع ألوية المشاة وسلم قيادتها لأقربائه وأبناء قبيلته وكانت القيادة في أهم تلك التكوينات على النحو التالي: - الفرقة الأولى مدرع، علي محسن الأحمر، من قبيلة وقرية الرئيس السابق صالح، - القوات الجوية، الرائد (لواء في ما بعد) محمد صالح الأحمر، أخ غير شقيق للرئيس السابق صالح، - الدفاع الجوي محمد علي محسن الأحمر من قرية الرئيس السابق صالح، - اللواء الثالث مشاة مدعم في قاعدة العند بقيادة الرائد عبدالله القاضي، من قبيلة صالح، - اللواء 130 مشاة مدعم، بقيادة الرائد عبدالله فرج من قبيلة صالح، - معسكر خالد، وفيه اللواء الثاني مدرع (33 مدرع حالياً) بقيادة الرائد أحمد أحمد علي فرج ثم الرائد صالح علي أحمد الظنين، والاثنان من قبيلة صالح، - اللواء الثامن صاعقة، بقيادة الرائد محمد إسماعيل، من قبيلة صالح، - اللواء 56 المقدم، بقيادة أحمد إسماعيل أبوحورية من قبيلة صالح، - اللواء 1 مشاة جبلي، بقيادة الرائد مهدي مقولة، من قبيلة صالح، ثم تولى أركان حرب الشرطة العسكرية ثم قيادة الحرس الخاص، - قوات الأمن المركزي اليمني، وهي قوة ضاربة تأسست في ثمانينات القرن الماضي، تتشكل من أكثر من عشرة ألوية تتمتع باستقلالية عن وزارة الداخلية ، تسلم قيادتها المقدم محمد عبدالله صالح الشقيق الأكبر للرئيس، وورثه ابنه العقيد يحيى الذي شغل منصب أركان حرب الأمن المركزي حتى 2012، وخلال فترة الثمانينيات وفي ظل مرحلة الاستقرار النسبي وتلاشي الأخطار الداخلية في الشطر الشمالي من اليمن بدأ الجيش يشهد مرحلة بناء جديدة تحت قيادة واحدة تدين بالولاء المطلق للرئيس صالح، واستطاع صالح تحول الجيش من مؤسسة وطنية إلى ما يشبه الإقطاع العائلي، أداره عبر شبكة من العلاقات الشخصية والمحسوبيات القائمة على الولاء العائلي والقبلي والمناطقي وتبادل المنافع.
امتياز الكليات العسكرية
وأصبح الالتحاق بالجيش وكلياته العسكرية امتيازاً تحظى قبيلة صالح والقبائل الموالية لها بالنصيب الأكبر منه، واعتمد صالح طيلة فترة حكمه على التحالفات القبلية وربط زعماء القبائل اليمنية به شخصياً وتذيلت البلاد أيام عهده قائمة منظمة الشفافية الدولية المعنية بالفساد، واعتبر أحد الصحافيين الاستقصائيين محمد العبسي مؤسسة الجيش بأنها الثقب الأسود في الدولة، حيث يخصص له من الموازنة نحو 129 مليار ريال «600 مليون دولار»، وهي موازنة تفوق موازنة 13 وزارة، بما فيها التعليم والصحة، وكانت الترقيات والرتب العسكرية تمنح كهبات بغرض المراضاة وكسب الولاءات القبلية وغيرها دون مراعاة للمعايير العسكرية، واعتمد التعيين في المناصب القيادية على أساس الولاء والمناطقية وليس الكفاءة والجدارة، وقد ذكر حاتم أبوحاتم -وهو عقيد متقاعد بالجيش اليمني- أن الجيش اليمني في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان عبارة عن ميليشيات تابعة لشيوخ القبائل الذين يبيعون ولاءهم للرئيس بالمال، كما أن أكثر من 70% من قيادته كانت تابعة لأسرة الرئيس.
