مقال أمس عن الذي نزل من مكتبه وجلس مع موظفي خدمة العملاء بنفسه ليشاركهم العمل ومنع حاشيته من النزول ومنع العلاقات العامة من تصويره، وصلتني بسببه عدة ردود أفعال من ضمنها مواطنون وكذلك بعض من في الدولة، بالأخص ممن أعرف تماماً أنهم من نفس النوعية التي تعمل وتنجز بصمت وبدون أي «بهرجة» إعلامية. المثير أن أغلب ردود الأفعال من الناس كانت تجيب عن السؤال في نهاية المقال، وكانت الإجابات بعيدة عن السؤال لأن أغلبها كان يقول لي: «طبعاً من ذكرته في المقال، أي المسؤول، هو شخصية خيالية»!

طبعاً هذه الردود لها تبريراتها ومبنية على أمور بات كثيرون يقتنعون بها، وهي أن هذه النوعية من المسؤولين الذين ينكرون ذواتهم، ولا يغرهم الكرسي والمنصب وبرستيجه، ولا يهمهم البروز الإعلامي والبهرجة، ولا تسليط الكاميرات والأضواء عليهم حتى لو كان لإنجاز صغير جداً، هذه النوعية «مستحيل وجودها» أو «شخصيات «خرافية» أو شخصيات «انقرضت» منذ زمن، وهذا الجزم عائد لكثير من المشاهدات والتجارب التي يمر فيها الناس وبسبب سوء إدارة بعض المسؤولين وغياب الفهم الحقيقي لما تعنيه «الإدارة الصالحة» ولما يفتقده البعض من «فنون الإدارة» وتمحور كافة العمليات من أجل المستفيد من الخدمات.

أحدهم كتب لي يقول «ولا في المريخ»، وهذا الرد أحلله بمرور هذا الشخص بتجربة إدارية مؤسفة، أو صدمة لتصرفات وأساليب من بعض المسؤولين، وكثير من هذه الردود متشابه ويكشف كيف أننا في حاجة لتعزيز «الإدارة الصالحة» كممارسات لا أقوال وشعارات فقط.

الجميل جداً هو تلك الردود التي تشير إلى بعض المسؤولين من ضمنهم وزراء ومسؤولين يقومون بنفس ما قام به المسؤول الذي تكلمنا عنه في مقال أمس، وبعضهم أسماهم بالاسم، وكيف أنهم بالفعل أكبر من المنصب والكرسي بسلوكياتهم وعملهم وأخلاقهم، معادنهم الأصيلة لم تتغير، المغريات لم تجعلهم ينسون أساس التكليف الذي هم فيه، يعملون من أجل الناس، وينزلون بكل تواضع مع الموظفين، وبعضهم يرفض تماماً أن «يبهرج» ما يقوم به أو أن تلتقط له صورة واحدة، وشخصياً أعرف مسؤولاً كان في مهمة رسمية وذلك قبل أعوام، اضطر إلى أن يعود بسرعة إلى البحرين ليحل إشكالية واجهها الناس في إحدى الخدمات، عاد وحلها، ثم أخذ تذكرة على حسابه الخاص وعاد ليكمل اجتماعاته في الخارج المكلف بها من قبل مجلس الوزراء.

وعليه أقول هنا إن الشخصية التي ذكرتها في القصة «نعم» من وحي الخيال، والقصة من بنات أفكاري، وهي تتحدث عن طموح أتمنى أن أراه متجسداً يوماً في كل قطاع ولدى كل مسؤول، قصة فيها دروس تتحدث عن التواضع وخدمة الناس والتعامل الحسن مع الموظفين وعدم تمكين البطانة الفاسدة وعدم الضعف أمام مغريات الظهور والبهرجة، لكن الواقع يثبت أن لدينا «شخصيات حقيقية» من وزراء ومسؤولين وأصحاب قرار هم نموذج جميل للإدارة الصالحة يعرفهم من تعامل معهم من موظفين ومواطنين. طموحنا أن تكون بلادنا مليئة بهذه النماذج الإدارية المشرفة، أن نصل يوماً لنقول «الكل» وليس «البعض»، والمستفيد طبعاً بحريننا الحبيبة وكل مواطن عزيز ومقيم كريم فيها.