الاندبندنت

دخل لبنان فعلياً مرحلة الكارثة الصحية التي تخطت السيناريو الإيطالي الشهير، في ظل تسجيل مستويات قياسية لعدد المصابين يومياً بفيروس كورونا، والذي لامس 6 آلاف من عدد سكان يقدر بحوالى 5 ملايين نسمة، كما ارتفعت بشكل كبير نسبة الإيجابية في إجمالي الفحوص التي بلغت 19.4 في المئة، بمؤشر يعطي دلالات واضحة على حجم تفشي الوباء في لبنان.

عدد الإصابات التراكمي منذ بداية الجائحة بلغ 253 ألف حالة مثبتة محلياً، فيما عدد الوفيات فاق الـ 1860. ومع ارتفاع أعداد المصابين إلى مستويات قياسية وأيضاً عدد الحالات الحرجة التي تتطلب عناية طبية في المستشفيات التي بلغت طاقتها الاستيعابية القصوى.

وهكذا أصبح المصاب بكورونا، وإن نجح في الحصول على موافقة لدخول المستشفى، ينتظر ساعات وأياماً في الطوارئ قبل الاستحصال على سرير.

كما اصطف المواطنون في سياراتهم أمام ابواب المستشفيات للحصول على آلات لتوليد الأكسجين تساعدهم في التنفس لمواجهة اختناق أصبح محتماً.

لا أسرّة والمرضى ينتظرون في الطوارئ

رئيس مستشفى رفيق الحريري الجامعي الدكتور فراس أبيض أوضح أن أعداد المرضى الذين يحتاجون العناية المركزة ارتفع ليصل إلى أكثر من 30 مريضاً جديداً يومياً، كما ارتفع عدد حالات الوفاة إلى 40 حالة في وضع وصفه بالمأساوي.

ففي مستشفى الحريري، وهو أكبر مستشفى حكومي لمعالجة كورونا في لبنان، امتلأت الأسرة بالكامل (عناية مركزة أو غرف عادية)، فيما ينتظر 10 مرضى شغور الأسرّة ليتم نقلهم إلى الغرف لمعالجتهم.

وبيّن أبيض أن المعالجة الصحيحة لمريض كورونا تتطلب متوسطاً بين 10 أيام إلى أسبوعين من العناية في المستشفى، فيما أعداد الإصابات اليومية بالعشرات، ومن هنا تأتي صعوبة تلبية الضغط الكبير الذي تتعرض له كل المستشفيات لتطبيب أعداد المرضى الذين يتضاعفون بشكل كبير.

الحالات المرضية تتزايد يومياً، فيما حالات الشفاء تأخذ وقتاً طويلاً، وتوقع أن تكون الأسابيع المقبلة صعبة، فالمستشفيات مكتظة حالياً. وبحسب منظمة الصحة العالمية بلغت نسبة الإشغال للأقسام المخصصة لكورونا في لبنان 93 في المئة، ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى مزيد من الأسرّة.

كما يعاني مستشفى رفيق الحريري نقص الأدوية نظراً إلى عدد المرضى، ولكن يتم تجاوز ذلك عبر إسهام أهل المريض في تأمين الأدوية التي قد تنفد من المستشفى. ويرى أبيض أن الامتثال للإغلاق حتى الآن من قبل المواطنين والحكومة جيّد، وإذا التزم الناس بالتباعد والتخفيف من الاختلاط فقد يستطيع لبنان السيطرة على الأزمة.

ونفى أن تكون البلاد وصلت فعلياً إلى مرحلة رفض تطبيب المسنين لمصلحة الشباب، وإذا ما حصل كما يتردد، فيبقى في إطار حالات قليلة وليس تعميماً أو بروتوكولاً اتبعته المستشفيات.

وسيتم توفير أسرّة عناية إضافية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي هذا الأسبوع، كما سيتم إيقاف ما تبقى من الأنشطة الطبية غير الأساسية، وتخصيص مواردها لأقسام كورونا. وأضاف أبيض، "نحن على وشك الانتهاء من تجهيز مركز خاص باللقاح، ويتم بذل جهود مماثلة في مستشفيات أخرى".

أزمة طواقم طبية

يبيّن عضو مجلس أطباء القمصان البيض الدكتور هادي مراد من جهته، أن حال المستشفيات الخاصة ليس أفضل من المستشفيات الحكومية، خصوصاً في بيروت وجبل لبنان، حيث استنفذت كل القوى والعتاد من مستلزمات طبية وحتى أطباء وممرضين، فمنذ بداية الأزمة هاجر أكثر من 400 طبيب من لبنان بحسب نقيب الأطباء شرف أبو شرف، فيما فاق عدد حالات المصابين من الطاقم الطبي بفيروس كورونا 2330 حالة، معظمهم على تماس مباشر مع مرضى كورونا، لتنتقل الأزمة من أزمة أسرّة إلى أزمة طواقم طبية من أطباء وممرضين ومقدمي الخدمات في المستشفيات.

