ياسمينا صلاح

لزمن غير بعيد، كان لفظ "العانس" يطلق على الفتاة التي يتأخر بها سن الزواج، إلا أنه في السنوات الأخيرة، بسبب تزايد الشباب الذين بلغوا الأربعين عاماً وأكثر من دون أن يتزوجوا، صار هذا اللفظ مشتركاً بينهم وبين الفتيات.

وفي الوقت الذي حاولت فيه "الوطن"، التواصل مع عدد من هؤلاء الشباب، للوقوف على الأسباب التي حالت دون زواجهم، ولم يتسنَّ لها ذلك لأنهم اعتبروها من الأمور الشخصية، فإن أصحاب الشأن من خطابات واختصاصيين أرجعوا السبب في ذلك إلى ارتفاع نفقات الزواج، وارتفاع الشروط التي يضعها العريس، وكأنه "توم كروز".



من جانبها، بينت الخطابة "س، م": "من أسباب تأخر الشباب عن الزواج الظروف التي يحاط بها من جميع الاتجاهات، وصعوبة الحياة وزيادة المتطلبات، وأهمها المادية، فالزواج يحتاج إلى قدر كبير من المال حتى يأتي بجميع متطلبات الأهل، وأيضاً بسبب المعايير الصعبة التي يضعونها في اختيار الشريكة سواء شكلية أو شخصية، ويوجد فئة لا تفكر في الزواج من الأساس بسبب الانشغال في أعمالهم المستمرة أو إعالتهم أهلهم، وآخرون يقولون "طافهم القطار"، وهذه الأسباب جعلت عمر الشباب يمر دون أخذ أي خطوة إيجابية تجاه الزواج ولا ننكر أن الأطراف الأخرى لها دور مثل متطلبات الأهل التي لا تنتهي وزيادة المهور وزيادة ميزانية قاعات الأعراس".

فيما قالت الخطابة "ي، ص": "أعرف مواطناً عانى من موضوع الزواج بسبب ظروفه المادية السيئة والديون المتراكمة عليه لعلاج والدته المريضة، وحين قرر الزواج لم يجد ما يساعده على هذه الخطوة لأن الزواج يحتاج إلى القدرة على توفير المال".

وأضافت: "الأمر لا يقتصر على الظروف المادية، هناك من يظن نفسه "توم كروز" فيريدها طويلة وسمراء البشرة ورشيقة ولديها غمازة في خدها الأيسر، والآخر يريدها بيضاء وقصيرة ولديها جسم متناسق، وآخر يقول جميلة وعيونها خضراء، وشعرها ناعم ومتوسطة الطول وكثير من المواصفات الشكلية التي يفترض ألا تقاس عليها اختيارات الشريكة وليست الأهم، أما الناحية الشخصية فأحدهم يقول أريدها قوية ومتحكمة والآخر يريدها ضعيفة ولا تناقشه في أي أمر، وآخر يحبها لافتة ومثيرة للانتباه".

من جانبه، قال المحامي عبدالله صالح: "من أكثر المشكلات التي يواجهها الشباب ارتفاع المهور، وعدم توافر مسكن والزوجة لا تريد أن تعيش مع أهل الزوج، لأن هذا الأمر يزيد من المشكلات بين الأزواج، وقلة تحمل المسؤولية من الزوج، وخشية بعضهم من أن تكون الزوجة قليلة التحمل للمسؤولية أيضاً".

وتابع: "من الأسباب أيضاً، أن الظروف الاقتصادية المحيطة صعبة، وخصوصاً أن الشاب يكون في مقتبل العمر وتكون متطلبات الزواج كثيرة ومبالغها باهظة، وأيضاً من المشكلات المهمة، عدم الوعي بفكرة الزواج والرغبة في عدم تحمل المسؤولية وعدم التفهم أن الحياة الزوجية تحتاج إلى مسؤوليات كثيرة وتغيير كبير في نمط الحياة وعدم تقبل الفكرة لهذا الأمر يؤدي إلى زيادة المشكلات، من المشكلات أيضاً كثرة متطلبات الزوجة وحتى يستطيع إرضاءها يقوم بأخذ قروض ويدخل في ديون لا حصر لها، وهذا الضغط الرهيب على الرجل يضعه في مسؤولية كبيرة تؤثر على العلاقة بشكل رهيب، وأيضاً الاختيار الخاطئ يشكل مشكلة كبيرة، فالاختيار يترتب عليه نجاح العلاقة أو فشلها بنسبة 30%".

