هدى عبدالحميد

التوظيف هو الهدف الذي يسعى إليه الشباب بعد حصولهم على الشهادة التعليمية وكذلك هو حلم لأصحاب الإعاقة يسعى لتحقيقه لما يساعده في تحقيق ذاته ونموه النفسي والاجتماعي السليم، وكسب دخل ليوفر حياة كريمة، كما يمكنه من المساهمة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية لوطنه، إضافة لما يحققه التشغيل من إدماج له في مختلف مناحي الحياة ولكن للأسف هناك العديد من الصعوبات التي تواجه ذوي الهمم للحصول على وظيفة أو الاستمرار فيها ولإيضاح الواقع والمأمول في هذا الصدد تناولنا أراء المعنين.

التشريعات



قال رئيس الاتحاد البحريني للمعاقين جاسم سيادي "يوجد لدينا في البحرين منظومة تشريعية واسعة تنظم حق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل على نفس قدر ضمان العمل لأقرانهم من المواطنين فإن العمل حق أصيل في إطار حقوق المواطنة لجميع البحرينيين بمختلف فئاتهم ومذاهبهم".

وبين أن منظومة التشريعات هذه تبدأ بدستور البحرين، مروراً بقوانين العمل والقرارات التشريعية الملحقة به، وقانون رعاية وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرها من التشريعات، وتنتهي بالاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المُصدق عليها من قبل المملكة بمرسوم من جلالة الملك، وبالتالي فأنها جزء أصيل من المنظومة القانونية المحلية منذ تاريخ التصديق عليها منذ عدة سنوات، كما يجب التنويه هنا بأن لدينا في المملكة استراتيجية وطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، تم صياغتها بعمل مشترك من كل الجهات الحكومية والأهلية المعنية، وصادق عليها مجلس الوزراء، وهي تنظم في أحد محاورها السبعة حق وكفالة الالتزام بتوفير وضمانة العمل للأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا المحور كما هي المحاور الستة الأخرى مدعمة ببرنامج عمل وميزانية تقديرية لتنفيذ ما جاء منها من اقتراحات لمختلف الجهات المعنية وعلى رأسهم بطبيعة الحال وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وما يهم في هذا الشأن ليس القوانين وإنما العمل الجاد الدؤوب والمبرمج لتنفيذ روح القوانين ومخرجاتها".

وفيما يختص بهذا الهدف الجوهري والهام جداً، لأنه يتعلق بآلاف المواطنين وأسرهم، فإن الأمر يحتاج لصياغة برنامج على المستوى الوطني لوضع خطة وطنية تقوم بمراجعة شاملة لكل العناصر اللازمة والضرورية، لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة للانخراط في العمل ولإقناع أصحاب العمل بأهمية توظيفهم في الأعمال الملائمة لهم ولمساعدتهم بأن يكونوا ذو قيمة مضافة للمؤسسات التي يعملون بها.

المشاكل والعقبات

وأوضح سيادي "توجد العديد من المشاكل التي تعيق حالياً تشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، يأتي على رأسها تأهيل ذوي الإعاقة لأداء العمل من جهة وتأهيل مكان العمل ومواقع العمل لهم، فعلى مستوى تأهيلهم فان الأمر يحتاج للكثير من العمل، ويبدأ من وجهة نظري بالكشف المبكر المرتكز على التشخيص والتقييم، الذي على أساسه يتم وضع خطة العمل الملائمة لتأهيل ورعاية ذوي الإعاقة، وبالذات ذوي الإعاقات الشديدة أو المعقدة أو المزدوجة، وأعتقد بأننا نحتاج للاستثمار أكثر في هذا الجانب، لأن كل عملنا في برامج تأهيلهم ورعايتهم في كل مرحلة من حياتهم يعتمد على جودة وصحة مخرجات التشخيص والتقييم، وجودة برامج الرعاية بهم المرتبطة بهذه المخرجات. ولذا فأن توافر مراكز التأهيل والتعليم الكافية والمؤهلة جيداً هي أداة ضرورية في هذا الاتجاه، وكذلك برامج الدمج في المدارس والمراجعة والتقييم الدوري لهذه البرامج لقياس جودة مخرجاتها".