واختلفت أساليب التجنيد في الجيش بحسب اختلاف البني القبلية، فقد كان المواطنون من «المناطق الوسطى والغربية والجنوبية» يجندون بشكل فردي، ويتم استيعابهم في تشكيلات نظامية وتسرى عليه كافة القوانين المنظمة للجيش، أما المواطنون من مناطق الشمال القبلية، فكانوا يتقدمون للتجنيد بشكل جماعي، تحت قيادة شيوخهم، ويظلون في الأغلب خارج هيكلة الجيش النظامي ويتبعون مباشرة لشيوخ القبائل الذين يحتلون مواقع رسمية في أجهزة الدولة العسكرية والمدنية، حيث ذكر الكاتب شريف إسماعيل أن الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر وحده كان يقود قوة من 20 ألف قبلي مسلح. وبعد حرب صيف 1994 أحكم صالح قبضته على الدولة كاملة والجيش كناتج طبيعي لانتصاره، ومارس نظامه سلسة من الإجراءات والسياسات العسكرية التي زادت من الشرخ الداخلي في المجتمع اليمني ومؤسساته كافة، فأقدم على تسريح الآلاف من الجنود والضباط المنتمين للمحافظات الجنوبية دون وجه حق وأحال العديد منهم للتقاعد الإجباري -وهذه الإجراءات أدت لاحقاً إلى تكون الحراك الجنوبي-.
عصر التوريث؟
أعلن صالح بداية عصر التوريث، ومعه بداية الحرب الصامتة داخل المؤسسة العسكرية، فحول الجيش المناطقي القبلي إلى جيش عائلي قزم، وشرع بتسليم المناصب الحساسة بالمؤسسة العسكرية والأمنية لجيل الشباب من أبنائه وأبناء إخوته، في خطوة أثارت حفيظة حلفائه القدامى من أبناء قبيلته، وعلى رأسهم الجنرال علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع والذراع اليمني لصالح، وبدأ التصدع في نظام الحكم، واستشرى الانقسام غير المعلن داخل الجيش، فأصبح الجيش اليمني يسيطر عليه أقارب الرئيس صالح وأهمهم: أحمد علي عبدالله صالح «الابن» الذي كان يتولى قيادة الحرس الجمهوري اليمني والقوات الخاصة اليمنية، - يحيى محمد عبدالله صالح «ابن الأخ» كان يتولى أركان حرب الأمن المركزي اليمني، - طارق محمد عبد الله صالح «ابن الأخ» كان يتولى قائد الحرس الخاص، - عمار محمد عبد الله صالح (ابن الأخ) وكيل جهاز الأمن القومي اليمني، - محمد صالح الأحمر قائد القوات الجوية اليمنية وقائد اللواء السادس طيران، - مهدي مقولة «من قرية الرئيس صالح» قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، بالإضافة إلى، - علي محسن الأحمر الذي كان يتولى قيادة الفرقة الأولى مدرع معارض المشروع التوريثي، - ومحمد علي محسن «من قرية الرئيس» قائد المنطقة الشرقية العسكرية معارض المشروع التوريثي.
واستحكمت فكرة التوريث على وجدان صالح وقرر التخلص من المنافسين المحتملين لابنه أحمد، فعمل على إخلاء الساحة من الشخصيات العسكرية القوية الموالية له سابقاً والمعادية لفكرة التوريث، بكل الوسائل، وسعى إلى إضعافها بإدخالها في حروب ومعارك مصطنعة وتجفيف مصادر قوتها.
وأشعل صالح النزاعات والحروب القبلية وأخذ يتباهى بقدرته على إشعالها وإخمادها باتصال هاتفي، ومن هنا بدأت قصة أهم صراع تدخله الدولة اليمنية ما بعد ثورة 2011 وندفع ضريبته حالياً، فتبني الجماعة الدينية المتطرفة «جماعة الحوثي» سراً، وأسند مهمة مقاتلتها للجنرال العجوز علي محسن الأحمر -الخطر رقم واحد على مشروعه التوريثي- علانية، واحتضن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وأخذ في توجيهه، وأشعل النزاعات بين القبائل، وعلى صعيد الجيش اعتمد سياسة تفكيك المؤسسة العسكرية تدريجياً لمصلحة قوات الحرس الجمهوري التي يقودها ابنه «الرئيس المنتظر» وجهاز الأمن القومي اليمني بقيادة ابن أخيه، فسخر كل الإمكانيات المالية الضخمة، وصفقات تسليح المتقدمة لهما، وحظيتا بالنصيب الأوفر من الدعم الدولي.