وأوضح أنه "لحل مشكلة الخوف من الفشل، يجب عمل تدريبات توعوية أو إنشاء مكتب خاص لأشخاص متخصصين في هذا المجال وإعطاؤهم النصائح اللازمة التي يحتاجونها ويعرفونهم بمسؤولياتهم الزوجية وحقوق كل طرف في الشرع والقانون، وتقبل الطرفين لبدء حياة زوجية سوية وصحية وخالية من المشكلات التي تؤدي إلى الطلاق أو الانفصال أو عدم التفاهم وتؤثر بشكل كبير على العلاقة".

وأردف: "نتفهم خوف الشباب من المشكلات التي قد تحدث بعد الزواج، وما يسمعونه من حالات طلاق، ولكن ليس كل المشكلات تؤدي إلى الطلاق، فإذا كان الطرفان لديهما الوعي الكافي من البداية لكل الجوانب الزوجية ومعرفة كل شخص حقوقه فلن تتطور المشكلة".

وواصل: "البعض يعتقد أن الزواج المبكر هو سبب المشكلات، لذلك يتأخر في الزواج، خشية أن يضطر إلى الطلاق ولديه أطفال، ولكن التأخر في الزواج ليس حلاً لظاهرة الطلاق، بل الأفضل عمل الخطبة من 6 أشهر إلى سنة لمعرفة الطرفين بعضهما البعض، ودراسة رؤيتهما المستقبلية لحياتهما الزوجية، ونسبة الطلاق وصلت إلى 40% ومكتب التوافق الأسري له دور أساسي وجوهري في تقليل المشكلات والوصول إلى حل لإرضاء الطرفين وله دور بارز في تقليل الطلاق والانفصال بين الأزواج".

من جهتها، أكدت الاختصاصية الاجتماعية أسماء محمد أن "أهم أسباب تأخير الزواج لأجل غير محدد هي الأسباب الاقتصادية، كغلاء المهور، فالمغالاة في المهور تجعل الشاب يقوم بتأخير موضوع الارتباط والتفكير فيه عدة مرات، وإقامة حفلات الزفاف وكثره الطلبات لهذه الحفلات والبذخ، إذ إنها أصبحت كالمنافسة بين الفتيات، ما يجعل ذلك عبئاً وضغطاً على الشاب".

وأشارت إلى أن "بعض الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تكون نابعة من تجارب سابقة لآخرين، تجعله يتخذ قرار تأجيل موضوع الارتباط وذلك كنوع من الدفاع عن النفس والهروب من المسؤولية حيث يرى أن الزواج عبارة عن فقدان لحريته واستقلاليته وعدم الرغبة في التنازلات ويمكن أن يكون أحد أسباب عنوسة الشباب التجارب الفاشلة السابقة".

وأضافت: "هناك الأسباب التعليمية، إذ نجد أن هناك من يفضلون استكمال تعليمهم ودراساتهم العليا ورغبتهم في تحقيق أهدافهم وطموحاتهم والتخطيط لمستقبلهم بشكل جيد وذلك مما يجعلهم مستقلين مادياً وفكرياً، وانفتاح الفتيات اليوم يجعل الشاب يعيد النظر في موضوع الزواج الذي يحكمه في ذلك عاداته وتقاليده.

وانتقدت ضغط المجتمع على الشاب عندما يصل إلى سن معين حتى إذا كان غير مستعد نفسياً أو مادياً".

وذكرت أن "من الحلول تيسير الزواج على الشاب وذلك بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية وعدم المبالغة في الحفلات، وعمل دورات توعية للجنسين، ومرونة الأسر لإعطاء الشاب فرصة لاختيار الفتاة المناسبة وذلك من خلال عدم التقيد بشروط معينة، ويجب على الأسر تعليم الشاب مسوؤليات الزواج".

