هدى عبدالحميد

أكدت مدير إدارة البحث العلمي بمجلس التعليم العالي د. فرزانة المراغي ارتفاع النشر العلمي من خلال محرك البحث الشهير سكوبس في البحرين 67.4% خلال الأعوام من 2014 إلى 2019، حيث بلغ إجمالي النشر 3538 فيما وصل عدد المؤلفين إلى 2861، مشيرة إلى أنه آن الأوان لإيجاد صندوق للبحث العلمي لا يعتمد على الدعم الحكومي فحسب، بل تسهم فيه مؤسسات القطاع الخاص.

وأضافت في لقاء مع "الوطن" أن البحرين بحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، لتقليل الاعتماد على النفط وإيجاد البدائل كالصناعات والسياحة وغيرها، ومن هنا تأتي أهمية البحث العلمي في البحرين للمساهمة في التحول من اقتصاد قائم على مصادر الطاقة غير المتجددة إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وهو ما أشارت إليه رؤية البحرين الاقتصادية 2030.



ولفتت إلى أن مجلس التعليم العالي أولى اهتماماً بالبحث العلمي جنباً إلى جنب مع حوكمة التعليم العالي، حيث أفرد للبحث العلمي إستراتيجية عشرية خاصة تمكن من الارتقاء بالأداء البحثي للجامعات.

وأكدت أن جامعة البحرين تحتل المركز الأول في عدد النشر الذي بلغ 1317، تليها جامعة الخليج العربي 540، ثم الكلية الملكية للجراحين بإيرلندا - جامعة البحرين الطبية 243 والجامعة الأهلية 227، وفيما يأتي نص اللقاء:

من وجهة نظركم ما هي أهمية البحث العلمي بشكل عام، وللبحرين بشكل خاص؟

تقول ماري كوري عالمة وباحثة في الكيمياء والفيزياء: إنه "لا بد ألا نخشى شيئاً في الحياة، بل يجب فهمه فقط. وحان الوقت الآن لفهم المزيد، حتى نخاف أقل"، في إشارة منها إلى أن البحث لفهم الأشياء يساهم في تمكيننا من السيطرة عليها والتحكم في أضرارها، ولعل أقرب مثال على ذلك هو الوضع العالمي الراهن في ظل جائحة كورونا (كوفيد 19)، فكل الأنظار متوجهة نحو مراكز البحوث الطبية لإيجاد حل لهذه الجائحة، وكلما زادت البحوث العلمية حول هذا الفيروس واللقاحات قل الخوف منه ومن آثاره على الإنسان".

في الدول المتقدمة، معظم الصناعات -حتى الصغيرة منها- قائمة على البحث والتطوير (R&D)، ما يجعلها تنمو وتزدهر وبالتالي تكوّن اقتصادات قوية ومتينة. وفي مملكة البحرين، نحن بحاجة إلى تنويع مصادر الدخل، لتقليل الاعتماد على النفط وإيجاد البدائل كالصناعات والسياحة وغيرها.

ومن هنا تأتي أهمية البحث العلمي في البحرين للمساهمة في التحول من اقتصاد قائم على مصادر الطاقة غير المتجددة إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وهو ما أشارت إليه رؤية البحرين الاقتصادية 2030 عندما أكدت أهمية تشجيع البحث والتطوير في مؤسسات التعليم العالي لبناء اقتصاد قائم على المعرفة. فإذا ما نظرنا إلى عدد من أكبر الشركات في العالم، نجد أن انطلاقتها كانت من مراكز الأبحاث كتلك التي بدأت في واحة السيليكون مثل شركة أبل، وغوغل، وفيسبوك، وفيزا، وشيفرون.

ما هي إستراتيجية مجلس التعليم العالي التي اعتمدها المجلس اهتماماً بالبحث العلمي والمشاريع التطويرية في هذا المجال؟

يولي المجلس اهتماماً بالبحث العلمي جنباً إلى جنب مع حوكمة التعليم العالي، حيث أفرد للبحث العلمي إستراتيجية عشرية خاصة تمكن من الارتقاء بالأداء البحثي للجامعات، تمت صياغتها بالتعاون مع أحد أعرق بيوت الخبرة وهو معهد ستانفورد الدولي للأبحاث. ومنذ إقرار هذه الإستراتيجية، وإدارة البحث العلمي بالأمانة العامة تعمل على تنفيذ المبادرات والمشاريع التي تسهم في تحقيق أهداف الإستراتيجية.