وكنتيجة طبيعية لهذه السياسات أصبح في اليمن عدة جيوش برية في دولة واحدة، موزعة بين جيش «قوات الحرس الجمهوري» الذي يترأسه نجل الرئيس ويتمتع بصلاحيات وقيادة وتسليح مستقل عن وزارة الدفاع، وجيش «الفرقة الأولى مدرع» بقيادة علي محسن الأحمر يتمتع هو كذلك باستقلالية عن وزارة الدفاع، وجيش الدولة المتمثل في القوات البرية التي تتبع وزارة الدفاع ولا تتمتع بتلك الامتيازات كما الفرقة والحرس، ورافقت الانقسام مفارقات بين الجندي الذي ينتمي للحرس والجندي الذي ينتمي للفرقة، فكان الزي العسكري للحرس مختلفاً عن الزي الذي يرتديه أفراد القوات البرية وأفراد الفرقة، ويتمتع جندي الحرس براتب ومزايا مالية تزيد عن غيره من أفراد الجيش، ناهيك عن التدريب وغيره، وأدت التفرقة مع الأيام لوجود حالة من الفرقة والعداء بين أفراد القوات المسلحة، وكانت أهم أسباب تأييد جنود الفرقة الأولى مدرع للثورة الشبابية اليمنية عام 2011.
سقوط حلم وفشل رئيس؟
أربعين يوماً لزمت ثورة الشباب السلمية عام 2011، لتظهر الانقسام في الجيش اليمني إلى السطح، فأعلن على محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع انضمامه للثورة وحمايتها، وبات الجيش اليمني يصنف على أساس موقفه من الثورة، وانقسم إلى «جيش أنصار الثورة» و»جيش العائلة»، هذا التطور المفصلي أظهر كل سوءات الجيش الذي تغنا به اليمنيون كثيراً فقد تبدت الانقسامات الخفيّة والكامنة في بنية الجيش اليمني للعلن، وخاض الجيشان العديد من المواجهات المسلحة مباشرة أو عن طريق وكلائهما في العاصمة صنعاء ومدن يمنية أخرى، ومثلا توازناً للرعب أبعد شبح الحرب الأهلية عن اليمن.
في هذه الفترة من الزمن، ظهر مصطلح هيكلة الجيش في اليمن وأصبحت الهيكلة مطلب اليمنيين الثائرين ضد صالح ونظامه الاستبدادي الفاسد بهدف تحويل الجيش من الولاء للحاكم وأسرته إلى الولاء للوطن، ومن انقسامه بين أبناء القبيلة الواحدة إلى توحيده تحت قياده وطنية ومهنية، وتغيير عقيدته العسكرية للدفاع عن تراب البلاد والدستور بدلاً من حماية الأسرة والحاكم، وتضمنت المبادرة الخليجية بنداً خاصاً بتوحيد الجيش وإعادة هيكلته وإنهاء انقسامه، واحتلت مكانة مهمة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل.
وبدأ الرئيس اليمني الحالي عبدربه منصور هادي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية في فبراير 2012 بتطبيق بنود المبادرة الخليجية ومطالب الثورة الشبابية فشرع بإقالة أقارب الرئيس السابق صالح من مراكز نفوذهم في الجيش والأمن واستبدلهم عنها مناصب دبلوماسية جديدة، وتصور أن الخطوة ستضعف قبضة صالح على الجيش والأجهزة الأمنية، وستكون إحدى الوسائل لتخفيف التوترات التي شلت البلاد على مدى عامين، وأهمل تغيير القيادات العسكرية من الصف الأول والثاني التي أثبتت لاحقاً انحيازها لبنيتها القبلية والمناطقية ولم تغير من ولاءاتها أو عقيدتها القتالية المبنية على أسس حماية صالح وأسرته واستمرت في دعم نظام صالح العميق ومصالح القبلية الضيقة، وأظهرت أنها مازالت تأتمر بأمره لا بأمر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة.
