يهمنا كثيراً تصنيف الآخرين بناء على تعاملنا معهم والتجارب التي ربطتنا بهم. نحن بذلك نحدد كيفية التواصل معهم ومجالات التعاون التي يمكن أن ننجزها معهم، ومداها أيضاً. لكن الخطأ الذي نقع فيه هو محاولاتنا الحكم على الآخرين، وبناء تصورات عنهم، سيئة كانت أم جيدة، ومن ثم ترويجها للآخرين. نحن نحكم على أقاربنا، وأصدقائنا، وزملائنا في العمل. كل ذلك ظناً منا أنه السبيل لبناء علاقات ناجحة آمنة مع المحيطين بنا.

ما معنى أن يكون الشخص سيئاً؟ هل هو سيء بالفعل؟ أم أنه سيء بالنسبة لتركيبتنا نحن وطبيعتنا؟ وما معنى أن يكون الشخص جيداً؟ هل هو جيد بالفعل؟ أم أنه يناسبنا ويحقق مصالحنا الذاتية؟ حين نطلق أحكامنا على الآخرين، فإننا نبنيها استناداً إلى تحليل كلامهم، أو ظواهر سلوكهم، أو تاريخهم الشخصي والأسري، أو ما قاله الآخرون. وأحياناً، مدى استفادتنا منهم. وقليلاً ما نهتم بفهم تركيبتهم الشخصية، وبواعث سلوكياتهم، وخلفيات تصرفاتهم. إننا نكون معنيين، فقط، بما يعجبنا وما لا يعجبنا. وبذلك، نكون من جهة أخرى غير معنيين بفهم طبائعنا، نحن، ورغباتنا ودوافعنا. إذ إن علاقاتنا وتعاملاتنا مع الآخرين هي مزيج بيننا نحن وهم. وليست انعكاسهم لطرف واحد فقط. حين نقسو في إطلاق الأحكام على بعض الذين تبدر منهم سلوكيات غاضبة أو منغلقة أو مؤذية. فنحن لا نعلم إن كانوا يعانون من أزمة أو ظروف قاهرة. وحين نبالغ بتقدير من يتزلفون إلينا، فقد لا ندرك المصالح التي يخططون لها. نحن لا نملك حقيقة الآخرين. نحن ننسى أننا مثلهم. تتغير أمزجتنا، ونمر بمعاناة متكررة، ونخطئ، ونجهل، ونضعف، وتعترينا رغبات كثيرة. لكننا لا نحكم على أنفسنا، بل نحكم على الآخرين فقط. فهم الآخرين، وترفعنا عن صغائر التصرفات، يجعلنا أكثر تسامياً في علاقاتنا. وأكثر بعداً عن شخصنة الأمور وتذويت القضايا. وهو السبيل لضبط المسافات بيننا وبين الآخرين، وحمايتنا من سوئهم أو انتهازيتهم. إذ سنكون معنيين بتحقيق أهداف علاقاتنا بهم، بدل الانشغال بكشفهم أو تجميل شخوصهم. سنهتم بجودة الحياة وإنجازنا فيها، بدل الانشغال بالآخرين وتتبعهم من أجل الحكم عليهم.