^   ما هو المجتمع المدني؟ وما هو الدور الذي يقوم به؟ وما هي علاقته بالدولة؟ المجتمع المدني هو مجموعة المؤسسات السياسية والاجتماعية والرياضية والشبابية والنوادي، بجانب المؤسسات المهنية والنقابية والخيرية والدينية غير الرسمية ـ أي المؤسسات الأهلية لا الحكومية، وهي مؤسسات قائمة على صفة التعاون بين أفرادها لتحقيق أهداف تقوم من أجلها. ومفهوم مؤسسات المجتمع المدني لا يمكن فصله عن فكرة الحرية والديمقراطية، وممارسة الحرية والديمقراطية والعمل من خلال هذه المؤسسات لا يمكن أن تكون بغياب القانون، فإذن القانون هو الذي يرتب عمل مؤسسات المجتمع المدني بوضعه لشروط تنظيمها. ونجاح أو إخفاق مؤسسات المجتمع المدني مرتبط بتأثيرها على أفراد المجتمع، بجانب أن يتمتع المجتمع بشيء من الحرية وبمساحة من الديمقراطية. وارتبطت الحاجة إلى مثل هذه المؤسسات نتيجة للارتباط بين البشر ورغبتهم للعمل المجتمعي المتعلق بمختلف شؤون أفراد المجتمع وحُب الوطن. وبالتالي فإنها تؤدي إلى إشباع الحاجات الإنسانية وتعمق الانتماء المجتمعي وتقوي الروابط التي تجمع بين أفراد الوطن الواحد. فعمل مؤسسات المجتمع المدني لا يتعارض مع الدولة، بل هو مُساند لها ويُحقق الكثير من أهدافها السياسية والاجتماعية، فهي بمثابة وحدات بنائية للمجتمع، لكونها تعزز التواصل مع الآخرين وتنمي الروابط والاهتمامات المشتركة بينهم، فتزيد بذلك من قوة المجتمع. كذلك فإن الدولة ومن خلال ما تقدمه من خدمات إلى مواطنيها تقوي الروابط بينها وبينهم، وفي الحُكم الشمولي تمنع الدولة الأفراد من التعاون معاً ومنها منع (تأسيس مؤسسات المجتمع المدني) بسبب غياب حُرية الرأي والتعبير. مِن هذه المؤسسات وأكثرها أهمية هي الجمعيات السياسية. إن المؤسسات السياسية باختلاف أطيافها تلعب دوراً مهماً في بناء أسس الحياة الديمقراطية والتشكيل السياسي في المجتمع، وتعمل على تعزيز ونشر القيم والمبادئ التي تهدف إلى تطوير وتنمية المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحقوقياً، ويتلخص دورها في أن تكون رديف للدولة، وأن تعمل بصفة موازية للدولة لا كفصيل متمرد أو مناهض لدور الدولة وأهدافها. فإذا أصبحت قوة مناهضة للدولة ساهمت بضعف الولاء والانتماء الوطني وبثت قيماً مناقضة لدورها وأهدافها، فدورها المجتمعي الإيجابي يُساعد كثيراً على نمو الوعي السياسي لأفراد المجتمع، ويُساهم في تحقيق الإصلاح. وأهم أدوارها الرقابة والتقييم، المحاسبة والمساءلة، المتابعة والتطوير، والعمل على نشر أسس الحياة المدنية في المجتمع. وهذه المؤسسات تقوم بعملها من خلال مجموعة من الأطر الوطنية والسلوكية والأخلاقية، ومنها: أن تتمتع هذه المؤسسات باستقلالية وطنية تامة ومن دون تبعية لا للدولة ولا إلى أي تنظيم حكومي أو حزبي خارجي. وأن تكون مرجعيتها وطنية مستمدة من دستور البلاد، وأن تعمل على تمثيل وطنها تمثيلاً صائباً في الداخل والخارج. أن تكون لها هيكلية تنظيمية تؤطر عملها، وتكون مرجعية لعملها من خلال مجموعة من الأهداف المرسومة لها والمبادئ التنظيمية التي وضعتها التي تتفق مع قوانين البلاد. وأن لا