بمناسبة حظر شركة «تويتر» و«فيسبوك» و«إنستغرام» حسابات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تذكرت رائعة الأديب جورج أوريل السياسية «1984»، التي صدرت عام 1949م!! حيث يخضع الجميع لنظام إلكتروني متواجد في كل مكان وقادر على سماع حديثهم وتقييمه ومعاقبتهم عليه. النظام الإلكتروني تابع لنظام «الأخ الأكبر» الحاكم. الذي يستعين بـ«وزارة الحقيقة» التي تصدر التشريعات وتحاكم الناس بموجبها. الرواية خيالية «واقعية» تبين قوة المراقبة التي تخترق المنازل والغابات البعيدة، وتبدأ تهدد سرية حديث النفس.

جزء من الحرب العالمية الدائرة حالياً هي حرب بيانات. تنعكس على المجال الاقتصادي، والسياسي، ومن ثم تحسم السيطرة على البشر التي تتصارع عليها جميع الأطراف. جميع البرامج والتطبيقات الإلكترونية تحفظ بياناتنا الشخصية والمهنية والمالية. وكلما تقدم وضعنا الوظيفي أو السياسي زادت قيمة تلك البيانات من وثائق شخصية ومراسلات وتقارير واجتماعات موثقة!!

كم برنامجاً وتطبيقاً إلكترونياً نستخدم؟ غوغل، أمازون، وسائل التواصل الاجتماعي، وحالياً، برامج التعليم والاجتماعات عن بعد: التيمز والزوم، التطبيقات البنكية والفيزا، الأجهزة الذكية آيفون، سامسونج، هواوي. جميعاً تسجل كل بياناتنا ومكالماتنا وصورنا وحساباتنا المالية. جميعها تعرف عنا أكثر مما نعرفه نحن عن أنفسنا.

في المستقبل مع تطور شبكة «5G» ومنافسيها، سوف نشغل كل أجزاء حياتنا إلكترونياً. ابتداءً من فتح منازلنا وتشغيل الأزرار الكهربائية المختلفة، وانتهاء بتسيير السيارات ذاتياً. وجميعها تعمل عن طريق تخزين بياناتنا الشخصية وبالتعرف الذاتي على بصمة الإصبع أو العينين. وجميعها تخضع لسلطات عابرة للدول، ولا تخضع لأي حكومة وطنية. بل هي ملك لأفراد، ربما يشكلون حكومة عالمية مستقلة تنسق فيما بينها وتتنافس اقتصادياً وفكرياً علينا.

قبل شهر تقريباً تعرضت شركة غوغل لعطل لمدة ساعتين. أثناءها توقفت كل الخدمات المرتبطة بغوغل عالمياً. مما سبب الكثير من تعطيل الأعمال وقضاء المصالح. ماذا لو تعطلت شركة أخرى في المستقبل القريب، وكانت الشركة مرتبطة بإدارة المنزل ابتداءً من فتح الباب وانتهاء بفصل تيار الكهرباء؟ سوف لن نتمكن من دخول المنزل. ماذا لو تعطلت الشركة المتحكمة بتسيير السيارات ذاتياً؟ سوف لن نصل إلى وجهاتنا. ماذا لو تعطل النظام المستقبلي الذي سيدير «العملة الإلكترونية الموحدة»؟ سوف نموت جوعاً!!

التكنولوجيا نعمة العصور الحديثة. سهلت كثيراً مما كان عسيراً. ثلاثة أرباع العالم ليس جزءاً من إنتاج تلك التكنولوجيا. و90% من العالم المستهلك لها والمقيد بها، ليس طرفاً في إداراتها والتحكم بها. وهي ملكية خاصة لشركات عابرة للقارات ومستقلة عن أي سلطة أو حكومة أو دولة. ومع ذلك تمتلك كل بياناتنا، وصارت تحكمنا. وربما مستقبلاً تعاقبنا بإغلاق حساباتنا الشخصية والمالية، تماماً كما تمكنت فايس بوك وتوير وإنستغرام من معاقبة أقوى رئيس في العالم وحظر حساباته!!!

حين كتب جورج أوريل عن الأخ الأكبر عام 1949. لم تكن التكنولوجيا بهذا التقدم. لكن عبقرية أوريل في فهم رغبات بعض البشر في المراقبة والسيطرة والتحكم ألهمته تلك الرواية العبقرية التي تتحقق حرفياً في يومنا هذا.