ولعل أحدث هذه المشاريع تلك التي تم تنفيذها من خلال التعاون الدولي مع جهات عالمية لها خبرة عريقة في مجال البحوث. فقد تم العمل مع "الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم" لتعزيز حوكمة البحث العلمي في الجامعات المحلية، ومساعدتها في رفع مستوى النشر العلمي كماً وكيفاً والارتقاء بالأداء البحثي للمؤسسة.

كما تم التعاون مع شبكة البحوث والابتكار البريطانية لتنفيذ زيارة بحثية تضم عمداء البحث العلمي في الجامعات في البحرين إلى مراكز البحوث والجامعات البحثية في المملكة المتحدة، نتج عنها تعزيز التعاون البحثي والشراكات بين الباحثين والمؤسسات في كلا البلدين وعقد الاتفاقيات الثنائية بينها في هذا المجال.

وعلى صعيد بناء القدرات البحثية وتعزيز مهارات البحث العلمي، تم تنفيذ العديد من المشاريع على مختلف المستويات، فمنها برامج تدريبية وورش عمل للباحثين في الجامعات بمختلف مستوياتهم، والتي عقدت بالتعاون مع خبراء دوليين في مجال البحوث، ومنها ما هو موجه لطلبة مرحلة البكالوريوس في الجامعات، لتشجيع وتعزيز المهارات البحثية لديهم. هذا إلى جانب ما تم توجيهه للمراحل المدرسية، حيث تم إعداد دليل ميسر للبحث العلمي وعقد محاضرات في كافة المدارس الثانوية حول أهمية البحث العلمي وأساليبه، وتم تنفيذ عدة مشاريع تعزز من تعليم تخصصات الرياضيات والهندسة والعلوم والتقنية (STEM) وتنمي اتجاهات الطلبة نحوها، لزيادة عدد الطلبة في هذه التخصصات وتعزيز البحث العلمي فيها كونها عصب اقتصاد المعرفة.

ما هي مؤشرات النشر العلمي في البحرين؟

يقاس الإنتاج البحثي من خلال النشر العلمي، ولا سيما في المجلات أو المؤتمرات العلمية المحكمة، وفي البحرين ازداد النشر العلمي في محرك البحث الشهير سكوبس بنسبة 67.4% خلال الأعوام 2014 إلى 2019، حيث بلغ إجمالي النشر 3538 لإجمالي عدد مؤلفين 2861، بزيادة في عدد المؤلفين بلغت 87%.

واقترب إجمالي الاقتباسات لهذه البحوث لـ40 ألف بمتوسط 11.1 اقتباساً لكل بحث، كما بلغ معامل تأثير الاقتباس المرجح لحقل التخصص Field-Weighted Citation Impact 2.35 مقارنة بالمتوسط العالمي 1.

وتحتل جامعة البحرين المركز الأول في عدد النشر الذي بلغ 1317، وتليها جامعة الخليج العربي 540، ثم الكلية الملكية للجراحين بإيرلندا - جامعة البحرين الطبية 243 والجامعة الأهلية 227، ويرتبط حجم النشر في المؤسسة بعدد أعضاء هيئة التدريس، ولا سيما من الناشطين في البحث العلمي.

أما بالنسبة إلى معدل الاقتباس لتلك الأبحاث فتحتل جامعة الخليج العربي المركز الأول بمتوسط 50.3، وتليها الكلية الملكية للجراحين - جامعة البحرين الطبية بمعدل 4.5 ثم جامعة البحرين بمعدل 4.1.

وبالرجوع إلى مجالات البحث نجد أن الأبحاث في مجال الطب تحتل أعلى نسبة وهي 22.6% من إجمالي النشر العلمي في البحرين، وتليها الأبحاث في الهندسة بنسبة 11% ثم علوم الحاسوب 10%.

وتتميز الأبحاث الطبية بارتفاع معامل تأثير الاقتباس الذي يصل إلى 4.4 وهو معدل مرتفع مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 1. ومع هذا لا يزال الإنتاج البحثي في المملكة لا يحقق الطموح المأمول، حيث إن الإحصائيات تشير إلى أن فقط 14.2% من الأبحاث منشورة في أفضل 10%من المجلات العلمية، وهي أقل من المتوسط العربي الذي يبلغ 20.4%.

ولعل أحد أهم المعايير في البحوث هو عقد الشراكات والتعاون الإقليمي والدولي، وتشير الإحصائيات إلى أن المملكة العربية السعودية تحتل المركز الأول في الشراكات البحثية مع الباحثين في مملكة البحرين، وتليها المملكة المتحدة، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، ومصر، وماليزيا، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

كم تبلغ الميزانية المخصصة للإنفاق على البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي في البحرين؟

ارتفع مستوى الإنفاق على البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة "عدا الإقليمية" في مملكة البحرين بين عامين 2014 و2018 من 5.6 ملايين إلى 8.7 ملايين دينار بنسبة زيادة بلغت 56%.

