كلما شاهدت تصويراً لحديقة عامة جديدة أو سوق مركزي جديد أو مسجد جديد يتم افتتاحه أتحسر على هذا الجمال وتلك النظافة والترتيب لأنها لن تدوم، فما قصتنا مع النظافة؟ لماذا نعاديها؟ وما قصتنا مع المرافق العامة؟ لماذا تستباح وتراق نظافتها بدم بارد وإتلافها حلال وجائز عندنا بل وكأنه مستحب عندنا؟!

المشاريع الجديدة تتلف خلال أيام وكأننا ننتقم من أنفسنا، مخلفاتنا في برنا وسواحلنا مخلفات قطيع من الغنم لا بشر مع الأسف أقولها بحزن، إنما هذا ما نصوره وما ننقله بكاميرات هواتفنا التي فضحتنا، ويأتي الأجانب من بعدنا ينظفون سواحلنا وبرنا، شيء مخجل.

لا إسلام نافع معنا، ولا قانون نافع معنا؟ ولا حس وطني نافع معنا؟ حقيقة لا أفهم كيف وصلنا إلى هذا العصر وهذه الأيام ومازلنا نحث على الانضباط والحفاظ على الأماكن العامة وهي مسلمات وبديهيات كل تلك الروادع التي ذكرنها، هي من الدين ومن الأخلاق ومن الوطنية، فما هي المشكلة؟ هل قوانيننا غير كافية؟ مراقبونا غير كافيين؟ هل اليابان مثلاً تضع شرطياً عند كل زاوية أم أن المواطن الياباني عنده الحس الوطني الذي يجعله يحافظ على أماكنه العامة دونما حاجة لرقيب أمني؟ يقال إن اليابانيين هذبتهم حضارتهم وثقافتهم وديانة الشنتو التي لا يعرف لها قائد أو معلم إنما تدعو للانضباط وتقديس النظافة.

وربما نقول إن اليابان بلد متقدم نجح تقدمه التكنولوجي في تهذيب أخلاق مواطنيه، ماذا عن الدول الفقيرة البوسنة مثال؟ إذ لفت نظري جداً جداً نظافة مساجد البوسنة وترتيبها ولفت نظري أكثر سلوك رواد هذه المساجد، فتجد الأحذية مرتبة في أماكنها المخصصة لها، الأجمل أن عندهم فوطاً بيضاء ملفوفة ونظيفة للتنشيف بعد الوضوء، ومرتبة في مواقع تخزينها بطريقة هندسية رائعة والمستخدم منها له مكان مخصص ترميها فيه ليعاد تنظيفها، لأن حمامات المساجد أصلاً نظيفة وأرضياتها غير مبللة، وهذه من أقوى المؤشرات على أن من كان سلوكه بهذا الانضباط فإنه تشرب فعلاً روح الإسلام، فما هي مشكلتنا إذاً؟

لماذا أماكننا العامة دائماً قذرة، بل أننا ننقل هذا السلوك حتى للدول النظيفة التي نزورها، فحيثما تجد عرباً تجد قذارة متروكة خلفهم، في حين أن ديننا يحث على الانضباط واحترام الآخرين والنظافة ولكن لا فائدة، دائماً ما نحتاج إلى أن نفرض السلوك السوي بقوة القانون بتشديد العقوبات برفع الغرامات بوضع كاميرات باحتساب مبلغ تأمين يسبق استخدام المرافق العامة عل وعسى نمنع التجاوزات، أما اعتمادنا على الوعي أو على الحس الوطني أو على حسن الإسلام كمانع ورادع فمع الأسف لا ينفع!

ولا أعرف إن كان دخول الأوروبيين الإسلام هو الذي هذبهم أو أن هناك عوامل أخرى ساهمت في حرصهم على النظافة والترتيب والانضباط؟ كما لا أدري لماذا لم يهذب الإسلام عندنا سلوكنا نحن العرب ونحن أصل الإسلام ومنبعه؟ رغم أن نبينا أتى ليتمم مكارم الأخلاق إلا أننا أقل الناس حرصاً على نظافة الأماكن العامة.

خلاصة القول لا نعتمد على «وعينا» كي نحافظ على أماكننا العامة الجميلة والمكلفة والتي تعبت الدولة في توفيرها لنا، إلا بوضع كاميرات مراقبة واحتساب مبلغ تأمين يسبق الاستخدام، ونشر مفتشين أكثر ورقم ساخن للتبليغ عن المخالفين لنجعل من كل مواطن شرطياً على الآخر.. يالله يالله تبقى مرافقنا نظيفة.