مريم بوجيري

يكمل الفصل التشريعي الخامس عامه الثاني منذ بدايته بعد انتهاء انتخابات عام 2018، مارس فيها مجلس النواب صلاحياته التشريعية والرقابية حتى أصبح المجلس الحالي مجلساً ركز على الاقتراحات برغبة أكثر من غيرها من الأدوات الدستورية وذلك وفقاً للرصد الذي قامت به "الوطن"، حيث بلغت نسبة الاقتراحات المقدمة من قبل النواب منذ بداية الدور الأول من الفصل التشريعي الخامس حتى نهاية الشهر الماضي 50%.

ووفقاً للأرقام التي تم الاستناد فيها على البيانات الإحصائية المنشورة من قبل الأمانة العامة لمجلس النواب والموقع الإلكتروني للمجلس، فإن نواب 2018 ركزوا في عملهم خلال الفصل الحالي على توجيه الأسئلة البرلمانية للوزراء ولنواب رئيس مجلس الوزراء بعد التعديل الدستوري الأخير بنسبة 24%، لينجز المجلس 11% من الاقتراحات بقانون و 10% من المشروعات بقانون و 4% من المراسيم بقانون.



وبذلك، يكون إجمالي المشاريع بقانون المعروضة على المجلس خلال الفصل التشريعي الخامس 98 مشروعاً، و42 مرسوما بقانون و502 اقتراح برغبة، إلى جانب 116 اقتراحاً بقانون و243 سؤالاً برلمانياً، و4 مناقشات عامة واستجواب واحد و4 لجان تحقيق برلمانية.

وبمقارنة بسيطة بين الأداء في ذات الفترة من الفصل التشريعي الرابع والفصل التشريعي الخامس من عمل المجالس النيابية، فإن مجلس 2014 ركز أيضاً على الاقتراحات برغبة دون غيرها بنسبة 62%، لتكون نسبة إنجاز المشاريع بقانون خلال الفصل المذكور 19% و13% للاقتراحات بقانون و 5% للمراسيم بقانون و1% للمناقشة العامة.

الدور الثالث

بدأ الدور في 11 من أكتوبر 2020 بعد دعوة جلالة الملك المفدى لمجلسي الشورى والنواب لانعقاد الدور الثالث من الفصل التشريعي الخامس والذي جرى للمرة الأولى تاريخياً "عن بعد"، وفقاً للإجراءات الاحترازية التي شهدها نهاية الدور الثاني والدور الثالث تزامناً مع انتشار جائحة كورونا (كوفيدـ19).

ومضى على الدور شهرين منذ بداية عمله تجاوز فيها النواب الدورين الماضيين بعدد الاقتراحات برغبة التي قدمت في المجلس، والتي بلغت 242 وفقاً لرصد "الوطن"، في حين ينظر المجلس خلال الدور الحالي في جملة من الاقتراحات بقانون والتي بلغت 109 مقترحات مقدمة من قبل النواب إلى جانب مناقشة 23 مرسوما بقانون و 10 مشروعات بقانون.

بينما شهد الدور الحالي مناقشة عامة واحدة اقتصرت على مشاركة 10 نواب، وفقاً للمرسوم الأخير الذي يقضي بعدم جواز اشتراك أكثر من ذلك في المناقشة العامة بحيث لا تزيد مدة مداخلة كل نائب عن 5 دقائق كما لا يجوز أن تتضمن المناقشة توجيه النقد أو اللوم أو الاتهام، أو أن تتضمن أقوالاً تخالف الدستور أو القانون أو تشكل مساساً بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضراراً بالمصلحة العليا للبلاد.

الدور الثاني

وشهد الدور أكبر عدد من الأسئلة البرلمانية التي وجهت للوزراء بواقع 162 سؤالا، إلى جانب مناقشة 46 مشروعا بقانون و 6 مراسيم بقانون وإجمالي 182 مقترحا برغبة في حين مر على المجلس خلال الدور المذكور 7 اقتراحات بقانون ومناقشتان عامتان ولجنتا تحقيق.

