تعد استضافة حلبة البحرين الدولية للجولة الرابعة من سباقات بطولة العالم للفورمولا 1 في الفترة من 17 إلى 19 أبريل الجاري، حدثًا هامًا وحيويًا، حيث يتخطى حدود المحلية إلى العالمية، وينتظره العالم كله، ويحظى باهتمام جماهيري كبير، ويشاهده الملايين عبر شاشات التلفاز، مما يبرز اسم مملكة البحرين بعراقتها وتاريخها المجيد وحاضرها الزاهر وما حققته من إنجازات في مختلف المجالات.

ويمثل هذا الحدث الرياضي الكبير، الذي يترافق معه العديد من الأنشطة والفعاليات المتنوعة، مشروعا وطنيا حرصت المملكة على أن يبقى نافذة تعبر عن البحرين المعروفة باحتضانها للجميع من شتى بقاع الأرض، وبأنها أرض السلام والمحبة، وتتجلى هذه الأهمية الخاصة للسباق بالنظر لعدة مؤشرات:
أولها: تصاعد وتيرة النمو الملحوظة في مداخيل الحلبة وعائداتها، حيث قدرت العوائد غير المباشرة في عام 2005 بقيمة 321,3 مليون دولار، في حين بلغت عوائدها المباشرة 119 مليون دولار، أما في سنة 2006 فزادت النسبة لتبلغ 390,5 مليون دولار للعوائد غير المباشرة و155 مليون دولار للعوائد المباشرة، وفي العام 2007 زادت النسبة لتصل إلى 548 مليون دولار للعوائد غير المباشرة و208 ملايين دولار للعوائد المباشرة، أما في عام 2008 فقد بلغت العوائد ما يقارب 595,5 مليون دولار للعوائد غير المباشرة و232 مليون دولار للعوائد المباشرة، أما في العام 2010 فقد حققت 295 مليون دولار وذلك للعوائد غير المباشرة و134 مليون دولار للعوائد المباشرة، بينما في العام 2012 فقد ضخت الفورمولا 1 في الاقتصاد المحلي ما يقارب من 220 مليون دولار، حيث بلغ بيع تذاكر الحلبة 13.8 مليون دولار، و36.7 مليون دولار عوائد بيع منتجات الحلبة، و7.7 مليون دولار عوائد الحقوق التلفزيونية والرعاية الرسمية وإيجار المرافق، و116.8 مليون دولار عوائد السفر والإقامة والتنقل عبر وسائل المواصلات البرية والجوية.
ويعكس هذا التنامي الملحوظ عدة دلالات مهمة، أبرزها: أن إنشاء مشروع الحلبة كان مبادرة وفكرة خلاقة وفريدة من نوعها في المنطقة ضمن جهود مجلس التنمية الاقتصادية لأن تكون البحرين دولة جاذبة للاستثمارات والفعاليات الدولية الكبرى، وأن المشروع الذي يثبت النجاح عاما تلو الآخر لم يكن وليد الصدفة، بل جاء عقب دراسة متأنية وعلم دقيق في المنفعة العامة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياحية أو الدبلوماسية، كما يثبت المشروع أيضا بمرافقه الحديثة والمتطورة للعالم مدى حداثة الاقتصاد الوطني واتسامه بالعصرنة، وبأنه جزء لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي الكبير.
ثانيها: قاعدة المستفيدين من السباق، والتي تشمل الجميع بلا استثناء، كما أنها لا يمكن قصرها على داخل أسوار الحلبة ومضمارها فقط، بل تتعداها لتشمل كل ركن من أركان الاقتصاد والأسواق، وفي هذا الشأن قدرت العائدات المباشرة الاقتصادية لسباق الفورمولا واحد خلال الفترة من (2004-2014) بأكثر من ملياري دولار أمريكي، فضلاً عن إيجاد 3 آلاف فرصة عمل طيلة أيام السباق سنوياً، ونحو 400 وظيفة دائمة في حلبة البحرين الدولية، وكذلك فإنه يستقطب حوالي 100 ألف زائر سنويًا من مختلف دول العالم.