ويفيد مراد بأن المستشفيات الجامعية الكبيرة في بيروت عمدت إلى رفع عدد الأجنحة المخصصة لمرضى كورونا بشكل كبير وسريع، ففي إحدى مستشفيات العاصمة ارتفع عدد الأسرة من ثمانية إلى 32 سريراً، جميعها ممتلئة بالكامل.

كما استحدث مستشفى آخر في بيروت أيضاً، وضع في مواقف السيارات لتأمين غرف صغيرة معزولة يتم فيها تأمين الطبابة العاجلة وبخاصة الأكسجين للمرضى الذين يتوافدون إلى المستشفيات من دون إيجاد أماكن لهم، وتفادياً لبقائهم في السيارات وتعريض حياتهم وحياة من حولهم للخطر.

مستشفيات العاصمة السبعة الأكبر ممتلئة بالكامل على الرغم من أنها ضاعفت أعداد الأسرّة وأسرة العناية الفائقة خلال الأسابيع القليلة الماضية. ويعود مراد ليؤكد أنه "مهما ضاعفت المستشفيات عدد أسرّتها، إلا أن أعداد المصابين تزداد بشكل أسرع ليبقى الحل باستحداث مستشفيات ميدانية مخصصة لمعالجة مرضى كورونا".

أزمة أكسجين والسوق السوداء

أزمة من نوع آخر تفجرت في قطاع صحي يتهاوى على وقع أعداد كبيرة للمصابين بفيروس كورونا، وانهيار الليرة اللبنانية وتفاقم الفقر وانعدام القدرة على تأمين الطبابة، فامتلاء المستشفيات دفع المواطنين إلى حل الطبابة في المنزل، فزادت حال الهلع والخوف والتهافت بخاصة على ماكينات الأكسجين التي فقدت من السوق، وأصبحت تباع بمبلغ يتراوح بين 1000 و2400 دولار بالعملة الأميركية، ليصبح من يملك المال قادراً على التنفس وليموت من لا يملك الدولار.

تبيّن نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية سلمى عاصي أن الأكسجين يصنّع في لبنان، وبالتالي فلا مشكلة في تأمينه للمستشفيات التي عادة ما تجهز غرفها بهذه المادة، وهي تعبأ بخزانات وتوزع على الغرف كما الماء، وإنما المشكلة المستجدة بحسب عاصي تمثلت بواقع جديد أرساه تطبيب المواطنين من المنزل، مما خلق طلباً كبيراً ومستجداً على آلات تصنيع الأكسجين التي نفدت من الأسواق بسرعة، بخاصة في ظل توجه البعض لتخزينها تحسباً للطوارئ.

كما خلق الطلب الكبير سوقاً سوداء، فوجدت آلات في الأسواق والمحال التجارية يتم بيعها بأسعار مرتفعة، وتتفاوت الأسعار من محل إلى الآخر، وهي عموماً غير موثوقة الجودة، ويجب الحذر قبل شرائها.

ولمواجهة النقص وازدهار سوق سوداء غير آمنة، بيّنت نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية عاصي أن الشركات المتسوردة والتي كانت قد طلبت هذه الآلات سابقاً، بادرت اليوم بتوزيع 200 منها على المستشفيات، وهي ستتسلم 300 جهاز آخر خلال الأسبوع، ستوزع أيضاً على المرضى والبلديات لتوسيع استعمالها وعدم حصرها على مريض واحد.

كما بيّنت عاصي أن النقابة وضعت آلية جديدة تتمثل بأن يكون تسلّم الآلة مطلوباً بحسب ورقة طبيب، والمريض الذي بحاجتها يمكنه أن يرسل ورقة الطبيب للنقابة، والكمية التي يريدها، والفحص الإيجابي، وسيتم التواصل معه لتأمينها.

ولفتت عاصي إلى أن النقابة تتواصل أيضاً مع الجمعيات الطبية التي تقوم باستخدام آلات الأكسجين بالمداورة بين المرضى.

وعن الأسعار فتتراوح بين 700 وحتى 1200 دولار، وعمليات البيع تتم بالدولار الأميركي، كون المصرف المركزي لا يدعم هذه الآلات التي تعتبر عناية منزلية وليس طبابة صحية خاصة بالمستشفيات.