كثيراً ما تردني شكاوى من الناس حول الأوقاف التي أوقفها آباؤهم وأجدادهم سواء كانت هذه الأوقاف ذرية أو خيرية وتنصب الشكاوى حول تصرفات متولي تلك الأوقاف، طالبين الاستشارة وإبداء الرأي، ويمكنني القول إن معظم هذه الشكاوى تتركز على استغلال متولي الوقف لأموال الوقف لمصلحته الشخصية ويترك الفتات للموقوف عليهم، أو سوء الإدارة التي تؤدي إلى ضياع الوقف، وفي أغلب الأحيان يقع الشاكي في حيرة بين أن يحاسب متولي الوقف وبين السكوت والتجاوز عن تلك التصرفات المسيئة، فغالباً ما يكون متولي الوقف أحد أقاربه كأن يكون الأخ الأكبر، لذا يضطر باقي أفراد الأسرة للسكوت عن تلك التجاوزات حفاظاً على الروابط الأسرية بينهم.

والواقع أن الأمر يدعو للحيرة فقد تكون تلك الشكوى غير صحيحة، فهناك احتمال أن متولي الوقف قد بذل أقصى ما في جهده لإدارة الوقف بالمستوى المطلوب، وفي الوقت نفسه يطالب بما هو في حكم المستحيل، وقد يكون متولي الوقف قد أهمل إدارة الوقف وقصر في رعايته بل وأحياناً أساء استغلاله لمصلحته الخاصة، وأرى أن السبب الرئيس في صعوبة التحقق من صحة الشكاوى الموجهة ضد متولي الأوقاف، عدم كفاية الضوابط التنظيمية والمعايير المحاسبية التي تضبط عمل متولي الوقف والتي يحاسب في ضوئها.

وكم كنت أتمنى وضع ضوابط إدارية ومهنية يضبط بها جودة وكفاءة أداء متولي الوقف، فيعمل وفق أسس مهنية كأن يلزم بتعيين شركة تدقيق خارجي، وإذا اقتضى الأمر يضبط عمله بمراقبة شركة تدقيق داخلي، أو أن يعين مجلس أمناء للوقف يراقب عمل متولي الوقف، وأن يُلزم بتعيين باحثين اجتماعيين مختصين ليدرسوا أحوال الموقوف عليهم ومدى انطباق شروط الواقف عليهم، فكثير من الشكاوى التي تردني تتهم متولي الوقف بأنه يخص أهله وأقاربه ومعارفة بتوزيع ريع الوقف دون وجه حق. وغيرها من التنظيمات المهنية التي تنظم عمل من يدير الاستثمارات العقارية.

وكم أثلج صدري القرار الذي صدر مؤخراً من قبل معالي وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، الشيخ خالد بن علي بن عبدالله آل خليفة، بشأن قواعد وإجراءات تعيين الناظر على الوقف، حيث منح القرار مجلس إدارة الأوقاف السلطة التامة بالتولي على كافة الأوقاف الخاصة التابعة لها، وإدارتها والمحافظة عليها وتعميرها وصيانتها وتضمينها واستحصال ضماناتها ريع استثمارها على الموقوف عليهم، كما منح مجلس الإدارة حق تعيين أو عزل متولي الوقف. ووضع المعايير والضوابط المحاسبية والمهنية لمراقبة عمل متولي الأوقاف. إن هذا القرار من شأنه أن يساعد على رفع جودة وكفاءة إدارة الوقف ومن ثم تعميق أثر الوقف في المجتمع، وزيادة إسهامه في الاقتصاد المحلي. وإن هذا القرار يعتبر خطوة مهمة تضيف إلى تطور تاريخ الوقف في البحرين، أتمنى تفعيل هذا القرار لزيادة مراقبة أداء متولي الوقف، فالوقف أمانة في أعناق الأجيال.. ودمتم أبناء قومي سالمين.