وهو ما يضاف بالطبع إلى العوائد غير المباشرة لإقامة السباق، والتي تتجاوز هي الأخرى أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل المشار إليه سلفا، فالمردود الاقتصادي للسباق لا يتوقف عند منطقة الصخير فقط كمرافق رياضية، وإنما يتعداها بصورة أوسع نطاقا ليشمل مختلف القطاعات الحيوية بالاقتصاد خصوصا الخدماتية منها مثل النقل ومرافق الضيافة كالمطاعم والفنادق ومجمعات التسوق، بل وتمتد لتشمل حتى سيارات الأجرة وبائعي الهدايا التذكارية وغيرهم الكثير من المؤسسات المتوسطة والصغيرة التي ستستفيد بدورها من دوران السيولة الكبيرة في السوق المحلي، وللتدليل يشار هنا إلى ارتفاع نسبة إشغال الفنادق خلال الفترة المذكورة إلى أكثر من 80%، وهو ما أسهم في ارتفاع نمو القطاع السياحي بنسبة أكثر من 60% منذ بدء سباق الفورمولا في البحرين عام 2004 وحتى الآن.
ومن المنتظر أن يجذب السباق هذا العام أعداداً أكبر من السياح وعشاق رياضة السيارات حول العالم مقارنة بالأعوام السابقة نظراً لكون السباق الليلي، الذي يقام لثاني مرة هذا العام، يعد فريدا على مستوى العالم من حيث توقيت إقامته، وهو ما يشعل المنافسة داخل الحلبة وفي المدرجات ويزيد من حجم الإقبال، الأمر الذي يتوقع معه الإسهام في ارتفاع عائدات الحلبة ومنافعها بشكل ملموس.
ثالثها: تكريس قدرات البحرين التنظيمية وترسيخ خبرات كوادرها الإدارية في شتى القطاعات، سيما فيما يتعلق منها بقطاع الفندقة والضيافة والإعلان والتسويق والسياحة، ناهيك بالطبع عما يرتبط برياضة المحركات ذاتها واستضافة فعالية كبرى كالفورمولا، وهنا يشار إلى أن البحرين تملك ميزة هامة في هذا الصدد تتمثل في تكرار نجاحاتها التنظيمية وحسن استضافتها للمعارض والفعاليات والمؤتمرات الدولية، وهو رافد جديد من روافد دخلها القومي، ما يجعلها قادرة أكثر على الاستفادة من المنافع الاقتصادية الأخرى غير المادية للحلبة والسباق.
والمعروف هنا أن هذه المنافع لا تتوقف على العوائد المالية فحسب، ولا تقتصر على تهيئة فرص عمل جديدة للقوى العاملة الوطنية، وتوسيع القاعدة الإنتاجية وإنشاء وحدات إنتاج أكثر لخدمة زوار الحدث الرياضي الضخم، مثلما ذكر سلفا، وإنما تشمل أيضا توطين الخبرة الفنية للتعاطي مع مثل هذه الأحداث الكبرى، وهو ما تشهد به الثقة العالمية في قدرة البحرين ومرافقها ومواردها البشرية وكوادرها على تنظيم واستضافة الفعاليات المختلفة، ما جعلها قبلة إقليمية لصناعة المعارض العالمية.
ومثل هذه العوائد النوعية التي يجلبها السباق للبحرين تشكل بندا اقتصاديا بالغ الأهمية، وتلعب دورا محوريا في تنمية أي اقتصادي، خاصة على المدى الطويل، سيما بالنظر إلى أن هذا الحدث الرياضي يحظى بمتابعة واهتمام كبير على مستوي العالم، ويستحوذ على أكبر نسبة متابعة بين الأحداث الرياضية السنوية في العالم، ويتابعه ما يقارب 500 مليون مشاهد في 187 دولة حول العالم، مما يسهم في الترويج الكبير للمملكة، وإبراز وجهها الحضاري المشرق لها وقدرتها على استضافة الفعاليات والأحداث الدولية الهامة، ويعكس ما يتمتع به الوطن من أمن وأمان واستقرار.