عندما كنت على مقاعد الدراسة، كنت أنظر إلى مهنة المعلم بأنها مهنة سهلة جداً، فقد كنت أظن أن المعلم يقوم بتكرار الدرس لجميع الصفوف، ويستخدم صلاحياته المطلقة في توبيخ الطلبة، ويحظى بثلاثة أشهر إجازة مدفوعة خلال فصل الصيف.. ظلت هذه الفكرة تراودني حتى عام 2007 عندما قمت بتدريس أول مقرر جامعي، فاكتشفت أن المعلم يجب أن يحدث معلوماته بصورة آنية، ويجب أن يقوم بعملية التطوير المستمر لنفسه من أجل أن يكون قدوة للطلبة ويكون قادراً على الإجابة عن أسئلتهم غير المنتهية، وما إن ينتهي المعلم من الشرح حتى يبدأ في دائرة التصحيح والتقويم والإعداد للمقرر، عملية معقدة جداً جداً تجعل المعلم ينخرط في العمل الإداري وتجميع الأوراق وتوثيقها استعداداً لرقابة الجودة ومتطلباتها الكثيرة غير المنتهية، جعلتني هذه الفترة ممتنة لكل معلم درسني طيلة مسيرتي العلمية. وبعد أن منّ الله علي من فضله العظيم وأصبحت أماً، بات من الواجب علي متابعة المسيرة التعليمية مع أبنائي، وتجلت هذه الوظيفة مع جائحة «كورونا» والتحول التقني للنظام التعليمي، وبت استشعر أكثر وأكثر دور المعلم، هذا الإنسان الذي يقوم بدور جلي في تعليم أبنائنا، ويقوم بدور كبير في تطوير مهاراتهم رغم اختلاف شخصياتهم ومستوى فهم كل طالب منهم. وأستغرب من قدرة المعلم على تحمل عدد يفوق على 25 طالباً دفعة واحدة أو أكثر في صف دراسي واحد، ونحن الأمهات نشكو من متابعة فلذات أكبادنا رغم محدودية أعدادهم..

المعلم، هذه المهنة الأهم على الإطلاق، فهي التي تصنع الإنسان وتحدد شخصيته، وتهديه المعارف، وبالتالي يصبح لدينا المواطن الصالح في مختلف التخصصات، فلا يوجد طبيب أو مهندس أو مبرمج أو إداري دون معلم قام بتعليمه وتأسيسه ليدخل سوق العمل. ولهذا مازلت أستغرب من أن الكادر التعليمي في مملكة البحرين مازال متواضعاً رغم الأدوار الهامة التي يقوم بها المعلمون.

* رأيي المتواضع:

كيف لنا أن نستقطب معلمين مؤهلين للقيام بصناعة «مواطن صالح» يتلاءم مع توجهات واستراتيجيات التطوير في الوطن ونحن لا نفرد لهم المزايا، كيف نجعل مهنة التعليم من المهن التي يتمنى الجميع أن ينتمي لها نظراً لجودة المزايا المقدمة لهم، وكادرهم الوظيفي متواضع. في الدول العظيمة كاليابان وسنغافورة يحصل المعلمون على رواتب أكثر من نظائرهم في مختلف الوظائف الأخرى، ويحظى المعلم بنظرة مجتمعية مرموقة نظراً لأنه «مؤسس» لشخصية الإنسان في المجتمعات هناك، فهلا فكرنا في مراجعة مميزات المعلمين في مختلف المراحل التعليمية لكي نضمن انضمام الكوادر التعليمية المؤهلة لهذا السلك الهام.