أسباب نفسية

من جانبها، قالت الاستشارية النفسية الدكتورة عائشة الشيخ: "إن الأسباب تتنوع؛ إذ توجد أسباب نفسية واقتصادية ومجتمعية لها علاقة بنظرة المجتمع للزواج والمتزوجين الذين سوف يقومون بالارتباط ببعضهم البعض، أهمها العوامل النفسية وهي الخوف من المسؤولية وتسمى بالجيموفوبيا، ظاهرة الخوف من الزواج والفشل والخوف من التقيد".

وتابعت: "بحكم الحالات التي أراها والتي بدأت معالجتها لوصول الشباب إلى بر الأمان أو التوافق وتقبل فكرة الزواج، وخصوصاً عند وصول الشاب إلى مرحلة معينة من العمر في آخر الثلاثين وأكبر، هو أنه في منظور المتجمع يسمى رجلاً عانساً، لأن المفهوم السائد هو بداية الحياة الزوجية المتوقعة في العشرينيات، وبات اليوم الضغط على الشاب أكثر من البنت، لأنه المبادر إلى طلب الزواج، بخلاف المرأة التي تتلقى طلب الزواج".

وأضافت: "من الأسباب التي تجعل الشاب يتأخر في الزواج أنه يخطب فتيات من عوائل يرون أنه لا يناسبهم، أو يضعون شروطاً صعبة عليه، ويوجد حالات واقعية من هذا النوع، كما أن كثيراً من الفتيات يردن مستوى معيناً في المعيشة ولا يستطيع الشاب أن يلبي جميع الرغبات، فالأمور التقليدية في مسألة الزواج رائجة وتكون من الأسباب المعيقة، لذلك يخاف الشاب من المتطلبات ما يجعله يتراجع، إضافة إلى رفض أهل الشاب الفتاة التي يختارها، إما لأسباب طائفية أو عرقية، أو مستواها الاقتصادي، وتتدخل أيضاً العادات والتقاليد وعدم الوعي وربما القدر والنصيب فليس للشخص مقدرة في ذلك".

وواصلت: "الرجل بطبيعته يعاني في صمت وتأخر الزواج يدخله في اكتئاب وإحباط من تنمر المجتمع أو الأهل فيلجأ للزواج من أجنبية، أو يفقد الأمل في المستقبل، واجتماعياً الشخص قد ينعزل ويتفادى الآخرين لتجنب كثرة الأسئلة من قبل المحيطين به وكأن التقصير منه أو فيه، فالمجتمع يحمل الشخص غير المتزوج المسؤولية في عدم الزواج، مع أن ذلك قد يكون بسبب الظروف المحيطة به، وبسبب هذا الاعتقاد الخاطئ، يعزف بعض الأشخاص عن الزواج من أساسه".

وأوضحت: "إن من الأمور المهمة التوعية الإعلامية للأهل والشباب وأن تقوم وزارة الإعلام بتبني شعار معين لتشجيع الشباب على الزواج بعمل مواقف تمثيلية لتوعية الأهل والشباب أو برامج توعوية في جميع المنصات الإعلامية، كما يمكن للدولة أن تقوم بتقديم منح بسيطة للمقبلين أو دعم لغير المقتدرين وإعانتهم بصورة معينة"، مطالبة بضرورة توعية الأهل والفتيات بعدم المقارنة والتشبه والانجراف وراء المظاهر والارتكاز على الأسس الحقيقية ومنها القناعة والتقدير لظروف الطرف الآخر والتقليل من البذخ المبالغ به.

وبينت أنه يوجد العديد من الشباب الذين تأخروا بالزواج، تقدموا بطلب أيدي كثير من الفتيات، ولكن يتم الرفض من قبل الأهل من دون معرفة السبب ويكون لديهم وظائف ثابتة ولا يعيبهم شيء، وقالت: "توجد حالة حاولت معالجتها، وهي فتاة على معرفة بشخص، فتقدم لها ورغم أنه لا توجد به مشكلة وعلى مستوى تعليمي وأخلاقي، فإنه تم الرفض من قبل الأهل لأن اسم العائلة لا يتناسب مع عائلة الشاب، وحاولنا بقدر المستطاع الحديث مع الأهل من دون الوصول إلى نتيجة".