بلحى بيضاء ملبدة بغبار رمال "أرض بلقيس"، يتسابق "ملوك سبأ" لخوض ملحمة جديدة دفاعا عن معقل أجداد العرب ضد هجمات الحوثي المدعوم إيرانيا.

وطيلة 6 أعوام من عمر الانقلاب الحوثي، تعرضت "مأرب" لـ3 حملات برية حوثية بمفهومها العسكري الواسع، كانت الأولى في 10 مارس/آذار 2015، والثانية مطلع 2020، وبدأت الثالثة وهي الأكبر في 7 فبراير الجاري، وفشلت جميعها بالوصول إلى المدينة.



يعود ذلك، لقبائل المحافظة (175 كيلومترا شرق صنعاء)، ذات العرف الأصيل والهوية اليمنية والعربية والإسلامية والتي تضع الانتماءات السياسية والحزبية جانبا، كأهم عامل في تماسكها الفعال ضد أشرس حملات عسكرية لمليشيات الحوثي.

حيث لم يحقق الإرهاب الحوثي أكثر من تعزيز لحمة قبائل مأرب الرئيسية الـ5، سيما قبيلتي "مراد" و"عبيدة" الكبيرتين، بالإضافة إلى "الجدعان" و"بني عبد" و"بني جبر" لمواجهة "الغزو الإيراني ضد مهد العرب"، كما يصفه كبار زعماءها.

وقبائل مأرب عدو تاريخي لسلالة الحوثي القديمة، وتصف رجالها بـ"أولوا قوة وبأس شديد" كما ورد في القرآن الكريم، إذ تختصر أرضهم "أرض سبأ" حقبة مهمة في تاريخ اليمن وحضارة العرب والإسلام كمهد للقبائل التي انتشرت في الشاطئ الأفريقي الشرقي والشرق الآسيوي عقب حادثة انهيار "سد مأرب" سنة 580م.

وعلى الرغم من تفوق مليشيات الحوثي في الأعداد البشرية التي تدفعها إلى مأرب، إلا أن تمرس القبائل القتالي منذ مطارحها القبلية للتعبئة 2015، ساهم في تحطيم هجمات الانقلابيين، لتقف كسد بشري منيع شمالا وغربا وجنوبا في أكثر من 10 محاور تدور فيها المعارك.

وينظر لمعركة مأرب يمنيا وعربيا ودوليا أنها "حاسمة" بالفعل، وذات تأثير كبير في مستقبل البلاد السياسي، وينتحر الحوثيون للأسبوع الثالث في حملة اجتياح المحافظة النفطية وقد تكبدوا أكبر خسائرهم المادية والبشرية ولم يحقق أي تقدم ذات قيمة.

في جبال السروات والكسارات وصحراء رملة السبعتين، من رحبة ومراد جنوبا إلى صرواح غربا ومدغل ومجزر شمالا وحتى العلم في الجوف شرقا، تصطف "قبائل مأرب" تذود عن تاريخها التليد في معركة وجودية يتقدمها المسنون وكبار القوم وتهتف دوما "كسرنا خشمه".

وواجه سكان عاصمة سبأ كل موجات المليشيات الحوثية بثبات معبد الشمس في قلب الصحراء، مقدمين أرواحهم وأبناءهم فداء لأرض أجداد العرب، والذي ظلت منذ الانقلاب الحوثي منصة لتحالف دعم الشرعية لتحرير صنعاء واقصى شمال اليمن.

فخلال الأسبوعين الماضيين فقط، استشهد عديد شيوخ ووجهاء من القبائل على رأسهم الشيخ "صالح بن سالم بن جابر العبيدي، غالب بن ناصر الأجدع، وعبدالولي عبدالرب الهياشي، ومحمد بن أحمد الباشا "‫بن زبع"، وهمام سالم الطيابي، في دلالة واضحة لشراسة المعركة الكبرى الثالثة.

