مرت قرابة السنة على اكتشاف فيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم، مرت وهي مليئة بالتحديات والإجراءات الصحية والاستثنائية للحد من انتشاره، فقد شكل هذا الفيروس الصغير تحديًا عالميًا غير مسبوق عبر إجراءات كثيرة، وصارمة، تتناسب مع خطورته، امتدت إلى عزل المدن في شتى أركان العالم، ومنع النشاطات الثقافية، والرياضية، والترفيهية، بالإضافة إلى حظر التجمعات، وتقييد حرية التنقل والسفر، الأمر الذي أثار جدلًا واسعاً بين أوساط المنظمات الحقوقية على المستوى الإقليمي والدولي، حول تأثير هذه الإجراءات على الحقوق والحريات الأساسية التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى المبادئ التي ضمتها الشرعة الدولية لهذه الحقوق.

فمع بداية تفشي الجائحة، بادرت الدول بفرض الكثير من القيود على جوانب تمس كافة حريات الأشخاص وحقوقهم تفاديًا لمخاطر الفيروس، والعمل على حماية حق الحياة والصحة، خاصة بعد إعلان منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية عالمية في 30 يناير 2020 م، فيما اتخذت مملكة البحرين منحى آخر في تطبيق الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية - دون الإخلال بأي مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان - لتعزيز حماية المواطنين والمقيمين على أرضها، وكانت نموذجًا مميزًا لاحترام حقوق الإنسان.

وبناء على التوجيهات الملكية السامية لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، كرست حكومة مملكة البحرين برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، جهودها لوضع الإنسان وحقوقه على رأس أولوياتها، فقد بادرت إلى تسهيل الإجراءات لاستمرار الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين، دون أي تمييز، ووفرت لجميع الفئات الخدمات العلاجية والوقائية وفقًا لأفضل المعايير الدولية، ولم تقتصر التوجيهات السامية على التخفيف من الآثار الاقتصادية على المواطنين والمقيمين لتبعات الجائحة فحسب، بل امتدت إلى حد كبير لتشمل الحقوق الصحية، والتعليمية، وحماية حقوق الطفل، والمرأة، وكبار السن، وذوي الإعاقة، وحماية حقوق العمال، وتعزيز الأمن الغذائي، عبر اعتماد حزمة واسعة من القرارات والإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المدروسة، التي أسهمت إلى حدٍ كبير في تحجيم، وتقليل الأضرار السلبية الناتجة جراء هذه الجائحة، دون أي تراجع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، فضلا عن اللفتة الإنسانية السامية من لدن جلالته بالعفو عن المئات من المحكوم عليهم وذلك لدواعٍ إنسانية في ظل الظروف الراهنة للجائحة والجهود الوطنية للتصدي له. فضلا على التوسع الملحوظ في تطبيق قانون العقوبات البديلة.





ومنذ بداية تفشي الجائحة وحتى تاريخه، حرصت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في مملكة البحرين - انطلاقًا من دورها الحقوقي والرقابي ضمن صلاحياتها الواسعة التي أكد عليها قانون إنشائها وفق مبادئ باريس - على المتابعة الحثيثة للخطوات والإجراءات التي اتخذتها الجهات المعنية في المملكة، وذلك عبر الزيارات الميدانية المعلنة وغير المعلنة التي قام بها أعضاء مجلس مفوضيها لرصد أوضاع حقوق الإنسان في المؤسسات الإصلاحية وأماكن الاحتجاز والتجمعات العمالية والدور الصحية والتعليمية، إذ حرصت تلك الجهات على الشفافية، والوضوح، والجدية في التعاطي مع انتشار الجائحة فيما اتخذته من إجراءات ومدى الحاجة الصحية لتلك الإجراءات، وعززت التعاون والتفاعل مع منظمات المجتمع المدني والمؤسسات ذات الصلة بحماية حقوق الإنسان، وكافة أطياف المجتمع كشريك أساسي لتجاوز هذه الجائحة، ولم تألوا جهدًا في ذات الوقت عن صيانة حقوق الإنسان واحترامها وترقيتها .

المفارقة المُرّة أن هناك منظمات تدعي الالتزام بالدفاع عن حقوق الإنسان ولكن تمارس عملها الحقوقي بازدواجية - أخطر أنواع الازدواجية - للنيل من الإنجازات الحقوقية الرائدة لمملكة البحرين ومكانتها الدولي، عبر الإدلاء بين الحين والآخر بتصريحات إعلامية مضللة تعد بذاتها انتهاكًا لحقوق الإنسان، ونهجًا منافيًا للواقع، وتقدم معلومات مفبركة ومبنية على محاولات يائسة بهدف تضليل الحقائق عما قامت به مملكة البحرين من جهود إنسانية كبيرة لحماية مواطنيها والمقيمين على أرضها من فيروس كورونا دون الإخلال بحقوق الإنسان، من منطلق مواقف خاصة بهم.

وبعد مرور عام على تفشي جائحة كورونا، ومع وصول شحنة لقاحات التطعيم الآمن والمرخص للوقاية من الفيروس المستجد وفق معايير عالمية لضمان سلامة النقل والتخزين إلى مملكة البحرين ضمن الدول الأولى في توفيره، وجه جلالة الملك المفدى بإتاحة اللقاح بالمجان لكلِّ مواطن ومقيم، وعلى أن يكون اختياريًا لمن يرغب أن يستفيد من هذا التحصين، وهنا تتضح لك عزيزي القارئ القيم الإنسانية والحضارية النبيلة التي تتحلى بها القيادة الحكيمة لمملكة البحرين، حيث جعل جلالته نصب عينيه حقوق الإنسان، ضمن توجيهاته السامية، عبر إتاحة اللقاح مجانًا - رغم محدودية موارد المملكة - لكلِّ فرد من أفراد المجتمع دون النظر لكونه مواطنًا أو مقيمًا، وعدم إلزامية أخذ اللقاح كحرية شخصية، في الوقت الذي اكتفت فيه عدد من الدول بتوفير اللقاح لمواطنيها فقط .

وفي الختام، نؤكد بأن مملكة البحرين تمضي بخطًى ثابتة في رعاية كل ما يتعلق بتعزيز قيم ومبادئ حقوق الإنسان، وواقع التسامح والتعايش في ظل دولة المؤسسات وسيادة القانون، وبرعاية ملكية سامية لم تدع مجالاً للشك بمدى إيمانها العميق بكرامة الإنسان واحترامها لحقوقه والتزامها بحمايته دون أي تمييز أو تفرقة، جعلت من المملكة نموذجًا رائدًا يُحتذى به.