ظاهرة غريبة بدأت تتوسع وتأخذ أشكالاً متعددة في الدوائر الحكومية! بدأت بتداول معلومات غير معلن عنها من الجهة حول موضوع ما، ثم نشر تعاميم أو مراسلات داخلية تخص الجهة، حتى وصل الأمر اليوم إلى تسريب رسائل رسمية مختومة وموقعة من الجهة الحكومية!

أتساءل عن سبب انتشار هذه الظاهرة؟ هل السبب هو قلة وعي الموظف الحكومي بالمسؤولية الأخلاقية والقانونية والإدارية؟ أم تقصير من مؤسسات الدولة في توعية الموظف حول سرية المعلومات؟ أم إن هناك من له أيدٍ خفية يتم التصيد بها من خلال موظفي هذه الدوائر؟

الغريب في الظاهرة أننا نرى اليوم سعادة النائب يمسك بأوراق رسمية مسربة من دوائر حكومية ويقف بها بكل فخر في المجلس ليواجه بها الحكومة!! فإذا كان سعادة النائب - والذي يمثل السلطة التشريعية - هو من يستبيح نشر الأوراق الرسمية المسربة علناً، فهل نتوقع أن يخاف الموظف من نشر وتسريب الأوراق الرسمية خفاء؟

الظاهرة لا تحتاج إلى مزيد من التفاصيل في شرح الفكرة أو توضيح الجزاءات القانونية ـ حتى لو كانت هناك حصانات من الجزاءات القانونية - للتعامل مع مسألة أمن المعلومات الرسمية والعامة، بل تحتاج أن يتحلى الجميع بالمسؤولية الكاملة في حفظ هذه الأمانات والتعامل معها والاسترشاد بالآية القرآنية الكريمة التي قال الله عز وجل فيها «والَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ».

فالمسؤولية لا تقع فقط على عاتق الجهات الحكومية في زيادة رقعة الوعي في مسألة أمن المعلومات والوثائق لدى منتسبيها، من خلال نشر ثقافة قدسية المستمسكات الحكومية وما يترتب من آثار وإشكالات قانونية وإدارية حول نشر أو تسريب المعلومات. إنما تقع على الجميع بلا استثناء «المسؤول الحكومي والموظف والمواطن والنائب».

فإننا اليوم أمام مسؤولية وطنية جسيمة يتحملها الجميع، وليس من حق أي طرف أو أحد نشر تلك الوثائق عبر منصات التواصل الإلكترونية أو للاستخدام غير الرسمي تحت أية مبررات، إلا ما تقوم دوائر الإعلام والعلاقات العامة في تلك المؤسسات بنشرة عبر قوالب إخبارية أو رسائل توعوية.

ولاريب في أن الادعاء العام تقع على عاتقه المسؤولية الأكبر في رصد تلك المخالفات والتحقيق في أسبابها ودوافعها وإيقاع المخالفة المناسبة على الفرد أو المجموعة المخالفة بهدف إعادة ضبط سلوكات المخالفين وتعزيز السلوكات الصحيحة في بيئة الأعمال، وأنا على ثقة كاملة أن الادعاء العام له الدور الأعظم في متابعة هذا الملف المهم.