قالت صحيفة "واشنطن بوست"، إن شركات أدوية أميركية تضغط على إدارة الرئيس جو بايدن، من أجل الدفاع عن "احتكارها" لحقوق ملكية وبراءات اختراع لقاحات فيروس كورونا؛ في مواجهة موجة انتقادات عالمية، مع اتساع فجوة التطعيم بين البلدان الغنية والفقيرة.

وأضافت الصحيفة الأميركية، أن شركات الأدوية التي طوّرت وحصلت على تراخيص لقاحات فيروس كورونا في وقت قياسي، اتفقت على بيع معظم الجرعات الأولى من خطوط الإنتاج إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية وعدد قليل من الدول الغنية الأخرى.

وأوضحت أن بطء وتيرة الإنتاج، ونقص المواد الخام، فاقمت المصاعب التي تعاني منها البلدان غير القادرة على تحمل نفقات كبيرة لحجز إمدادات مبكرة، ما خلّف مليارات الأشخاص في حالة "انتظار غير مؤكدة"، إذ لا يُتوقع أن تحقق معظم دول إفريقيا وأجزاء من أميركا الجنوبية، وآسيا، تغطية تطعيم واسعة النطاق حتى عام 2023، وفقاً لبعض التقديرات.



"حماية براءات الاختراع"

وأشارت الصحيفة إلى أن قطاع الصناعات الدوائية الذي يخوض معركة لحماية براءات الاختراع، ومنع أي مساس باحتكاره للمعرفة الفنية، رفض مناشدات لمواجهة حالة الطوارئ، من خلال مشاركة التكنولوجيات المشمولة بحقوق الملكيـة بحرية أكبر مع شركات في الدول النامية.

علاوة على ذلك، استندت شركات قطاع الصناعات الدوائية إلى أن التطور السريع للقاحات الجديدة، يمثل دليلاً على نجاح نموذج ممارسة الأعمال التقليدي في القطاع، القائم على براءات الاختراع والمعرفة الحصرية.

جدل في أمريكا

وبعد أن وعد الرئيس بايدن بتطعيم معظم الأميركيين بحلول يوليو، زاد الجدل بشكل أكبر في الولايات المتحدة بشأن كيفية تحصين المزيد من الأشخاص في الخارج.

ولفتت الصحيفة إلى أنه بعد الموافقة على حزمة الإنقاذ من الجائحة التي قدمها بايدن بقيمة 1.9 تريليون دولار، أشار بعض الديمقراطيين في الكونغرس، إلى أنهم يعتزمون التأكد من أن الأميركيين لن ينسوا بقية العالم، في الوقت الذي من المحتمل أن يحتفلوا بطريقة قريبة من الحياة ما قبل انتشار الفيروس، في يوم الاستقلال.

من جهته، قال النائب جان شاكوسكي (ديمقراطي من إلينوي)، الذي استجوب مديرين تنفيذيين لشركات أدوية بشأن رفضهم مشاركة براءات اختراع اللقاح بشكل علني في جلسة استماع مؤخراً في مجلس النواب: "ننفق الكثير من الأموال لإنقاذ صناعة الفندقة، وشركات الطيران والسفر، سيكون كل شيء بلا طائل إذا كان بقية العالم غير مشمول بالحماية".

"التزام أخلاقي"

ولا يقتصر النزاع على إمدادات اللقاح، بحسب الصحيفة، على التزام أخلاقي للدول الغربية لمنع الوفيات والأمراض في الخارج. فنقص الإمدادات والتوزيع غير المتوازن يهدد بترك قارات بأكملها مفتوحة كأرض خصبة لطفرات فيروس كورونا. وهذه السلالات، إذا ثبت أنها مقاومة للقاحات، يمكن أن تنتشر في أي مكان في العالم، بما في ذلك الدول الغربية التي تم تطعيمها أولاً.

من جهته، قال بروك بيكر، أستاذ القانون بجامعة "نورث إيسترن": "ليس من المنطقي بالنسبة للدول الغنية أن تفكر بأنها تستطيع تطعيم شعوبها، وتترك بقية العالم يعيش على كميات صغيرة من هنا وهناك".

والعام الماضي، نصح بيكر منظمة الصحة العالمية بإنشاء منصة لتبادل التكنولوجيا لمساعدة البلدان النامية على صنع لقاحات ضد فيروس كورونا.

