سألتها ماذا تعملين؟ أجابت أنا لا أعمل. دهشت وتساءلت!! ألست أُمّاً مسؤولة عن إدارة أسرة؟! ألا تعتبرين هذا عملاً؟!!! فتلك السيدة تعتبر نفسها غير عاملة بالرغم من أهمية الدور الذي تقوم به للمجتمع وهو تربية الأبناء ورعاية الأسرة، والجميع يدرك تلك المعادلة الهامة بأن الأسرة هي نواة المجتمع إن صلحت صلح المجتمع كله. وأعتقد أن هناك خلط في المفاهيم، فالبعض يعتبر مشاركة المواطن الصالح وإسهامه في التنمية لا تكون إلا من خلال الوظيفة أو العمل الحر بمعنى آخر العمل الذي يهدف إلى كسب الرزق، وينسون أن هناك أعمالاً وأدواراً أساسية يقوم بها المواطن مكملة لأدوار الموظفين التي تسهم في عملية التنمية كتفرغ ربة المنزل لرعاية أبنائها، أو قيام بعض المتقاعدين برعاية الأحفاد، أو تقديم خدمات تطوعية ومجتمعية، أو قيام بعض العاطلين بمشاركة والديهم في تحمل بعض المسؤوليات الأسرية أو إدارة أموالها، فتلك الأعمال ضرورية فهي تسهم في عملية التنمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من هنا علينا أن نغير مفهومنا لكلمة «العمل» فالعمل بمعناه الواسع: يعني المشاركة في عملية التنمية من خلال قنوات متنوعة ولا تقتصر هذه القنوات على القنوات الوظيفية والتي تعود على صاحبها بعوائد مادية، بل هناك قنوات أخرى كالمشاركة المجتمعية، والعمل التطوعي، وبناء الأسرة وغيرها.

إن عدم وضوح هذا المفهوم جعلنا نهتم بإعداد الإنسان لسوق العمل فقط، ولا نركز على بناء الإنسان ليكون مواطناً صالحاً يشارك في عملية التنمية من خلال جميع القنوات، فعلينا أن نعد الإنسان ليكون رب أسرة ناجح، وابناً متعاوناً مع أفراد أسرته، وليكون جاراً صالحاً، وليكون فرداً فاعلاً في المجتمع، من هنا أرى ضرورة التركيز على البرامج التي تهدف لتنمية المواطن في جميع مراحل حياته، سواء أكان على رأس العمل، أو عاطلاً عن العمل، أو متقاعداً، أو ربة منزل، فجميع المواطنين يجب أن يتم إعدادهم ليكون لهم إسهاماً في عملية التنمية بلا استثناءً، إن بناء المواطن الصالح وتأصيل قيم العطاء لديه يسهم في عملية التنمية الاقتصادية، ونذكر هنا تجربة سنغافورة في إصلاح اقتصادها حيث بدأت ببناء الإنسان ليكون مواطناً صالحاً فركزوا على تأصيل قيم المواطنة الفاعلة مثل: احترام القوانين، الحفاظ على المرافق العامة، والوعي الصحي وغيرها. لذا علينا أن ندرك أننا جميعنا بلا استثناء، نعمل في شتى المجالات للمساهمة في بناء الوطن.. ودمتم أبناء قومي سالمين.