كتب – عبدالرحمن صالح الدوسري:
يواصل د.عيسى أمين، البحث في تاريخ دار الاعتماد، ليعرج في هذه الحلقة، للحديث عن التنافس البريطاني - الأمريكي بالبحرين، ففي الوقت الذي كانت فيه الدوائر البريطانية بالخليج والهند ولندن تناقش كيفية تأسيس دار للمعتمد السياسي بالبحرين، كانت هناك بعثة الإرسالية الأمريكية للأراضي العربية المهملة، والتي استقرت بالبصرة، وافتتحت عيادة بمدينة المنامة، ورغم أن البعثة لا تمثل الحكومة أو المصالح الأمريكية بالبحرين، إلا أنها كانت وبشكل ملحوظ محل ارتياب من قبل الإنجليز، وهو ما ستكشفه بعض المراسلات السرية بهذا الخصوص...
شراء قطعة أرض
وقال د.عيسى أمين، إن من بين الرسائل ما كان بالبحرين 16 يناير 1899، من صموئيل زويمر إلى المقيم السياسي في بوشهر، جاء في سطورها: «إننا نود إبلاغكم في أننا في حاجة إلى مساعدتكم في الحصول على سكن للبعثة التبشيرية في البحرين ليكون مقراً لنا ولعائلاتنا في هذا البلد، وبرغم موافقة العديد من سكان البحرين على بيعنا قطعة أرض أو بناء سكن لنا، إلا أن الجميع يقر أنهم في حاجة لموافقة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، في نفس الوقت نود إبلاغكم بأن عقد الإيجار للسكن الحالي سينتهي في فبراير 1900.. وعندما كنت في طريقي إلى البحرين أخذني الجنرال هيج إلى مكتب الخارجية في لندن لكي أتلقى منهم المعلومات الصحيحة بخصوص حق المواطن الأمريكي في شراء أرض بالبحرين، وتم إبلاغنا بأنه لن تكون هناك صعوبات سواء في شراء أو تأجير أرض لاستخدامها لأغراض البعثة وبشرط أن يقوم القنصل العام أو المقيم السياسي بعملية الوساطة مع الحاكم، لذا أود أن أطلب مساعدتكم في تحقيق رغبتنا في شراء قطعة أرض خارج مدينة المنامة، وفي المنطقة الشرقية منها وذلك من أجل بناء سكن وافتتاح عيادة للعلاج.. ونتعهد من جانبنا بأن هذه الأرض أو المبنى ستستخدم فقط لأغراض البعثة ولن نقوم بتحويل الملكية أو البيع لأية جهة أجنبية دون موافقة المقيم السياسي سواء في بوشهرأو البحرين، ربما يثير ارتياحكم بأنه ما أن ننتهي من المبنى المذكور سوف يصل إلى البحرين طبيب متخصص للعمل في هذه العيادة وبصورة دائمة.. وأرجو إلإجابة على رسالتي على عنواني في البصرة، وسأكون هناك لحضور اجتماع البعثة السنوي، ما أن وصلت الرسالة إلى المقيم السياسي مييد في بوشهر حتى بدأت الاستعدادات في كل الدوائر البريطانية لوضع خطة تؤدي إلى فشل البعثة في الحصول على موقع لها في البحرين.. وتبدو أن المسألة هذه نوقشت في أعلى المراكز السياسية في كل من الهند ولندن ولو تابعنا الرسائل المتبادلة سوف نجد علامات الصراع الخفي بين بريطانيا وأمريكا على النفوذ بالبحرين».
المدعو زويمر
وأضاف، أنه من بين الرسائل كذلك، برقيه رقم 188 سنة 1899 حكومة الهند دائرة الخارجية «سري»، جاء في سطورها: «إلى صاحب الفخامة اللورد جورج أف هاملتون وزير الدولة في حكومة صاحبة الجلالة في الهند سيملا 22 يونيو 1899.. يطيب لي أن أعرض عليكم رسالة من المقيم السياسي في بوشهر تحتوي على شكوى من سكان البحرين ضد المدعو زويمر عضو البعثة التبشيرية الأمريكية في فبراير الماضي، استلمنا رسالة من المقيم السياسي مييد في بوشهر « نسخة منها مرفقة « يقول فيها إن وجود المبشرين في البحرين مصدر خطر.. لقد أخبرنا المقيم مييد بأن ينقل إلى زويمر سياسة حكومة صاحبة الجلالة في عدم التدخل في الأديان والمعتقدات، وأن يقوم بإبلاغ الشيخ عيسى بأننا لن نتدخل في طلب زويمر إذ إننا على الحياد في هذه الأمور، وقبل أن تصل هذه التوجيهات للمقيم مييد كان قد زار البحرين والتقى بزويمر الذي أخبره أنه توقف عن طلب شراء أرض وبما أننا استلمنا شكوى جديدة ضد المبشرين فإنه من الأفضل أن يخبرهم المقيم مييد بأنه من غير المرغوب بقاءهم في البحرين، وخاصة أنهم ربما يتعرضون للأذى.. التوقيع : جورج ناثانيال كرزون «الذي أصبح نائب للملك في فترة لاحقه».