وتتجلى تضحيات المأربيين، من الشيخ "أحمد بن ناصر الأجدع" الذي قدم 5 من أبنائه قبل أن يلتحق بهم شهيدا في مارس الماضي، بالإضافة الشيخ "اللواء مفرح بحيبح المرادي" والذي قدم، 5 أبناء، ولازال يقود قوة ضاربة للجيش وقبيلته في المحور الجنوبي للمحافظة عوضا عن جبهات تتوغل في قلب البيضاء وأطراف شبوة.

وفجرت تضحيات القبائل جدلا واسعا في الشارع اليمني بشأن استخدام إخوان اليمن للمحافظة كمنطقة نفوذ وقوة، إذ اعتبرها نشطاء على مواقع التواصل أنها تكشف أحد فصول انتهازية الإخوان وفسادهم وتخاذلهم خصوصا بعد تسليم الجوف ونهم والبيضاء ما سهل للحوثيين العام الماضي إشعال غالبية حدود مأرب.

وقال مصدر عسكري لـ"العين الإخبارية"، إن تحالف دعم الشرعية باليمن بقيادة السعودية عزز ترسانته العسكرية في "مأرب" اليومين الماضيين والتي تعتبر بمثابة "خط أحمر"، كما استنفرت الحكومة المعترف بها دوليا والقبائل وبقية المكونات المناهضة للحوثي لدعم القبائل والجيش اليمني هناك.

فيما لازالت المليشيات الانقلابية تدفع بأكبر أفواجها القتالية، إذ تركزت أكثر هجماتها الحربية خلال الأسابيع الماضية على المحور الغربي في مديرية "صرواح" والتي ترابط فيه "قبيلة جهم" وعموم بني جبر بجانب الجيش اليمني مدافعة عن أرضها وديارها.

وفي الشمال الغربي، حيث مناطق قبيلة "الجدعان" المنتشرة في 3 مديريات "مجزر" و"مدغل"، و"رغوان"، تتشارك مصير ذاته مع قبيلة "بني عبد" والتي تشارك الجدعان وتنشر رجالها في مديرية "العبدية" جنوبا دفاعا عن أرضها هناك.

وفيما يبدو يحاول الحوثيون تكثيف الهجوم على هذه المحورين باعتبار الخزان البشري لموطن هذه الـ3 القبائل أقل قياسيا من القبيلتين "مراد" و"عبيدة" والتي تشكل رعبا بالفعل للمليشيات، بالإضافة إلى قربها من المركز الإداري لمأرب (30-20 كيلومتر غربا).

ورغم اختراق الحوثي لجنوب مأرب العام الماضي، لكن سرعان ما تبدلت المعركة هناك إلى ثقب استنزاف أسود لمقاتليه، ولازالت قبيلة "مراد" ذات الثقل العسكري الأكبر بالجيش اليمني تلحق بالانقلابيين أقسى الهزائم دفاعا عن معقلها جنوبا وجنوب غربا.

وتعتبر "مراد" العدو التاريخي للسلالة الهاشمية التي حكمت اليمن عقود متقطعة ويتحدر منها الحوثيون، إذ لازالت القبيلة تتفاخر حتى اليوم وتخلد زعيمها الشيخ "علي بن ناصر القردعي"، الذي قتل 1948 الإمام الزيدي "يحيى حميد الدين"، حاكم شمال اليمن حينها.

وتملك "مراد" التعداد السكاني الأكبر في مأرب وتستوطن 5 مديريات هي: "رحبة"، و"ماهلية"، و"حريب"، و"الجوبة"، و"جبل مراد"، وتعد مركز نفوذ قوي لحزب المؤتمر الشعبي العام.

وقال مصدر يمني قبلي لـ"العين الإخبارية"، إن الزعيم القبلي المرادي عبدالواحد نمران، رئيس حزب المؤتمر في مأرب أسس اليومين الماضيين غرفة عمليات للتواصل بشيوخ قبائل همدان (حاشد وبكيل) لعدم الزج بأبنائهم مع الحوثيين إلى محارق مفتوحة.

