الشهادة في الإسلام لها معانٍ واسعة، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «من قُتِلَ دون ماله فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون أهله فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون دينه فهو شهيد، ومن قُتِلَ دون دمه فهو شهيد»، وفيه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك. قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد. قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار..».

وورد عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ وَالمَبْطُونُ وَالغَرِيقُ وَصَاحِبُ الهَدْمِ وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ».

فالشهداء في الإسلام عدة، وأعلاهم مرتبة هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.. فعن أَبِي مُوسَى عَبْدِاللهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً؛ أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ الله».

والشهيد على ثلاثة أقسام: الأول شهيد الدنيا والآخرة. والثاني شهيد الدنيا والثالث شهيد الآخرة.

فشهيد الدنيا والآخرة هو الذي يقتل في قتال مع الكفار مقبلاً غير مدبر لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، دون غرض من أغراض الدنيا، أما شهيد الدنيا فهو من قتل في قتال مع الكفار وقد غل في الغنيمة، أو قاتل رياء، أو عصبية عن قومه، أو لأي غرض من أغراض الدنيا، ولم يكن قصده إعلاء كلمة الله، فهذا وإن طبقت عليه أحكام الشهيد في الظاهر من دفنه في ثيابه ونحو ذلك لكنه ليس له في الآخرة من خلاق، ونحن نعامل الناس على حسب الظاهر في الدنيا، والله الذي يعلم الحقائق هو الذي يتولى حسابهم يوم القيامة. وأما شهيد الآخرة الذي يكون له أجر شهيد في الآخرة لكنه في الدنيا يطبق عليه ما يطبق على الميت العادي، فهذه أصناف منهم المقتول ظلماً من غير قتال، وكالميت بأنواع من الأمراض ونحو ذلك، وكالغريق في البحر الذي ركبه وكان الغالب فيه السلامة بخلاف من ركبه وكان الغالب عدم السلامة أو ركبه لإتيان معصية من المعاصي ونحو ذلك.

فأما الاستشهاد في ساحة القتال فإن أجره عظيم جداً وهو قمة مراتب الشهادة، ولا يمكن لأي نوع آخر من الشهداء أن يصل إلى هذا المقام، قال الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ. يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، وقال عليه الصلاة والسلام: «للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه»، وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد، قال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة، فترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصاً من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»، ولذلك كان لا بد من سؤال الله بصدق الاستشهاد في سبيل الله لتحصيل هذا الأجر العظيم، ولو مات الإنسان حتف أنفه.

والموت في الرباط في سبيل الله من أعظم الميتات وأطيبها، قال صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان».

ولا يصح التساهل في إطلاق لفظ الشهيد على الأشخاص، فالله أعلم من الذي يموت شهيداً في سبيله.

لكن للأسف فإن لقب الشهيد أصبح يطلق جزافاً في السنوات الأخيرة على كل محارب وكل إرهابي.. فتنظيم القاعدة يصف قتلاه بالشهداء، و «حزب اللات» الإجرامي يسمي قتلاه بالشهداء وتنظيم «داعش» الإرهابي يطلق نفس الوصف على ضحاياه وكذلك حزب النصرة وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتنوعة والعديدة.