بيت للإرسالية
واستطرد د.عيسى أمين، «في هذه الفترة تمكن القس زويمر من الحصول من جمعة بن ناصر بوشهري في بناء بيت للإرسالية والذي تحول لاحقاً إلى مدرسة عائشة أم المؤمنين وكان أول مركز للإرسالية تؤسس فيه مدرسة للبنات في 1899، وكذلك تجري فيه أول عملية جراحية بواسطة طبيب متخصص « الدكتور شارون تومز».. من بوشهر 29 مايو 1899 من – المقيم السياسي أم.جي.مييد، إلى وزير الدولة في حكومة الهند دائرة الخارجية أرفق ولعلم حكومة الهند البريطانية ترجمة لرسائل واردة من شيخ البحرين وعدد من رعاياه ضد القس صموئيل زويمر من البعثة الأمريكية..حال ما وصلتني هذه الرسائل كتبت للقس زويمر في هذا الخصوص، ولم يعجبني رده وعند زيارتي للبحرين في مارس الماضي أعطاني الشيخ عيسى حاكم البحرين عدة رسائل من أن المواطنين يعترضون فيها على قارئ الإنجيل المرافق للقس زويمر ومحاولته التعرض للنبي محمد «ص»، وأبلغت الشيخ عيسى بأن القس زويمر ليس من رعايانا بل أنه أمريكي وفي جميع الأحوال سوف أقوم بالاتصال به، وإبلاغه بعدم التعرض هو ومرافقيه لدين محمد رسول الله، وأبلغت الشيخ كذلك بأن القس زويمر على معرفة بالآيات القرآنية وطلبت من الشيخ ضمان عدم تعرض أي شخص للقس زويمر، ووعدني الشيخ عيسى بأنه سوف يقوم بأقصى ما يمكن لحماية القس زويمر.. واعتذر القس زويمر وأكد لي بأنه لم يتعرض في أي وقت للنبي محمد «ص»، ولكن ربما أحد من قراء الإنجيل والذين رافقوه من البصرة قد أساء القراءة ولذا فإنه سوف يحذرهم من ذلك، وكنت أعتقد أن الأمر قد انتهى لكنني فوجئت بوصول شكوى جديدة لابد من عرضها على الحكومة البريطانية في الهند وبرغم أن القس زويمر ليس بريطانياً ولكن مكانتنا في البحرين تطالبنا بمراقبته وتقديم النصح لحكومته بترحيله من البحرين وإلا ربما تعرض هو ومرافقوه للأذى».
نماذج من الشكاوى
وألقى د.عيسى أمين، الضوء على عدد من نماذج الشكاوى، ومن بينها رسالة من حاكم البحرين الشيخ عيسى بن على إلى عبدالرحمن بن علي تقي في 6 رجب 1316» 21 نوفمبر 1899، جاء فيها «تحياتي وسلامي إليكم، بما أنكم وكيل ألآغا محمد رحيم صفر، أرسلت لكم المكلف من قبلي شريده بن على بخصوص موضوع ألقس زويمر، والذي يتحدث ضد الدين الإسلامي، ويثير بذلك غضب المواطنين، نطلب منكم إبلاغه بالتوقف عن ذلك، وإنني لا أريد أن يتعرض أي أحد لدين محمد ولا أن يتعرض هو» زويمر» للأذى من قبل الناس ربما لن يسمع منك أرجو إبلاغه بالكف وأخذ الحذر في حديثه.
وفي رسالة من حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي إلى المقيم السياسي في بوشهر 10 مايو 1899 الموافق 29 ذي الحجة 1316، حملت سطورها «لقد سبق وأن أرسلت لكم رسائل بخصوص بائع الكتب الأمريكي زويمر - يقصد بائع الإنجيل المترجم بالعربية - أنه يثير الناس بحديثه عن دين الإسلام، وربما يتعرض له الناس وبرغم علمي بأنه تابع لحكومة أخرى أرجو منك إبلاغ الوكيل في البحرين بتقديم النصيحة له مع علمي بأن الأخير تحدث إليه، ولكنه لم يتوقف لغاية الآن ولقد أرسل لي المواطنون عدة رسائل ضده وربما يحصل له مكروه نتيجة تصرفاته».
