«لينيب» زار البحرين سنة 1900 لافتتاح أول فرع للبنك الإمبراطوري
عيسى بن علي رفض تأسيس فرع البنك بدايةً لذهاب الأرباح إلى جهة أجنبية
البنك الشرقي تقدم بطلب
افتتاح فرع في البحرين عام 1916
«لوخ» راسل الشيخ عيسى فبراير 1917 لافتتاح فرع للبنك الشرقي
تعهدات بأن يجري البنك الشرقي معاملاته طبقاً للشريعة الإسلامية
مليونا روبية مودعة بخزائن
تجار البحرين سنة 1919
1920 افتتح أول بنك برأسمال مليوني روبية.. 95 عاماً من عصر الرفاه البحريني
عيسى بن علي وافق على تأسيس
البنك شريطة احترام قوانين البحرين



كتب ـ عبدالرحمن صالح الدوسري:
شهد يوم 3 يوليو 1920 افتتاح أول بنك في البحرين «البنك الشرقي» برأسمال قدره مليوني روبية، بعد جهود مضنية بذلها المسؤولون البريطانيون، لأخذ موافقة حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والتجار على افتتاحه، ليكتب المعتمد البريطاني بعدها «أتمنى أن تكون هذه بداية الرفاه في البحرين».
ويعرض د.عيسى أمين حزمة من الوثائق والمراسلات لبدايات تأسيس أول بنك في البحرين، عندما زار مدير فرع شيراز التابع للبنك الإمبراطوري فان لينيب البحرين سنة 1900 لافتتاح فرع للبنك، وحينها قوبل اقتراحه بالرفض من حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي، لدواعي ذهاب الأرباح لجهات أجنبية.



بعدها بـ16 عاماً، وتحديداً سنة 1916 تقدم البنك الشرقي بطلب افتتاح فرع له في البحرين، ومرة أخرى قوبل الطلب برفض الحاكم ومن خلفه تجار البحرين، ليراسل المعتمد البريطاني الكابتن بيرسي لوخ، الشيخ عيسى في فبراير 1917 لافتتاح الفرع، مع تعهدات أن يجري البنك الشرقي معاملاته طبقاً للشريعة الإسلامية.
وبعد أن أقنع لوخ تجار البحرين بضرورة افتتاح البنك، رفع هؤلاء سنة 1918 عريضة للشيخ عيسى بن علي لإنشاء بنك بالبحرين، ليوافق بعدها حاكم البلاد على تأسيس البنك شريطة احترام قوانين البحرين، ليفتتح الفرع يوم 3 يوليو 1920، ويبدأ معاملاته المالية بتاريخ 20 يوليو من العام نفسه.
البنك الإمبراطوري
يواصل عيسى أمين عرض وثائق دار الاعتماد المتعلقة بالتاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالمملكة، والصادرة عن الوكلاء في البحرين منذ سنة 1820، وصولاً إلى العام 1900 وافتتاح دار الاعتماد البريطاني، والوثائق المتعلقة بتأسيس أول بنك في البحرين.
ويعرض أمين البرقية رقم 146 المؤرخة في 30 مايو 1900، والموجهة من المقيم السياسي في بوشهر إلى سكرتير الخارجية في حكومة الهند ونصها «حضر لدي مدير فرع شيراز التابع للبنك الإمبراطوري في فارس، وأخبرني بعد حضوره إلى بوشهر رغبته في زيارة البحرين بناء على تعليمات واردة إليه من لندن، وأنه ينوي الزيارة لدراسة إمكانية افتتاح فرع للبنك فيها، والحصول على رسالة توصية للمعتمد في البحرين جاسكن وشيخ البحرين الشيخ عيسى بن علي، لذا أود إخباركم بذلك وأنا في انتظار تعليماتكم».
الهند لا تمانع
ويقول أمين إن حكومة الهند البريطانية استجابت لطلب المقيم السياسي في بوشهر، وأرسلت البرقية رقم 1161 يوم 2 يونيو 1900، من مكتب سكرتير الخارجية في سيملا إلى المقيم السياسي في الخليج بوشهر.
ونصت البرقية «حكومة الهند لا تمانع لطلبكم السابق، ونرجو منكم مراسلتنا بخصوص نتائج زيارة ممثل البنك الإمبراطوري إلى البحرين».
وكتب القائم بأعمال المقيم السياسي س. أ. كمبال إلى سكرتير الخارجية في الهند بتاريخ 23 يونيو 1900 برقية جاء فيها «زار مدير فرع شيراز التابع للبنك الإمبراطوري فان لينيب، البحرين بغرض افتتاح فرع للبنك فيها، بعد توجيهات من البنك الرئيس في لندن».