وأضاف "من المهم أن نضع بالاعتبار الفوارق الواسعة في الإمكانيات المتوفرة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة، وبالتالي فأن تصنيفهم وتدريبهم لأداء العمل حسب قدراتهم سواء الأعمال الفردية أو الجماعية ضروري جداً، لخلق فرص العمل أو مشاريع العمل الجماعية تبعاً لذلك، وبالذات في مجالات العمل اليدوية ودعم وتشجيع مواهبهم في مختلف المجالات، وبلاشك فأن لدينا أعداد كبيرة ذات فئات عمرية متقدمة بحاجة إلى العمل الآن، وهؤلاء يحتاجون لمعالجة مختلفة، أساسها التدريب لتأهيلهم لأداء العمل في الفرص المتوفرة في السوق حالياً، مع ضرورة أن يتم تأهيل مواقع العمل المستهدفة لإدماجهم في العمل بها.

ولذا فأني أؤكد على أهمية وضع خطة وطنية لتأهيلهم وتوظيفهم، تقوم بتنفيذها جهة متخصصة في إطار عمل جاد ودؤوب بموارد كافية ومستمرة.

توظيف ذوي الهمم بين الواقع والمأمول

قال رئيس الاتحاد البحريني للمعاقين للأسف الشديد لا يوجد لدينا أرقام إحصائية دقيقة في هذا الشأن، لأن الأرقام الرسمية ليست ناتجة عن عمليات إحصائية علمية، بقدر ما هي من واقع المسجلين للبحث عن عمل.

ولكن بلا شك فان جهود كبيرة تبذل من وزارة العمل وعدد من الجمعيات الأهلية العاملة في الإعاقة لتوفير عمل لهم. وأود هنا أن أشيد بجمعية متلازمة داوون والأخ الدكتور محمد المناعي على جهوده التي أثمرت عن توظيف عدد من أبنائنا وبناتنا لمتلازمة داون في وظائف لائقة بعدد من مؤسسات القطاع الخاص، والشكر والتقدير الشديدين موصول لهذه المؤسسات. كما توجد لدينا تجربة رائدة لدى الجمعية البحرينية للإعاقة الذهنية والتوحد في المشتل الزراعي الذي يعمل به عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، وبطبيعة الحال فإننا نحتاج لأن نراكم على مثل هذه المشاركة التي توفر فرص عمل للأشخاص ذوي الإعاقة، لأن عدد المسجلين فيهم للبحث عن عمل كبير نسبياً، وعدد الجالسين في بيوتهم أكثر بكثير، والجهد المبذول في ذلك يحتاج إلى التعظيم و التنظيم ومزيداً من العمل الجماعي والدؤوب من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني المعنية ومؤسسات القطاع الخاص.

المساواة والعدالة في الراتب

وأكد سيادي إن الراتب كما نعلم جميعاً يجب أن يتناسب مع أداء العمل، ولذا فإن الشاغلين لنفس الوظيفة ينبغي أن يتقاضوا الراتب المقرر لأداء العمل بغض النظر عن سلامتهم الجسدية أو الذهنية. إن التجربة العملية تؤكد لنا بدون أدنى شك بأن العديد من الإعاقات لا تؤثر سلباً على الأداء الوظيفي إذا تم توظيفها في العمل الملائم وبالذات في الإعاقات الحركية أو البصرية أو السمعية، بل على العكس قد يكون لها قيمة مضافة أعلى بكثير من أقرانهم العاملين.

وأضاف "المسألة ربما تختلف مع الإعاقات الذهنية أو المزدوجة، بالرغم من أن التجربة مع العاملين من متلازمة داون وغيرهم أثبتوا بأنهم أهل للإصرار والثقة بالعمل. كما يجب أن لا يغيب عن ذهن أصحاب العمل في ظل برامج الحكومة حالياً، بأن الدعم المجتمعي يعد عنصراً أساسياً في تقييم الالتزام بالحوكمة، وبالتالي فأن دعم الأشخاص ذوي الإعاقة للانخراط في سوق العمل من قبل القطاع الخاص يرفع من التزامهم بمبادئ الحوكمة ومن التزاماتهم الجوهرية تجاه المجتمع، ومن هنا أوجه الدعوة لمؤسسات القطاع الخاص بالمشاركة في تدريب وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وأن يضعوا البرامج التدريبية الملائمة لهم للانخراط في سوق العمل، من خلال ملائمة مخرجات برامج التدريب بالوظائف المتوفرة لهم في سوق العمل، وذلك بتخصيص الوظائف الملائمة لهم في مختلف الإعاقات، حتى الشديدة منها، إذا تم تأهيل مواقع العمل لاستيعابهم. إن العديد من التجارب في الدول المتقدمة تشهد نجاحات مبهرة في هذا الخصوص".