وهناك أيضاً عريضة من مواطنين في البحرين إلى الحاكم الشيخ عيسى بن علي 28 ذي الحجة 1316 «9 مايو 1899، جاء فيها»: «لقد أرسلت إلى عظمتكم عدة رسائل من المواطنين بخصوص بائع الكتب القس زويمر، وعلى مدة ثلاثة أعوام لم يستمع إلى طلبكم أو نصائح الأهالي في البحرين، وهو ومنذ أربعة أعوام يواصل نشر الفكر ضد الدين، ومع أنه غادر - بناء على طلب منك - البحرين لفترة قصيرة، إلا أنه ترك مكانه شخص آخر أكثر تهجماً منه على الدين الإسلامي أمام الناس والعلماء، ولقد عاد زويمر إلى البحرين الآن ولولا خوف الناس من الحكومة لوضعوا حداً لتصرفاته، إننا نخاف أن يعتدي عليه الغرباء ويقومون بقتله دون علم الحكومة أوعلمنا نحن المواطنين لذا نطلب من عظمتكم أن تخلصونا منه وتطردونه من البحرين.. توقيع مقبل بن عبدالرحمن الذكير و17 آخرين».
ورسالة أخرى، من قاضي البحرين قاسم بن مهزع، جاء فيها: «لقد وصلني بأن القس زويمر الأمريكي قد عين سمساراً يبيع الكتب في البحرين وقد سمعه الناس يتهجم على دين محمد ولقد دعوته وأخبرته - يعنى السمسار- أن يكف عن هذه المغالطات، ولكنه لم يستمع لذلك وواصل تصريحاته بأن المسيح النبي الوحيد والمعصوم وعندما استمع النجديون إلى زويمر وأحاديثه ثاروا وقرروا قتله فتدخلت في الموضوع وأبلغتهم أن يبتعدوا عن ذلك ويتركوا الأمر في يد الشيخ عيسى بن علي وإني أود أن أبلغكم بأنه مضى وقت طويل على تصرفات القس زويمر».
حقيقة الصراع
ويختم د.أمين، أن القس زويمر ومرافقيه لم يكن ممثلاً لحكومة أمريكا، ولا تابعاً لأية مؤسسة حكومية لقد كان مسؤولاًعن بعثة تبشيرية إلى الخليج والجزيرة العربية وتستخدم الخدمات الطبية والتعليم كوسيلة للوصول إلى الناس، ومن ثم محاولة التبشير بالمسيح والدين المسيحي، وبالفعل وصل إلى البحرين في 1898 وافتتح عيادة متواضعة ودكاناً لبيع الكتب وكان مرافقوه العرب من عرب العراق الذين اعتنقوا الديانة المسيحية، مما يسهل اختلاطهم بالمواطنين في البحرين هذه البعثة افتتحت أول مدرسة للبنات وأول مستشفى حديث للعلاج وبعدها أول مدرسة للأولاد في الوقت الذي لم تقم فيه السلطات البريطانية في البحرين والخليج بأية خطوة مماثلة خدمة للمواطنين والمقيمين.
وقال، إن الخوف كان أن تأتي بعثات مماثلة تجارية وسياسية وثقافية وبها يبدأ الوجود الأمريكي في البحرين والخليج والذي وبصورة حتمية سوف يكون منافساً للسلطة البريطانية وبرغم كل الرسائل المذكورة من المقيم ووكيله في البحرين واستغلالها كوثيقة تؤكد تدخل الأمريكان في شؤون البحرين برغم كل ذلك يقبل الشيخ عيسى بن علي آل خليفة على أن يبيع قطعة أرض للبعثة التبشيرية وتسجل باسمها وتقام عليها مباني الطب الحديث والمدرسة والكنيسة، ومع ذلك تبقى العيون الراصدة البريطانية لكل تحركات أعضاء البعثة ومحاولة عرقلة أي تقدم تستطيع من خلاله أن تقيم علاقة مع حاكم البحرين وشعبه واستمرت هذه الرقابة حتى فترة بلجريف في العقد الخامس في القرن الماضي، وفي النهاية تنازلت بريطانيا يوم أن قررت أن تنسحب من الخليج إلى أمريكا لتشغل أماكن نفوذها وأن تكون البديل في كل المواقع وخاصة العسكرية والأمنية، ونستطيع قراءة تاريخ الإرسالية الأمريكية في جريدة الوطن تحت عنوان: «تاريخ الطب في البحرين».