ما زال فريد يئن من وطأة الظروف وتراكم الديون التي سببتها إجراءات حظر التجوال المفروضة جراء انتشار جائحة كورونا بالعراق قبل نحو عام.

يعيش العراقي فريد، الذي عاد لغلق بسطته الخاصة لبيع الشاي عند سوق صناعي شرقي بغداد، على بقايا أموال جمعها لا تكفي لسد احتياجات عائلته المكونة من 4 أفراد، لأكثر من 3 أيام.



ويقول لـ"العين الإخبارية" إن "التفكير بالموت جوعاً أقسى كثيرا من خطر الإصابة بفيروس كورونا وسلالتها المتحورة".

وفرضت السلطات العراقية حظراً جزئيا على مدار 4 أيام وبشكل كلي خلال بقية الأيام الثلاثة المتبقية، بداية من الخميس، ويستمر لمدة أسبوعين مع توقعات بتمديده لفترة أطول.

وجاءت تلك الإجراءات التي أعلنت عنها لجنة الصحة والسلامة العليا بعد عودة ارتفاع معدلات الإصابة بفيروس كورونا وتسجيل حالات بالسلالة المتحورة في عدد من المحافظات العراقية.

وسجل العراق خلال يناير/كانون الأول انخفاضاً كبيرا بمعدلات الإصابة، حتى أنها اقتصرت على 60 حالة يوميا، مع نسب مرتفعة في الشفاء، لكن الإصابات عادت مجدداً للارتفاع منذ مطلع فبراير الحالي مقتربة من 4000 إصابة يومياً، بحسب أخر إحصائيات وزارة الصحة ليوم الخميس.

وكانت وزارة الصحة العراقية أعلنت قبل أيام تسجيل حالات إصابة بسلالة كورونا المتحورة في 3 محافظات عراقية.

وأكدت بعد ذلك أن 50٪ من الحالات الجديدة هي من السلالة الجديدة الأكثر عدوى التي ظهرت لأول مرة في بريطانيا.

وشمل قرار الحظر العراقي غلق المراكز التجارية والأسواق العامة والمطاعم، وإيقاف الحركة في المنافذ الحدودية، وتعطيل الدوام في المدارس والجامعات العراقية، مع فرض غرامات مالية تصل لنحو 35 دولاراً بحق غير الملتزمين بإجراءات الوقاية الصحية.

يستذكر فريد موسم الحظر الكلي الأول الذي فرضته السلطات العراقية في مارس/آذار، من العام الماضي والذي خفف تباعاً إلى الجزئي واستمر نحو 6 أشهر، ويؤكد أنها كانت "أياماً قاسية".

ويقول: "كنت اظن أن تلك الظروف قد انتهت، لكن الجائحة لا تريد أن تعطينا فسحة لالتقاط الأنفاس".

وبائع الشاي "فريد" واحد من ملايين العراقيين الذين يكتسبون قوتهم بشكل يومي، ولا يفارقهم القلق بشأن مصير أرزاقهم في اليوم التالي جراء أي عارض شخصي أو قرار حكومي بتعطيل الدوام الرسمي في البلاد.

ويوجه سعد سلمان، نقداً شديد اللهجة إزاء الإجراءات الأخيرة، التي فرضتها حكومة بغداد بشأن تطورات الجائحة.

ويدعو بصوت بدت نبرته عالية الحدة والمناشدة: "أنقذوا عوائلنا من كابوس الجوع.. الحظر وكورونا وجهان لموت واحد".

ويلفت سلمان، الذي يعمل في متجر لبيع الملابس الرجالية بمنطقة الكرادة، وسط العاصمة بغداد، إلى أن "جميع الدول التي فرضت الحظر، وشددت على الالتزام باتباع القيود لمنع تفشي الإصابة وفرت مؤناً ومستلزمات المواطنين من المواد الأساسية كالغذاء والدواء باستثناء هذه البلاد".

ويواجه العراق أزمة مالية خانقة وظروف اقتصادية صعبة جراء هبوط أسعار النفط العالمية وما ترافق معها من ظروف جائحة كورونا منذ الربع الأول من العام الماضي.

ومع تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في فبراير 2020 لإيراني وافد إلى النجف، ومن ثم تفشي الوباء لاحقاً، واجه العراقيون أزمة حادة في توفر المستلزمات الخاصة بالوقاية من الجائحة مع قفزة كبيرة في أسعار الكمامة والقفاز التي تجاوزت 4 اضعاف ما كانت عليه قبل انتشار "كوفيد 19".

ورغم مرور نحو عام على ظروف جائحة كورونا، إلا أن العراق لم يستطع التعافي من أضرار تلك الجائحة وتداعياتها على المستوى المعاشي والاقتصادي بشكل عام، مما يترك البلاد أمام خيارات مجهولة وأكثر عتمة مع عودة الارتفاع بإصابات كورونا والسلالة المتحورة مجدداً.

و وينتقد الخبير الاقتصادي العراقي داود زاير إن قرار لجنة السلامة العليا الأخير، قائلا إنه "لا يمتلك رؤية شمولية وغير دقيق، لأنه لم يراع الجوانب المتعلقة بالمواطن وظروفه".

ويبين زاير لـ"العين الإخبارية"، إنه "مع التسليم بأهمية اتخاذ الإجراءات التي من شأنها الحد من تفشي ذلك المرض وحماية المواطن من خطر ذلك الأمر، إلا أنه من المفترض أن تكون للدولة خطة ومعالجة لمنع وقوع أصحاب الدخل المحدود في جائحة الجوع".

ويضيف رئيس مجلس الأعمال الوطني، داود زاير، أن "تداعيات الجائحة الأولى تسببت في خسارة أكثر من 40% لأعمال ومشاريع صغيرة لمواطنين من أصحاب القوت اليومي"، داعياً الحكومة العراقية إلى "تقديم منح مالية طارئة للعائلات الواقعة دون مستوى خط الفقر لتدارك تفاقم الأزمة الماضية".

ويقول: "في كل العالم وعند ظروف مشابهة يتم تعويض أرباب العمل بقصد ضمان استمرارهم وبما يؤمن الدورة الاقتصادية بالسوق".

وكانت اللجنة الحكومية العليا للصحة والسلامة الوطنية في عهد حكومة عادل عبد المهدي، رصدت في ابريل/نيسان الماضي، 600 مليار دينار توزع كمنح طارئة للأسر العاجزة عن تحمل نفقات معيشتها نتيجة لحظر التجول المفروض آنذاك جراء تفشي وباء كورونا.

وفي هذا الصدد، يلفت نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية، حسين عرب، إلى أن "المشكلة الحقيقة التي تواجهها الحكومة العراقية هي عدم وجود بيانات وإحصائيات دقيقة بعدد العوائل الفقيرة".

وينوه عرب لـ"العين الإخبارية" إلى أن "هنالك ما يقرب من 8 ملايين عراقي يعانون الفقر، لكنهم غير مسجلين رسمياً، إضافة إلى نحو مليوني عامل خارج سجلات دائرة صندوق الضمان الاجتماعي".

ولكن مع صعوبة الوصول إلى مختلف تلك الشرائح، تضامن نائب رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية مع الذهاب باتجاه توفير منحة مالية طارئة لإنقاذ المتضررين من إجراءات الغلق الأخيرة وخصوصا أصحاب الدخول المحدودة.