ينكسر الزجاج فينتهي بصوت عال وسريع ولكن يبقى بعض قطع الزجاج يجرح من يلمسها فكذلك الكلام الجارح ينتهي ويبقى القلب والروح يتألمان طويلاً، فإياك وكسر الخواطر فإنها ليست عظاماً تجبر بل أرواح تقهر، لأننا عندما نتألم من كلام الذين نحبهم نصاب بالألم والمر مرتين، مرة من قسوة كلامهم وأخرى لأننا عاجزون عن الرد بنفس أسلوبهم، لذا لا تتباهَ بقوتك أمام ضعيف ولا بسعادتك أمام حزين ولا بحريتك أما سجين ولا بعلمك أمام جاهل أمي، ولا بمالك أمام فقير مكلوم محتاج ولا بوالديك أمام يتيم يشعر بالفقد والحرمان، وزن كلامك وراع شعور الآخرين، وعندما تغضب اكسر أي شيء ولكن تجنب كسر شعور البشر لأن كلمات الغضب قاسية، وإن أكثر ما يؤلم أن تكتشف أن الكتف التي اتكأت عليها ما كانت إلا جداراً هشاً مائلاً، فلا تكسر خاطر أحد! فالقلوب والعلاقات الإنسانية لا تُصدِر أصواتاً لحظة كسرها وانكسارها! ولكنها تسبّب شقوقاً وجروحاً، قد يعجز عن شفائها خير الأطباء ألا وهو الزمن! فانتبه دائما ألا تفقد إنساناً أحبك بصدق، وانتبه ألا تتغير على شخص نظرك بعيونه جنة وصرت لقلبه مسكناً ومأوى، وانتبه أن تكسر بخاطره. الدنيا دوارة وانتبه أن تفارق إنساناً أنت فرحته وقلبه، وأعلم أن هناك ألماً يجعلك تحزن وتكتئب وهناك ألم يجعلك تفهم وتتغير. لا شيء أمرُّ على الإنسان من كسر الخاطر، فكسر الخواطر من أخطر ما يكون نفسياً على الإنسان ذلك يعني كسر الكرامة، إذا انكسر خاطر الإنسان فهذا يعني أن نفسه قد هانت عليه، فحينما ينكسر خاطره هل سيحترم نفسه ويحبها؟ جبر الخواطر أكثر عبادة مهجورة مع أننا نردد طوال الْيَوْمَ «جبر الخواطر على الله»، وهي بسيطة جداً ولكن الأنا المتضخمة والغرور عند البشر يطغى ويتجبر، في شجارنا نفكر بأنفسنا قبل الآخرين فلا نحاول أن نضع أنفسنا مكان الطرف الآخر، ونفكر بمنطق لماذا أفعل أنا هذا ولا يفعله هو؟ ولماذا أبدأ بالحديث والاعتذار وهو لا يبدأ أبداً؟ وفي العلاقات الزوجية فالزوج لا يجبر بخاطر زوجته عندما تقدم له أطيب الطعام والشراب ويعتبره واجباً مفروضاً عليها فلا يطيب خاطرها وذلك بسبب بعض الثقافات الخاطئة التي تربينا عليها من تقليل القيمة والشكر، ونسوا أن الكلمة الطيبة الصادقة تذيب جبلاً من جليد، واجبر بخاطر والديك فلا تعلم إلى متى هم معك واجبر بخاطر إخوانك لأنهم من نفس الدم والروح واجبر بخاطر أصدقائك فالكلمة الطيبة صدقة وبركة، جبر الخواطر سيرقق قلبك والله مع القلوب الرقيقة، واجبر خاطر محتاج فقير حتى لو كنت عاجزاً عن مساعدته بكلمة أو بنصيحة على أضعف الإيمان، وإياك أن تشعره بعجزه وحاجته، فتذكر دائماً أن الكلمة الطيبة أجمل وأبقى أثراً في النفوس؛ لأنها تعمل على قرب العلاقات وتقويها، فلنحرص على لين القلب وألا نبقيه متحجراً صلباً فنحن لا نعلم ما يستره الناس من مآس وأحزان وإياكم ودعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، فمن سار بين الناس جابراً للخواطر أدركته العناية ولو كان في جوف المخاطر، فإياك ثم إياك وكسر خاطر.