شرقا وشمالا حيث حقول نفط صافر، تنتشر قبيلة "عبيدة" ذات الثقل الجغرافي الأكبر في المحافظة، وهي مركز حضور حزب الإصلاح في مأرب، لكنها تضع ذلك جانبا وتدافع بالفعل عن هويتها القبلية في المعارك بالعلم والصحراء الحدودية مع الجوف.

وظلت "قبائل مأرب"، سيما "مراد" و"عبيدة" ذات المذهب الشافعي، مئات السنين، خارج نفوذ أئمة الزيدية والاحتلال العثماني، كما فشل تنظيم القاعدة الإرهابي في اختراق تكتلاتها القبلية وعلى مدى الـ6 أعوام من معارك لا تتوقف مع الحوثيين المدعومين من إيران تمرست على حالة اليقظة الدائمة في معركة وجودية وتاريخية.

ورغم التماسك الصلب للقبائل، ثمة خطر محدق محاط في مدينة مأرب الذي يزحف الحوثيون صوبها وتضع المليشيات كل ثقلها العسكري كمعركة مصيرية أمام أي مفاوضات مقبلة، وفق خبراء.

ويقول قائد لواء الحسم سابقا ورئيس التحضيرية العليا لتحالف قبائل اليمن الاتحادي، العميد فيصل الشعوري، إن محاولة مليشيا الحوثي لاجتياح مركز مأرب الإداري وكافة حدودها الجغرافيا ليست الأولى لكنها "الأخطر" حيث يرمي الانقلابيين كل ثقلهم وعدتهم وسلاحهم وكيدهم بغية تطويقها وخنقها والسيطرة عليها.

وأوضح القيادي اليمني في تصريح لـ"العين الإخبارية"، أن مأرب كعادتها برجالها وشبابها وشيوخها وتاريخها وحضارتها وجيشها تبدد جموع الانقلابيين وتكبدهم خسائر فادحة بشرية ومادية.

وأضاف: "صحيح أن الخطر محدق والمسافات إلى عاصمة المحافظة بات قريبا ولكنه سيكون باهظا ومكلفا"، مطالبا قيادة الشرعية والتحالف باتخاذ خطوات جادة وميدانية تحد من انهاك المليشيات للقبائل والجيش لتدفعها نحو الهجوم واستعادة كافة أراضي المحافظة ونقل المعركة إلى صنعاء والبيضاء والجوف المجاورة لها.

ولمعرفة مزيدا من سيناريو هجوم مأرب الحوثي، فهي تقود حراكا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا وشعبيا ولكل حراك تفاصيله، وهو مخطط واسع يجري تحت أنظار الأمم المتحدة مالم تتدخل الشرعية والتحالف للتصدي له، وفقا للشعوري.

وفيما يتعلق في الهجوم العسكري، طبقا للخبير العسكري والقبلي فهو يستهدف خنق مأرب من عبر "صرواح" والوصول إلى أقرب مسافة من قلب المدينة وبات الخطر يقترب مع انتقال المعارك إلى بلدة" الزور" على الخط الحيوي غربا الرابط بين مدينتي مأرب وصرواح.

في الشمال الغربي، تستهدف المليشيات اجتياح "ماس" و"رغوان" والتقدم إلى نهاية "الكسارات" على الخط الحيوي الرابط بين مأرب وصنعاء وهي مسافة قريبة من قلب مدينة مأرب.

شمالا وشرقا في جبهات "العلم" والتي تسعى المليشيا إلى السيطرة على حقول نفط صافر وصولا إلى "الرويك" و"العبر" لقطع الخط المؤدي إلى حضرموت وإلى الأراضي السعودية عبر منفذ الوديعة الدولي، بحسب العميد الشعوري.

جنوبا، يضيف القيادي اليمني في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن نطاق المعركة لازال في "الجوبة" و"جبل مراد"، حيث قبيلة مراد القوية والتي لازالت تخوض معارك طاحنة، إذ تحاول المليشيا الانقلابية الوصول إلى الجوبة وقطع خط شبوة ومأرب.