ساعتا الراحة

وذكر سيادي أن ساعتي الراحة أصبحت حقاً قانونياً حالياً ووفقاً للقانون سيتم تنفيذها بالقرارات الوزارية التي يصدرها سعادة الوزير المختص. ولذا فأن الأمر حالياً ينصب على آليه تنفيذها بأكبر قدر من التوازن بين احتياجات العمل في المؤسسات التي يعمل بها المستفيدين من هذه الرخصة وبين الحاجة الفعلية لها وإن ما يقلق في هذا الأمر هو أن ساعتي الراحة لعشرات الآلاف من أقارب الأشخاص ذوي الإعاقة قد تحولهم إلى عمالة أو موظفين غير مرغوب فيهم، وبالذات في القطاع الخاص وبعض الوزارات الحكومية، لأن ذلك سيترتب عليه كم هائل من فقدان ساعات العمل، وسيؤثر على أداء العمل وحجم الإنتاج، ولذلك فان التنسيق بين وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وغرفة التجارة والصناعة للاتفاق والتفاهم على عناصر استحقاق الإجازة بشكل متوازن كما ذكرت، لاستجابتها للحاجات الفعلية لها، لتحقيق الغاية النبيلة التي شرع القرار لها.

الحلول المقترحة

وشدد سيادي على مدى الحاجة للجنة أو فريق متخصص لصياغة خطط عمل لوضع حلول على المدى القصير والمدى البعيد لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، مؤكداً أن خطط المدى القصير يجب أن تستهدف توفير فرص عمل فورية على الأقل للأشخاص المسجلين كباحثين عن عمل، بجانب تصميم البرامج التدريبية الضرورية لتأهيلهم لأداء العمل في الوظائف المتاحة لهم، مستندين في ذلك على التفاهم مع المؤسسات المستعدة لدمجهم في العمل وتفعيل التشريعات الداعمة لذلك، إذا اقتضى الأمر، آخذين بالاعتبار صعوبة ذلك لأن أغلب الباحثين عن عمل لم يتم تأهيلهم بشكل عملي ومنهجي لذلك، وعلى المدى البعيد فأن الحل في تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في محاورها السبعة وبالذات في محور حقهم في العمل كمواطنين.

وقال بأن ذلك يتم عبر تأسيس علمي متكامل لفريق التشخيص والتقييم "الكشف المبكر" لوضع البرامج الرعائية والتأهيلية لمختلف الأشخاص من ذوي الإعاقة، وتبعاً لذلك الاستثمار لتأسيس المراكز المؤهلة بالكوادر البشرية ومناهج الرعاية والتأهيل لجميع فئاتهم العمرية، ونوع إعاقتهم وبالذات الفئات العمرية الأقل، ويأتي على رأس الأولويات الدمج في المدارس والجامعات ومراكز التأهيل المهني والفني في الصناعات اليدوية والزراعة وخلافها من المهن، وبطبيعة الحال ضرورة تطوير برامج الرعاية الصحية لهم كأداة دعم مركزية لبرامج الدعم والتأهيل، ومثل هذا التوجه يحتاج إلى حوار واسع ومكثف مع القطاع الخاص من خلال غرفة التجارة والصناعة لوضع الخطط والميزانيات اللازمة لتأهيل مواقع العمل لتكون صديقة لهم على مستوى المباني وحرية الحركة والأجهزة المكتبية والمعنيات الأخرى.

وبين أن التوجه لشراكة القطاع الخاص مسألة مركزية لنجاح خطط توفير فرص العمل والتدريب المهني لهم ، وتمكينهم من التوطن في الوظائف وفقاً لقدراتهم الجسدية والذهنية، ولنا في العديد من الدول المتقدمة تجارب مستقرة وطويلة في ذلك، حتى للأشخاص ذوي الإعاقات الشديدة، وأن توفير فرص العمل للأشخاص ذوي الإعاقة هدف نبيل وأخلاقي وحق مواطنة يكفله دستور المملكة، ويعد مؤشراً ودليلاً على تقدم مملكتنا ووضعها في مصاف الدول المتقدمة كما يريد لها جلالة الملك وحكومة المملكة والمجتمع المدني وكل من يريد لمملكتنا الغالية أن يكون مواطنيها جميعاً مشاركين في التنمية الاقتصادية والمجتمعية، لأن تراكم أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة العاطلين سيشكل عبئاً ثقيلاً مالياً ونفسياً علينا، بينما انخراطهم في العمل - وهم آلاف - يساهم في التنمية المستمرة لمملكتنا الغالية.