بلغ مسبار الأمل مدار كوكب المريخ بسلام، معلنا بداية عصر استكشاف دولة الإمارات للكوكب الأحمر والتعرف على جيران الأرض.

المهمة الناجحة، التي تمت مساء الثلاثاء، أثبتت أن الإمارات تتمتع بأعلى مستويات العزم والإصرار على تحقيق رؤيتها بأن تكون ضمن الدول الرائدة في مجال الفضاء بحلول عام 2021، وهي مثال قوي عن المهمات التي تندرج ضمن خططها لبناء قطاع فضائي مستدام.



ويعد "مسبار الأمل" مجرد البداية لاستكشاف الفضاء الخارجي ضمن خطة استراتيجية وضعتها الإمارات تستمر لمدة قرن من الزمان يطلق عليها اسم "المريخ 2117"، تشمل العديد من المهمات التي تتخطى التعرف على المريخ.

الإنجاز التاريخي الذي سجلته الإمارات ببلوغ المريخ 2021 كان له مقدمات ناجحة ومحطات مهمة بدأت منذ سنوات طويلة وخطط عديدة تتخطى المريخ، تسلط "العين الإخبارية" الضوء عليها في هذا التقرير.

أطلقت الإمارات "مسبار الأمل" بعد أكثر من عقد من إرسال أول قمر صناعي يدور حول الأرض يحمل اسم "دبي سات 1" ( DubaiSat 1)، كخطوة أولى في طريقها لاستكشاف الفضاء وتطوير معرفتها العلمية والتكنولوجية.

القمر الصناعي الرائد، الذي أطلق في 29 يوليو 2009، تشغله مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة، وشارك في بناء وإعداد 30% منه مهندسون وعلماء إماراتيون.

ويندرج إطلاق قمر "دبي سات 1" عام 2009 ضمن برنامج الأقمار الاصطناعية، الذي يعد واحدا من مشاريع دولة الإمارات لتطوير قدراتها في هذا المجال والتعرف على النظام الكوني، ويشمل أيضا برنامج الإمارات لرواد الفضاء، ومشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، ومشروع "المريخ 2117".

وتهدف الإمارات إلى إطلاق مجمع تصنيع الأقمار الاصطناعية ضمن مركز محمد بن راشد للفضاء، لتكون بذلك أول دولة عربية تصنع الأقمار الاصطناعية بشكل كامل.

"دبي سات1" كان تمهيدا لبناء أول قمر صناعي من صنع خبراء إماراتيين 100% في عام 2018، وأطلق عليه اسم "خليفة سات" الذي يعد أحد أكثر أقمار الرصد والاستشعار عن بعد تقدماً على مستوى العالم.

بجانب إطلاق الأقمار الصناعية، حققت الإمارات عدة مكاسب في طريق الوصول لمبتغاها في مجال الفضاء، منها إطلاق برنامج رواد فضاء الإمارات تحت إشراف مركز محمد بن راشد للفضاء، بهدف إعداد رواد فضاء إماراتيين، وبناء أرضية صلبة لكوادر إماراتية متخصصة في علوم الفضاء.

قائمة إنجازات أبوظبي في هذا المجال تضمنت إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، لإجراء تجارب علمية تعود بالمنفعة على البشرية.

دخلت دولة الإمارات العربية المتحدة رسميا السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي بوصول مسبار الأمل مدار كوكب المريخ بسلام 9 فبراير/شباط 2021، والبداية كانت عام 2014 بإنشاء وكالة الإمارات للفضاء وبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي وإسلامي إلى كوكب المريخ.

المسبار الذي انطلق في مهمته 20 يوليو/ تموز 2020 وبلغت تكلفته 200 مليون دولار، جرى التخطيط والإدارة والتنفيذ لمشروعه على يد فريق إماراتي يعتمد أفراده على مهاراتهم واجتهادهم لاكتساب جميع المعارف ذات الصلة بعلوم استكشاف الفضاء وتطبيقها، وبالتعاون مع شركاء دوليين.

ويخطط أفراد البعثة لنقل المركبة الفضائية إلى مدارها العلمي في مايو المقبل، إذ يشهد دوران المسبار عالياً فوق خط الاستواء للكوكب كل 55 ساعة، وهو مدار جديد لمركبة فضائية ما يوفر فرصة فريدة لدراسة الظواهر الجوية واسعة النطاق على المريخ.