ترجع لأي مرجعية أخرى لا دينية ولا سياسية، فالمرجعيات الدينية تكون فقط للعقائد الدينية، أما الوطن وقضاياه فمرجعيته هو الوطن وقيادته السياسية والدستور. وعدم التخلي عن حقهم في إدارة شؤونهم وفي تحقيق أهدافهم لسلطة أو مرجعية أجنبية لا تتفق مع نظام الدولة أو مناوئة لها. أن تعمل وفقاً لمبدأ العمل التطوعي المشترك، عمل تطوعي يخدم أفراد المجتمع ويعمل على تنمية البلاد، وأن لا يكون هناك أي فرض قسري لأي فرد في المجتمع لأن ينتمي إلى أي مؤسسة من هذه المؤسسات، أو يشترك معها في تنفيذ عمل يتعارض مع قانون ونظام البلاد. أن تمارس عملها بشفافية تامة، وفقاً لمبادئ وأهداف المؤسسة، وبعيداً عن أي أجندة أخرى، ومن غير التحيز لأي طائفة أو مذهب أو عرق إنساني مُعين، فالجميع هُم أبناء الوطن وتحت ظلاله يعيشون ومن نمائه يتمتعون. وأن تمارس عملها بمصداقية وبدون خداع الآخرين، ولا بتضليلهم تحت ذريعة الأهداف الوطنية أو الدينية أو المذهبية أو الحزبية. وعندما تقوم هذه المؤسسة أو تلك بعملية المحاسبة والمساءلة للدولة أو لغيرها عليها هي أيضاً أن تتقبل المحاسبة والمساءلة من الغير. وبذلك فإن مؤسسات المجتمع المدني تقوم على ثلاثة أركان أساسية، وهي: الأول ـ الفعل الإرادي الحُر، والثاني ـ التنظيم الجماعي والثالث هو الركن الأخلاقي والسلوكي. وإن طبيعة أي مؤسسة مجتمعية وحدود حركتها ومساحتها تتحدد من خلال أنماط العلاقة بين الدولة وهذه المؤسسة وغيرها من المؤسسات، وأن لا يكون هناك تنافس أو صراع بين هذه المؤسسات والدولة في المجتمع، بل يعملان في اتجاه واحد لتحقيق الغايات المجتمعية. وأن توفر هذه الأركان يسمح بوجود مجتمع مدني قوي يكون قاعدة أساسية للدولة، وتكون حينها هذه المؤسسات أكثر استعداداً لمساعدة الدولة في جميع المجالات، في الوقت نفسه فإن الدولة ستدعم هذه المؤسسات لكونها تعمل على تحقيق المصلحة العامة. ومن جانب آخر لا يعني أن هذه المؤسسات يجب أن تكون فئة معارضة وتعمل في مواجهة الدولة، لأن مؤسسات المجتمع المدني وجدت من أجل تحقيق أهدافاً أوسع وأعمق من مجرد موقفها المُعارض، لأن مشاركتها بفاعلية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والحقوقية تتيح لها فرصة مراقبة كافة البنى التحتية الاجتماعية بما فيها مؤسسات الدولة، فليس من المنطق أن يكون هناك عداء أو تناقض بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، على أن تبقى هذه المؤسسات أهلية مُستقلة وإلا فإنها ستفقد فاعليتها وكفاءاتها وجوهرها وشرعيتها تدريجياً. لقد أصبح وجود مؤسسات المجتمع المدني في الدولة دليلاً على وجود الحياة الديمقراطية في البلاد، ويُمثل وجودها ضرورة حضارية وأداة عصرية فعالة، وإيماناً من القيادة السياسية بأهمية وضرورة مؤسسات المجتمع المدني وانطلاقاً من حرصها على العمل الوطني لتحقيق الاستفادة من كل الوسائل الديمقراطية التي تسهم في خدمة المصالح العامة وتحقيقاً كل ما فيه الخير للمواطنين سمحت للكثير من المؤسسات المجتمعية أن تؤسس وتعمل ومازال الباب مفتوحاً للمزيد منها، وذلك في إطار ثوابت مملكة البحرين الدستورية والوطنية