واقترن تغيير قيادات الجيش والوحدات الأمنية بخطوات مصاحبة هدفت لإعادة تحديد مهام الجيش الجديد وإعادة تشكيل القوات المسلحة، وشملت إعادة الهيكلة النقاط الرئيسية التالية: - حل الفرقة الأولى مدرع والتي كانت بقيادة علي محسن الأحمر وكذلك الحرس الجمهوري الذي كان يقوده أحمد علي نجل صالح، - يتولى قيادة المناطق العسكرية قادة مستقلون من الوحدات العسكرية المحلية، - يكون الجيش الاحتياطي تحت تصرف وزارة الدفاع وليس الرئيس، - تشكيل مجلس عسكري استشاري للقائد الأعلى للقوات المسلحة، - استحداث مناصب عليا في الجيش ووزارة الدفاع، - تشكيل خمس هيئات في رئاسة هيئة الأركان العامة، - يتم تشكيل الفرق العسكرية بناء على المهام ويكون لكل منها أسلحة مخصصة، - تعديل المناطق العسكرية لتكن سبع مناطق عسكرية.
7 مناطق عسكرية
وبحسب آخر إحصائية لموقع ماستر نايشن العسكري للعام 2013، يبلغ تعداد القوات البرية اليمنية تقريباً 60,000 مقاتل في 7 مناطق عسكرية وفي الاحتياط الاستراتيجي، وبحوالي 59 لواء عسكري بين ألوية مدرعة ومشاة ومدفعية ومشاة ميكانيك وصواريخ، بينما القوات الجوية تمتلك تقريباً 3,000 مجند موزعين في 10 ألوية طيران وألوية دفاع جوي و6 قواعد عسكرية جوية ويقدر تعداد القوات البحرية تقريباً 1,700 مجند موزعين على 3 قواعد بحرية ولواءين بحريين.
ولعل صعوبة وتعقيد عملية الهيكلة بدت واضحة، فأصطدم الرئيس هادي بحائط سميك من العلاقات المتشابكة والمصالح المتداخلة سياسية وقبلية وحزبية ولضغوط من قبل نظام صالح الساعي لتجنب تغيير العديد من رموز الفساد بالمؤسسة العسكرية المحسوبين عليه بعدة وسائل منها التمرد وعدم الانصياع، وتأليب القبائل على الدولة، وتفجير أنابيب النفط والغاز وخطوط الكهرباء، بينما غير الرئيس هادي الكثير من القادة المحسوبين على «جيش الثورة»، هذا كله سبب خللاً في توازن ميزان الرعب بين الجيشين وفشل عملية الهيكلة، وظهر الاختلال إبان سقوط العاصمة صنعاء وأجزاء كبيرة من الشمال في يد المليشيات الحوثية، التي ألتزم فيها الجيش العائلي الحياد وكأن عاصمة البلاد لم تسقط أو أن سيادة الدولة قد انهارت.
وأظهر التمدد الحوثي والذي تطور ليصبح انقلاباً مكتمل الأركان على الدولة الشرعية في اليمن أن قيادات عسكرية في الصف الأول والثاني وكثيراً من أفراد الجيش قد انحازت لبنيتها القبلية والمناطقية ولم تغير من ولاءاتها أو عقيدتها القتالية المبنية على أسس حماية صالح وأسرته واستمرت في دعم نظام صالح العميق ومصالح القبلية الضيقة، وأظهرت أنها تأتمر بأمره لا بأمر رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولعل الهيكلة كانت سبباً في إثارة شهية الميليشيات المسلحة من الحوثيين والقاعدة وصالح من خلفهم، للانقضاض على الدولة واستغلال الفراغ العسكري والأمني الناشئ عنها وتحويل اليمن لساحة حرب.