وكان مجلس التعليم العالي ألزم مؤسسات التعليم العالي الخاصة بزيادة الصرف على البحث العلمي من 3% من صافي الإيرادات إلى 3% من إجمالي إيرادات المؤسسة، فإذا ما نظرنا إلى معدلات الإنفاق على البحث العلمي في هذه المؤسسات نجدها ارتفعت من 3 ملايين دينار إلى 4.8 ملايين دينار خلال الأعوام المذكورة، أي بنسبة زيادة 57%.

كما أصدر المجلس لائحة تنظيم البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي، تلزمها بإنشاء عمادة أو مجلس للبحث العلمي، ووضع سياسة للبحث العلمي وآلية شفافة لتمويل البحوث، وتقوم إدارة البحث العلمي بالأمانة العامة بمتابعة تنفيذ المؤسسات للائحة وترفع التقارير بشأن مدى الالتزام بها.

وبشكل عام فإن الأبحاث الطبية تشكل أعلى نسبة إنفاق تصل إلى 31% من إجمالي الإنفاق على البحث العلمي، تليها العلوم الاجتماعية بنسبة 24%، ثم الهندسة والتكنولوجيا بنسبة 17%، وفقاً لإجمالي الصرف على البحث العلمي في كافة مؤسسات التعليم العالي في المملكة.

ما هي الطموحات تجاه البحث العلمي في البحرين؟

الطموحات كبيرة، فمن الناحية الأكاديمية، نأمل زيادة النشر العلمي كماً وكيفاً، ليكون للباحثين في البحرين دور في نشر العلم والإسهام في الدراسات والبحوث العلمية الرصينة في المجالات المهمة عالمياً لتكون مرجعاً للباحثين حول العالم، الأمر الذي نقيسه من خلال معامل تأثير الاقتباس.

إن الاهتمام بالنشر العلمي والابتكارات ووجود الباحثين المتميزين له تأثيره الإيجابي أيضاً على ترتيب جامعاتنا في التصنيفات العالمية التي تولي هذه الجوانب أوزاناً عالية ضمن معايير التقييم. كما نأمل أن تكون هناك مراكز أبحاث متخصصة في المجالات ذات الأولوية لمملكة البحرين وهي الصحة والصحة العامة والطب الانتقالي، وتقنية المعلومات والاتصال، والخدمات المالية والصيرفة الإسلامية والتمويل والتأمين.

ومن الناحية الاقتصادية، نأمل أن نرى مخرجات البحث العلمي تسهم في الاقتصاد الوطني من خلال تشجيع الابتكار وريادة الأعمال، وهذا يعتمد على تحويل المشاريع البحثية المتميزة للطلبة والباحثين إلى منتجات وحلول يمكن أن تحقق المردود الاقتصادي المرجو للمملكة، الأمر الذي يتطلب وجود حاضنات ومسرعات الأعمال المرتبطة بالجامعات، والتي توفر الدعم العلمي والفني إلى جانب المختبرات وكل ما يلزم للانتقال بالأفكار الرائدة والمميزة من العالم النظري إلى التطبيق والاختبار والتجربة ثم الإنتاج.

ونأمل أن يرتبط البحث العلمي الجامعي بالأولويات الوطنية بشكل وثيق لتقدم الحلول المختبرة علمياً لمؤسسات المجتمع المحلي الصناعية والاجتماعية والمالية وغيرها.

ولعل من أهم عوامل تطوير البحث العلمي هو التمويل، لذا حان الأوان لإيجاد صندوق للبحث العلمي لا يعتمد على الدعم الحكومي فحسب، بل تسهم فيه مؤسسات القطاع الخاص، فبعض الدول تلزم الشركات تخصيص نسبة 1% -على سبيل المثال- من أرباحها السنوية لدعم صندوق البحث العلمي، أو يمكن توفير بعض التسهيلات أو الامتيازات من الدولة للشركات التي تدعم الصندوق. هذا إلى جانب مساهمة مؤسسات التعليم العالي من خلال النسبة المخصصة للبحث العلمي (3% من إجمالي إيراداتها). على أن يقوم تمويل البحوث من هذا الصندوق على مبدأ التنافسية في المشاريع البحثية المقدمة لتوفير حلول للمشكلات التي ترصد لها الموازنات وفقاً للأولويات الوطنية، بحسب السياسات والتشريعات المرتبطة بإنشاء هذا النوع من التمويل.