تتخطى أهداف المهمة التعرف على طقس "الكوكب الأحمر"، وتتجلى في بناء موارد بشرية إماراتية عالية الكفاءة في مجال تكنولوجيا الفضاء، وتطوير المعرفة والأبحاث العلمية والتطبيقات الفضائية التي تعود بالنفع على البشرية.

أيضا من ضمن أهداف المهمة التأسيس لاقتصاد مستدام مبني على المعرفة وتعزيز التنويع وتشجيع الابتكار، والارتقاء بمكانة الإمارات في سباق الفضاء لتوسيع نطاق الفوائد، وتعزيز جهود الإمارات في مجال الاكتشافات العلمية، وإقامة شراكات دولية في قطاع الفضاء لتعزيز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة.

مسبار الأمل ليس المشروع الفضائي الوحيد الذي سعت دولة الإمارات لإنجازه خارج مدار الأرض، إذ تعمل على تجنيد رواد فضاء جدد بالتزامن مع التخطيط لإطلاق مركبة هبوط تكنولوجية إلى القمر في عام 2024.

وتسهم المهمات الفضائية التابعة لوكالة الإمارات للفضاء في تطوير العلوم والتكنولوجيا والابتكار في مجالات الفضاء المختلفة، ما يمكنها من لعب دور مهم في السباق الفضائي وإفادة البشرية بمعلومات جديدة عن الكون الخارجي.

وستحمل مركبة الهبوط الإماراتية إلى القمر اسم "راشد" ويبلغ وزنها 10 كيلوجرامات، وسيتولى فريق من مركز محمد بن راشد للفضاء (MBRSC) في دبي تطوير هذه المركبة الجوَّالة وبنائها وتشغيلها.

التجارب التي سوف تجريها هذ المركبة على سطح القمر لفهم بيئته المشحونة كهربيًّا غاية في الأهمية، لأنَّ الظروف هناك تجعل الغبار القمري يَعلَق بالسطوح، ما يمكن أن يشكل خطورةً على البعثات المستقبلية المزودة بأطقم بشرية.

وفي حال نجاح بعثة "راشد" الفضائية، فإنَّ وكالة الإمارات للفضاء تصبح رابع وكالةِ فضاء على مستوى العالم تُسيِّر مركبةً فضائية على سطح القمر، والأولى عربيًّا في هذا الصدد.

المريخ 2117

حلم دولة الإمارات في استكشاف الفضاء الخارجي طموح للغاية وليس له نهاية، ويتجلى ذلك في المشروع الذي يعرف باسم "المريخ 2117"، وهو عبارة عن استراتيجية للتعرف على "الكوكب الأحمر" يستغرق قرن من الزمان.

استراتيجية التعرف على "الكوكب الأحمر" كان ضمن مشروع أطلقته الإمارات باسم "البرنامج الوطني للفضاء" عام 2017، ويتضمن بجانب خطة المئة عام لبناء أول مستوطنة بشرية عليه بحلول عام 2117، إعداد رواد فضاء إماراتيين، وأيضا الوصول بمسبار الأمل إلى المريخ في عام 2021 تزامناً مع الذكرى الخمسين لقيام دولة الإمارات.

عدنان الريس، مدير برنامج المبادرة الإماراتية طويلة المدى لتوطين البشر على الكوكب الأحمر (المريخ 2117)، قال في تصريحات سابقة، إنَّ البعثة الإماراتية إلى القمر هي الأولى ضمن مجموعةٍ من البعثات التي يُستهدَف منها خلق منصة لابتكار تقنياتٍ جديدة، تدعم البعثات المنطلقة إلى سطح المريخ.

وأضاف: "هذه البعثة تساعد على مواجهة التحديات المرتبطة بتوفير الغذاء والطاقة والأمن المائي في الإمارات، حيث قد تغدو الموارد الطبيعية شحيحةً، مثلما هي على سطح القمر".

الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع فريق عمل مسبار الأمل بعد إعلان نجاح المهمة

تسعى دولة الإمارات لإعداد جيل مميز في علوم الفضاء، مستفيدة من كوادرها المبدعين الذين نجحوا في تصميم مسبار الأمل الذي ولج بنجاح إلى مدار المريخ.

وفي سباق التميز الفضائي، أعلنت وكالة الإمارات للفضاء عن مسابقة "تحدي القمر الصناعي الإماراتي الصغير"؛ إذ أتاح للطلاب تقديم أفكار عن حمولات علمية وتقنية سيتم إطلاقها على متن مركبة فضـائية مصغرة، ضمن مبادرات الدولة لنقل المعرفة وتنمية القدرات في هذا المجال.

وفاز فريق من طلبة جامعة نيويورك أبوظبي بالمسابقة، ومن المقرر أن يطور كاشفا صغيـرا لدراسة الظاهرة العلمية التي تدعى (Terrestrial Gamma Ray Flashes). من المقرر إطلاق القمـر الاصطناعي في الربع الثاني من سنة 2021 بالتعاون مع وكالة الفضـاء اليابانية (JAXA) عبر منظومة KIBO بهم في محطة الفضاء الدولية.

وأطلقت وكالة الإمارات للفضاء مشروع تطوير وبناء القمر الاصطناعي "مزن سات" لدراسة الغلاف الجوي للأرض، ضمن أهدافها الاستراتيجية لتنمية القدرات الوطنية وتعزيز أنشطة البحث العلمي وتنظيم أنشطة القطاع الفضائي الوطني.

القمر صممه الطلبة في الجامعة الأمريكية في رأس الخيمة وجامعة خليفة "مزن سات" لاستخدامه في جمع وتحليل البيانات المتعلقة بمستويات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وبالتحديد غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون في أجواء الإمارات، مستفيدين من مختبر الياه سات الفضائي والذي يقع في جامعة خليفة.

وجرى إطلاق القمر الاصطناعي في سبتمبر 2020 على متن الصاروخ الروسي سويوز Soyuz.

تملك دولة الإمارات رؤية متقدمة في مجال استكشاف الفضاء، كما تمتلك أحلاما طموحة لتصبح واحدة من الدول التي تسير رحلات سياحية فضائية.

في مارس 2019، وقعت وكالة الفضاء الإماراتية مذكرة تفاهم مع شركة أبوظبي للمطارات لاستكشاف إمكانية الاستفادة من مطار العين الدولي كميناء فضائي محتمل.

قد تستفيد شركة Virgin Galactic، التي تملك الإمارات أسهما فيها، من مثل هذا الترتيب وستبدأ مع آخرين في البحث عن فرص لإطلاق تجارب سياحية وعلمية من الإمارات العربية المتحدة.

وفي تعاون تاريخي، وقعت الإمارات ووكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" في يوليو 2018، على ترتيبات تنفيذية للتعاون في رحلات الفضاء المأهولة، وتعزز هذه اتفاقية إطارية شاملة بين الطرفين تم التوقيع عليها في عام 2016 للتعاون في استكشاف الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.

وكجزء من الاتفاقية، ستكون الإمارات قادرة على استخدام موارد "ناسا" لتدريب رواد الفضاء، والاستفادة من محطة الفضاء الدولية، والمساهمة في استكشاف القمر والتعاون مع الولايات المتحدة في المشاريع البحثية المتعلقة بمدينة المريخ العلمية.

كما تخطط الإمارات لإنشاء أول مدينة علمية لمحاكاة الحياة على كوكب المريخ، وتضم متحفاً للمريخ، ومختبرات متخصصة، إضافة إلى مختبر تجارب انعدام الجاذبية.

أيضا تخطط لإنشاء المجلس العالمي لاستيطان الفضاء، بالتعاون مع جامعات ومراكز بحثية عالمية مختصة، ليضم في عضويته أفضل الخبراء العالميين في مجال الفضاء.

أما عربيا، تسعى دولة الإمارات إلى إطلاق البرنامج العربي لاستكشاف الفضاء، وهو برنامج لنقل المعرفة والخبرات في علوم وتقنيات الفضاء مع جامعات ومؤسسات الدول العربية، للاستفادة من أبرز العقول العربية في هذا المجال، وإنشاء منصة بيانات علماء الفضاء العرب.