وجاء في البرقية أيضاً «عاد فان لينيب إلى بوشهر يوم 19 يونيو، بعد أن ترك مبلغاً من المال مع وكيل محلي لبداية الأعمال المصرفية، وأرسل في نفس الوقت تقريراً مفصلاً لرؤسائه في لندن يخبرهم فيه بإمكانية افتتاح فرع للبنك في البحرين، واعتقاده بنجاح المشروع».
وأضافت البرقية «في نفس الوقت استلمت رسالة من الشيخ عيسى بن علي، يؤكد فيها معارضتة لافتتاح بنك في البحرين، ويبدو أن هذا القرار جاء من أصحاب المصالح من البانيان الذين يديرون الجمارك، وإثنان من تجار البحرين يقرضون المال للشيخ ولآخرين مقابل فوائد كبيرة ولهم حسابات في بومبي، وهم يدركون أن تأسيس بنك في البحرين يعني نهاية احتكارهم للمعاملات المالية».
وتابعت البرقية «نعتقد أن معارضة الشيخ عيسى من الممكن تجاوزها بواسطة المعتمد جاسكن في البحرين، إذ طلبت منه زيارة الحاكم ومحاولة إقناعه، إلى جانب أن المادة رقم 4 في معاهدة 1861 مع البحرين، تدعم ولا تتعارض مع طلب فتح البنك، إننا يجب أن نؤيد وبقوة فكرة تأسيس بنك في البحرين، لأن ذلك يعني الانتعاش الاقتصادي والتجاري، ويخدم مصالحنا السياسية».
تجار البحرين يعارضون
وينقل عيسى أمين نص رسالة من الشيخ عيسى بن علي إلى المقيم السياسي في بوشهر يوم 14 يونيو 1900 «تحياتي لكم.. لقد استلمت رسالتكم في الخامس من يونيو، وأبديتم فيها رغبتكم في أن يقابلني فان لينيب في البحرين، وبالفعل تم اللقاء، وأبدى لينيب رغبته بافتتاح فرع للبنك الإمبراطوري، أود أن أبلغكم أن البحرين بلد صغير ولا تتحمل وجود بنك فيها، خاصة أن المعاملات التجارية لدينا تقوم بين التجار، وكذلك انتقال الأموال، وأننا إذا ما وافقنا على إنشاء البنك، فإن الأرباح ستذهب لجهة أجنبية وليست محلية، وكذلك اعتبار أن البحرين بلد صغير لذا أردت أن أبلغكم بالرأي».
ويعلق عيسى أمين أن موقف الشيخ عيسى بن علي اتخذ بناء على طلبات ورغبات تجار البحرين، ولم يكن هذا رأيه الشخصي، إذ تكشف بعد ذلك أن الحملة المضادة لإنشاء البنك قادها التجار، وفشل مشروع إنشاء فرع البنك الإمبراطوري.
ويقول إن البحرين بقيت دون مؤسسة مالية إلى عام 1916، حين تقدم البنك الشرقي من خلال فرع البصرة إلى المقيم السياسي في بوشهر بطلب افتتاح فرع للبنك في البحرين، نيابة عن المكتب الرئيس في الهند.
ويضيف «بعد عدة أيام أرسل المقيم السياسي إلى الهند رسالة يقول فيها لأسباب سياسية واقتصادية، أؤيد افتتاح فرع لهذا البنك وبصورة سريعة في البحرين، وعلينا تقديم المساعدة لهم في الأمور المالية والتواصل مع شيخ البحرين للحصول على موافقته، وتوفير كل السبل من أجل نجاح المشروع، إلى جانب نقل الروبيات في سفن حكومة الهند إلى البحرين».
ويتابع أمين أن حكومة الهند اتخذت قرارها بالموافقة على الطلب خاصة أنه بنك بريطاني، وبافتتاح فرع له في البحرين تستطيع في هذه الحالة رفض طلبات البنوك الأجنبية الأخرى.
ويواصل «في 12 فبراير 1917 وصل ماكفل إلى البحرين، ورافقه المعتمد السياسي في اليوم التالي لمقابلة الشيخ عيسى بن علي، وفي 14 فبراير 1917 كتب المعتمد البريطاني في البحرين الكابتن بيرسي جوردون لوخ رسالة إلى الشيخ عيسى بن علي».
ونصت رسالة لوخ للشيخ عيسى بن علي «كما تعلمون سموكم أن البحرين في حاجة إلى بنك يقوم بالمعاملات التجارية والمالية وتحويل أموال تجار اللؤلؤ في البحرين إلى الهند، والمساعدة وتسهيل استيراد ما تحتاج إليه البحرين منها، إلى جانب أمور مالية أخرى يقوم بها البنك، وجاء ماكفل إلى البحرين بعد حصوله على موافقة حكومة الهند البريطانية، لذا نرجو الحصول على موافقة سموكم».
