^ في الحقيقة، مازلتُ حائراً حتى الآن في إيجاد تفسير منطقي للعداوات المنفلتة وغير المسؤولة ضد الراحل السيد محمد حسين فضل الله، في حياته وبعد مماته، ولا أعلم حتى متى ستستمر المعركة ضد الرجل الذي حاول أن ينير بجهده شمعة في الظلام؟!!. لا أدري ما هي كمية استملاك الغضب عند بعضهم، حين نحاول قراءة هذا الرجل بطريقة تنفي اختزال القداسة في التقييم، بقدر الاستفادة من انفتاحه حول تجربته الدينية، وحول الكثير من مواقفه الشجاعة ضد الجمود. يجب أن يعلم الجميع أننا ضد التقديس والصنمية التي يلصقها الأتباع الرعاع لعلماء الدين والسياسيين والنجوم، فنحن إذ تجاوزنا هذه المرحلة المضحكة، نتحدث اليوم عن تقييم التجربة في حياة الأشخاص الذين يسعون إلى تغيير ملامح الواقع، وذلك في كل منعطف من منعطفات الحياة، فليست القداسة ولا التصفيق ولا التلميع ديدننا. فهذه الأدوات لا يمكن لها أن تصنع نقداً فكرياً، ولا يمكن لها أيضاً أن تصنع فارقاً في الثقافة، وإنما هذه أدوات العاجز عن مواجهة التحديات، وأدوات الخائف من دخول العصر، والمتردد من قبول التغيير. لسنا من المسبِّحين والمهللين والمطبلين لفضل الله، لكننا في كل مرَّة نطرح هذا الرجل على بساط النقد والتجربة، نكتشف أنه من خيرة علماء الدين الذين قدموا تجربة منفتحة على الواقع الإنساني، بما يملكه من جرأة على شطب الخوف من حالات التغيير، واقتحام تجارب بشرية حديثة، يمكن لها أن تثري الإنسان والحياة. ربما يوجِّه البعض سهام غضبه على كل ناقد أو كاتب منصف، يضع فضل الله في مسار النهضويين الجدد، أو في خانة المجددين من علماء الدين الشيعة تحديداً، لأن هؤلاء البعض مازالت تتملكهم حساسية الكراهية، ولذا نجدهم ينذرون أنفسهم في محاربة أي فكر من شأنه أن يدعو لفتح المزيد من النوافذ على الآخر، مخافة أن تهب رياح التغيير نحو الداخل. إن دعوتنا لقراءة فضل الله قراءة نقدية، لا تعني أننا من دعاة التقديس له ولغيره من المجددين، لكنها محاولات لاكتشاف المزيد من أهمية التجربة الدينية في عالمٍ طالما وُصِفَ بالراكد من الوعي والسطحية. لم نكن نعلم أبداً أن تَبنينا لبعض المباني الفكرية والثقافية لهذا الرجل، ستشعل في نفوس الجامدين والحاقدين الكثير من نار الغيرة، حين يتم الحديث حول نجاح تجربته، خصوصاً مع هذا الجيل الجديد من أبناء المسلمين الذين يعيشون الاغتراب في أوروبا وأستراليا ونيوزلندا وأمريكا الشمالية واللاتينية. فالموجة (الفضلاوية) انتشرت بطريقة استدعت من علماء الجمود والكهوف أن يجهِّزوا من الدهماء جيوشاً للتصدي لفكر فضل الله، حتى إن كان كل ذلك عن طريق التدليس والكذب والافتراء والطعن، واستعمال أدنى درجات الخصوصية في المعركة التي تتعلق بالفكر والعقل!. قيل من قبل،(لا ترمى بالحجر إلا الشجرة المثمرة)، وأثبت صاحب التجربة المثمرة أنه كان في حياته وبعد مماته شاغلاً للناس وفكرهم، ولهذا استحق كل الحب والتقدير من جهة، ونال ما نال من الحرب الظالمة من جهات الظلام التي لا تريد أن يعلو على صوت الكهوف أي صوت، ما يكفي لو وزِّعت على علماء الدين، أن يسقطوا في الألم، لقساوة تلك الحرب وضراوتها، لكنها الحقيقة التي تبرز لوحدها بين الفينة والأخرى، دون الحاجة إلى أي نوع من أنواع الدفع القسري. نقول في الختام، إن طرحنا كله ليس في خانة الدعاية لفضل الله، ولا تقديساً لذاته، وإنما هي محاولة للدفاع عن كل فكر حر ينتج ثقافة وقيماً معرفية، كما إننا ضد كل حبل يُلَفُّ على عنق أحرار الرأي والفكر، في عصر العلم والمعرفة، وسيظل فضل الله وكل المستنيرين من علماء المسلمين من الطائفتين الكريمتين منار هدي لكل من يطلب الحقيقة، رغم كل الحروب التي شُنَّتْ ضدهم في حياتهم وبعد مماتهم، حينما حاربوا الخرافة والمألوف. نحن لم ولن نقدس فضل الله، ولهذا فإننا لن نقدسه من منطوق لسانه حيث يقول: (.... إن العلماء ورجال الدين من مسلمين ومسيحيين أو غيرهم ليسوا ظل الله على الأرض، حتى نسقط عليهم صفات، ونمنحهم القداسة التي لا يستحقونها، ونتعاطى معهم كآلهة، ونخضع لهم خضوع العبد لسيده، ونطيعهم طاعة عمياء، ونمنحهم الألقاب الفضفاضة الكبيرة... علينا ألا نعيش عقدة الانبهار بالآخر أو الانسحاق أمامه، بصرف النظر عن الموقع الذي يملؤه هذا الآخر، وألَّا نخضع لكل ما يقوله على أساس أنهُ الحق، حتى إن كان هذا الشخص يمثل موقعاً علمياً أو سياسياً أو حتى قضائياً أو ما إلى ذلك، خصوصاً أننا في كثير من تجاربنا الماضية كنا الضحايا لهذه الثقة المفرطة بالآخرين، الذين انطلقوا من حساباتهم الذاتية أو السياسية لتكون قضايانا ضحية هذه الحسابات وهذه المخططات... إن تعطيل العقول والاستخفاف بها وبدورها، هو الذي قاد ويقود إلى تعظيم بعض الشخصيات وتقديسها بطريقة تلامس الصنمية والوثنية، وتخرج القيادات والأشخاص عن دائرة النقد والاعتراض لتمنحهم منزلة العصمة التي هي منزلة لم يمنحها الله إلا لطبقة خاصة من الأنبياء والأئمة).