الدور الأول

بدأ الدور بعد انتخابات 2018 مباشرةً، حيث لم يتقدم أحد بأي مقترح بقانون خلال الدور، في حين تقدم النواب بـ 78 مقترحا برغبة ومناقشة 13 مرسوما بقانون و 42 مشروعا بقانون، في حين بلغ إجمالي عدد الأسئلة البرلمانية التي مرت على المجلس 56، إلى جانب مناقشة عامة واحدة دون لجان تحقيق.

نظرة محلل

من جانبه أكد الصحفي والمهتم بالشأن البرلماني جمال جابر، أن الاقتراحات برغبة وخصوصاً المستعجل منها خرجت عن نطاقها الصحيح وأصبحت دغدغة لمشاعر الناخبين، خصوصاً وأن البعض يستغلها كأداة تشريعية لتحقيق مكاسب قبل فترة من الانتخابات البرلمانية.

وأكد لـ"الوطن"، أن دور البرلمان معروف وهو يرتكز على التشريع والرقابة، فالتركيز بشكل أساسي على الاقتراحات برغبة خلال الفصل التشريعي الحالي أدى للتداخل بين عمل مجلس النواب الحقيقي وصلاحيات المجالس البلدية.

وقال: "من وجهة نظري أن النائب بذلك يفقد دوره الحقيقي حيث يجب عليه التركيز على الملفات الهامة سواء داخلية أو خارجية أو ملفات الميزانية العامة وغيره".

واعتبر أن الاقتراحات برغبة لتنفيذ يجب أن يكون لها ميزانية معينة، خصوصاً أن النائب يجب عليه الإدراك بأهمية الالتزام بما هو متفق عليه في برنامج عمل الحكومة والميزانية العامة للدولة، ولذلك يلجأ النواب لها كأداة بسيطة وسهلة التطبيق ولكنها تنحرف ويتم استغلالها في التكسب للانتخابات قبلها بفترة.

وفيما يتعلق بجملة المقترحات برغبة التي يتم التقدم بها، أكد أن تقديمها بهذا الكم أسبوعياً وبإسهاب يجعل الشارع الانتخابي يفقد المصداقية في النائب خصوصاً وأن المواطنين أصبحوا واعين أكثر خلال السنوات الأخيرة، كما أن الحكومة تعد غير ملزمة بتحقيق تلك الرغبات وتقديمها بهذا الكم يجعلها تدخل ضمن حالة من "الفوضى" على حد تعبيره.

وطالب النواب بضرورة التركيز في الأدوات البرلمانية خصوصاً أن تقديم المقترحات برغبة أصبح إسهاباً ويأخذ مناقشات طويلة وتضاربا في بعض المواضيع إلى جانب التناقض والتكرار.

وعلق جابر على المقترحات برغبة والتي تقدم بصفة مستعجلة، حيث اعتبر أنها إذا كانت مهمة لدرجة كبيرة لا مانع فيها، لكن يجب ألا تتضارب مع مهام المجالس البلدية أو أن يتم تقديمها بعشوائية ودون دراسة.

من جانبه أكد النائب السابق د.عيسى تركي، أن كل برلمانات العالم لديها اختصاصات معينة محددة بالدستور واللائحة الداخلية لعمل البرلمان، وبالتالي فإن مجلس النواب البحريني لديه تخصصات ووظائف حددها الدستور وبينتها اللائحة، وبالتالي فإن المقترح برغبة يندرج تحت الاختصاصات التشريعية والكثير يرى أنها أداة تشريعية، لكنها تعتبر أداة رقابية يمارسها مجلس النواب على السلطة التنفيذية.

وفيما يتعلق بالتساؤل فيما إذا كان المجلس الحالي استخدم هذه الأداة بمبالغة أم لا، أجاب تركي: "أعتقد أن أحد المجالس السابقة في الفصول السابقة كان هناك تنظيم من قبل رئيس مجلس النواب لتقنين استخدامها كأداة خصوصاً بصورة مستعجلة وبذلك تتفاوت مسألة دراستها والجلوس مع السلطة التنفيذية لأخذ المرئيات وقد يكون ذلك أحد الأسباب لتزايد الأمر والبعض يرى عدم تمكن أعضاء المجلس لاستخدامهم أدواتهم التشريعية بصورة صحيحة وبتمكن ويلجؤون بذلك لأسهل الأدوات المتاحة لهم وهي المقترح برغبة".