لكن منظمة الصحة العالمية، قالت إنه لم يوافق أي مُصنع للقاح فيروس كورونا على المشاركة في المبادرة، التي أطلقت عليها اسم "تجمّع الوصول إلى تكنولوجيا كوفيد-19". ووصف الرئيس التنفيذي لشركة "فايزر"، ألبرت بورلا، هذه الفكرة العام الماضي بأنها "هراء".

ورداً على أسئلة "واشنطن بوست"، أوضحت منظمة الصحة العالمية أن "الحصول على ترخيص طوعي محدود وحصري، وفي أحيان كثيرة تغلب عليه عدم الشفافية، هو النهج المفضل لبعض الشركات، وقد ثبت أن هذا غير كافٍ لتلبية احتياجات جائحة كوفيد-19 الحالية"، مضيفة: "جميع السكان والاقتصاد العالمي في أزمة بسبب هذا النهج وقومية اللقاحات".

130 دولة لم تتلق أي جرعة

والشهر الماضي، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، من أن 10 دول تدير 75% من جميع الجرعات بحلول ذلك الوقت، وأن 130 دولة لم تتلق جرعة واحدة.

وفي غضون ذلك، تطالب بلدان غنية ومتوسطة الدخل بالحصول على أكثر من ثلثي الإنتاج المتوقع في عام 2021، والذي يناهز 10 إلى 14 مليار جرعة محتملة من اللقاح، وهو قدر يعتمد على توقعات متفائلة، وفقاً لتقرير مشترك صدر عن القطاع، و"الائتلاف المعني بابتكارات التأهب لمواجهة الأوبئة" في وقت سابق من هذا الشهر.

وستغطي الجرعات المتبقية ما لا يزيد على 28% من سكان 92 من أفقر دول العالم، بحسب التقرير.

وهذه الأرقام، تعكس تناقض الوضع الدولي السيئ بشكل حاد، مع التفاؤل الذي ينتشر في الولايات المتحدة، التي خصصت ما يقرب من 20 مليار دولار لدعم تطوير اللقاحات واتفاقيات الشراء المسبقة لمئات الملايين من الجرعات، موزعة في الغالب على ست شركات خاصة.

أرباح بمليارات الدولارات

وأوضحت الصحيفة أن الامتيازات الحصرية للشركات تساهم في تحقيقها إيرادات بمليارات الدولارات. ففي فبراير الماضي، قالت شركة "موديرنا" إن لقاحها، الذي طورته بالاشتراك مع حكومة الولايات المتحدة، وبدعم من دافعي الضرائب بقيمة 483 مليون دولار، من المتوقع أن يجلب 18.5 مليار دولار للشركة هذا العام.

بينما توقعت شركة "فايزر"، التي دخلت في شراكة مع شركة "بايونتيك" الألمانية، التي تلقت بدورها إعانات ألمانية، أنها ستحصل على 15 مليار دولار من مبيعات لقاحها.

ضغوط شركات الأدوية

في المقابل، تضغط شركات الأدوية على إدارة بايدن لعرقلة ضغوط الهند وجنوب إفريقيا ونحو 80 دولة أخرى أعضاء في منظمة التجارة العالمية، من أجل تنازل مؤقت عن حماية براءات الاختراع للقاحات الجديدة.

وتقول شركات صناعة الأدوية إن "الابتكار وكذلك جودة اللقاح وسلامته يعتمدان على الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية الحصرية".

كما حذر مسؤولون تنفيذيون في قطاع صناعة الدواء، و"البحوث الدوائية ومصنعي أميركا" وهي جماعة الضغط القوية التابعة لهم، الرئيس بايدن، في خطاب هذا الشهر، من أن "إلغاء هذه الحماية من شأنه أن يقوض الاستجابة العالمية للوباء".

ويبدو أن بايدن قد انحاز إلى شركات الأدوية حتى الآن، إذ انضمت الولايات المتحدة في 10 مارس إلى بريطانيا، والاتحاد الأوروبي وسويسرا في منع الضغط من أجل منح إعفاءات.

وتقول الشركات أيضاً إنها تعمل بجهد لإنتاج المزيد من جرعات اللقاح، وذلك باستخدام مصانعها، واتفاقيات الترخيص مع مصنعي العقود ذوي درجات الخبرة الأعلى والأكثر قدرة، ومعظمهم في أميركا الشمالية وأوروبا والهند.

وتؤكد الشركات أن تعليمات التصنيع خطوة بخطوة لا تقل أهمية عن حقوق الملكية الفكرية، لأن اللقاحات تتطلب خطوات معقدة متعددة لإنتاجها، ومعدات عالية التخصص وعاملين مدربين على تصنيع الأدوية الحيوية.