البنك الشرقي
ويقول عيسى أمين إن البنك الشرقي تأسس في لندن سنة 1909 لمساعدة التجار في معاملاتهم المالية مع الشرق الأقصى، وفي السنة التالية افتتح فرع للبنك في بومبي وآخر في كلكتا، ومن المؤسسين عائلة ساسون - المهاجرة من العراق - عام 1912 افتتح فرع في بغداد، ولكنه أغلق إبان الحرب العالمية الأولى، قبل افتتاح الفرع مرة أخرى بعد سنة وفرع آخر بالبصرة 1915 والعمارة 1916 والموصل 1919 وكركوك 1926 وكولومبو 1920 ومدراس 1922 وكراتشي 1923 وسنغافورة 1928.
ويضيف أن الشيخ عيسى بن علي طلب الاجتماع مع تجار البحرين، وبعد أن استمع إلى معارضة التجار مرة أخرى، كتب إلى المعتمد الرسالة التالية «استمعت إلى رأي التجار، وذكروا لي أسباباً كثيرة، ولكن أحد أهم الأسباب لرفض تأسيس البنك الربا المحرم بالشريعة الإسلامية».
وأجاب المعتمد البريطاني على رسالة الشيخ عيسى في 23 فبراير 1917 وجاء في برقيته «كما تعلمون سموكم أننا نحترم الشرع الإسلامي في بلادكم، وأكتب لسموكم مؤكداً أن البنك لن يتعارض أو يخالف الشريعة الإسلامية، وأن البنك على استعداد لتقديم الضمان بتأييد من دار الاعتماد بإجراء المعاملات المالية طبقاً للشريعة الإسلامية، وسيخضع البنك لقوانين الشرع المتبعة في المحاكم البحرينية».
ويؤكد أمين «لم تكن الرسالة نهاية المشروع، وبدأ الشك لدى المعتمد السياسي، وكان متأكداً أن هناك من تعمد منع تأسيس البنك في البحرين، واكتشف بعد عملية البحث، أن هناك تجاراً من البحرين يتعاملون مع البنك، ويحولون المبالغ إلى فرع الهند، وبعض هؤلاء عملوا في دار الاعتماد سابقاً».
ويشير أمين إلى أن المعتمد البريطاني أحصى المبالغ المودعة بخزائن تجار البحرين عام 1919 بمليوني روبية، ويقول إنهم في نفس الوقت كانت لهم فروع في بومبي، يستلمون منها المبالغ من تجار اللؤلؤ البحرينيين في الهند، ويسلمونهم هذه المبالغ من الخزائن الموجودة في البحرين، بعد أن يستخدموا الأموال المودعة لديهم في أعمالهم التجارية، ويجنوا أرباحاً طائلة لأنفسهم من هذا النشاط المالي.
المعتمد البريطاني
يهدد التجار
ويسرد د.عيسى أمين وقائع ومحاولات افتتاح أول بنك بالبحرين «كان هؤلاء التجار وراء عرائض الرفض، في حين كانوا يدعون لدى دار الاعتماد بأنهم مع مشروع تأسيس البنك».
ويقول «نشر هؤلاء التجار الشائعات في السوق، ومفادها أن تأسيس البنك يؤدي إلى إفلاس من يتعاملون معه، وفي 10 مارس 1917 اجتمع المعتمد البريطاني مع التجار الرافضين لتأسيس البنك، وأخبرهم عن تصرفاتهم وأسباب معارضتهم للبنك».
وينقل أمين أن المعتمد البريطاني خاطب التجار الرافضين لفكرة تأسيس البنك بالقول «إننا نعلم من وراء المعارضة وأسبابها، وإننا نحذرهم من هذه التصرفات، وسنتخذ الإجراءات اللازمة ضدهم».
ويضيف أن المعتمد البريطاني أهمل متعمداً موضوع البنك، ونسق مع دائرة الخارجية في الهند للمحاولة ثانية وطرح المشروع، وفي يوليو 1918 اجتمع المعتمد مرة أخرى مع التجار، واستطاع إقناع عدد كبير منهم بالموافقة على تأسيس البنك، وفي 8 أغسطس وقع هؤلاء على عريضة مقدمة للشيخ عيسى بن علي مطالبين بإنشاء بنك في البحرين وبأسرع فرصة ممكنة.
ويتابع أمين «بعد 4 أيام أعطى الشيخ عيسى بن علي موافقته على تأسيس البنك، شرط موافقته الشخصية على كل من يريد التعامل مع البنك، وأن على البنك احترام قوانين البحرين».
ويواصل «بعدها بدأ البحث عن مقر للبنك في المنامة، وخصص رأس مال قدره مليوني روبية تدفع من الهند أو فرع البصرة».
ويقول «في الثالث من يوليو 1920 افتتح البنك الشرقي، وفي 20 يوليو بدأت المعاملات المالية، وكتب المعتمد السياسي في البحرين (أتمنى أن تكون هذه بداية الرفاه في البحرين)».
يطرق عيسى أمين السبت المقبل موضوع «بداية تأسيس البلديات في البحرين» بإشراف تشرشل.