وبين أن الأدوات التشريعة تأخذ وقتاً تشريعياً طويلاً وتحسس الناخب وتلمسها لا يكون بالصورة السريعة وإنما يكون بعد انتهاء الفصل التشريعي، لذلك فإن استخدام مثل هذه الأداة يكون له مردود إعلامي وممكن مخاطبة شعور وعواطف الناخب أو المجتمع بسهولة لو تحققت الرغبة على أرض الواقع بشكل سريع خصوصاً وأن أغلبيتها تتناول خدمات وترى أنها نوع من التسويق الانتخابي لعضو مجلس النواب على الرغم من انتقاد البعض بأنها تلمس بشكل مباشر الدور المناط بالمجالس البلدية من ناحية الخدمات.

وأشار إلى أن البعض الآخر من النواب، يستشعر وجود توجه من قبل الحكومة لإقرار مبدأ معين أو قرار معين ومن السهولة أن يستغل مثل هذا الخبر ويقدم المقترح برغبة بحيث ينسب هذا التحقق لنفسه ما يكون له مردود على الشارع الانتخابي، وبالتالي فإن ما يحكم هذه المسألة هو نضج المجتمع أو الناخب البحريني وتقييمه لاستخدام الأداة من خلال التصويت في الانتخابات وأعتقد أنه قد يكون فيه مراجعة لاستخدام الأداة في المستقبل، لكن إذا لم يكن لدى الناخب وعي وإدراك لدور المجلس أو النائب المنتخب سوف يستمر استخدامها كأداة ويكون هناك مغالاة في استخدامها.

وأضاف تركي: "عملية الاستعجال لا تقدم أو تؤخر في الاقتراح، يجب أن يدرك الشارع البحريني أن المقترحات برغبة غير ملزمة للحكومة وغير ملزمة بالرد بصورة مستعجلة، وتستغرق المدة المحددة بالدستور في الدراسة والرد وليس لها قيمة حقيقية من حيث النتيجة والأفضل أن يأخذ المقترح وضعه الطبيعي من خلال اللجنة المعنية بالمجلس بحيث تطرح الفكرة ويتم الاستماع لوجهات النظر من قبل السلطة التنفيذية، أما الاقتراح المستعجل يحق للحكومة دراسته والموافقة عليه أو رفضه ويمكنها الرد عليه خلال 6 أشهر وبالتالي فإن صفة الاستعجال ذاتها غير ملزمة إلا للمجلس نفسه".

وبين أن الاستعجال مسألة نسبية ولم تحدد لها ضوابط ضمن اللائحة الداخلية وتقديرها للمجلس ذاته، ويتم استخدامها كمصطلح له مردود على الشارع الانتخابي، وبالتالي قد تستخدم لإرسال رسالة أو مؤشر على اهتمام النائب لكن في الواقع ليس له أي قيمة قانونية، وأشار إلى أن المجلس قدم مؤخراً خلال الدورين الماضيين حزمة اقتراحات برغبة بصفه مستعجلة لا تنظر ولكن أغلبها تخلو من ظرف الاستجعال.

وشدد تركي على أن مسألة المبالغة في عرض المقترحات برغبة بصورة مستعجلة دون أن يكون لها اعتمادات ميزانية لا يمكن تحقيقها وأكبر مشكلة أن تكون بعيدة عن برنامج عمل الحكومة وبالتالي تلمسها وإظهارها بعيد عن المهنية والواقعية.

وأضاف: "أتمنى لو كانت هناك مقترحات تعكس ما تم الموافقة عليه ضمن برنامج عمل الحكومة أو ما تم إقراره من الميزانية لتكون محل قبول أو مجدية وبالتالي فإن عدم وجود اعتمادات ميزانية لتلك الاقتراحات يعتبر هدراً في الوقت والجهد".