كتبت - نورهان طلال:
قدرت أخصائية علاج الإدمان معصومة حسن عبدالرحيم تكلفة علاج كل مدمن بـ150 ديناراً يومياً من خزينة الدولة، أي ما يصل إلى 54 ألف دينار سنوياً، فيما دعا مواطنون وأطباء نفسيون إلى تسريع إنشاء المستشفى المتخصص لعلاج الإدمان المدرج ضمن برنامج الحكومة، بعد أن قدرت وزارة الصحة تكلفته بـ10 ملايين دينار.
وفي روايته لـ«الوطن» حول تعاطيه المخدرات وإدمانه الآفة قبل تخلصه منها، حمل مدمن سابق مسؤولية تعاطيه المخدرات منذ كان بسن الـ12 لوالده الذي «كان كثير الشرب للكحوليات ومهملاً لنا كعائلة، فلم أشعر بوجود أب لي».
فيما أكد مواطنون وأطباء نفسيون، لـالوطن، إنه رغم انخفاض عدد المدمنين، وفقاً للإحصائيات الرسمية، إلا أن التصدي لهذه الآفة الضارة اجتماعياً وصحياً هو واجب وقائي من الدولة، للحد من تناميها وانتشارها.
ولفتوا إلى أهمية مشروع إنشاء مستشفى متخصص لعلاج الإدمان، ضمن المشاريع الحكومية المقرر تنفيذها وتمويلها بمشروع قانون الميزانية العامة للدولة، والذي قدرته وزارة الصحة بـ10 ملايين دينار..
وأشاروا إلى أن البحرين رائدة في تقديم الخدمات الصحية العلاجية بمختلف أنواعها ومن بينها رعاية مرضى الإدمان، حيث أسست وحدة المؤيد لعلاج وتأهيل مرضى الإدمان بوزارة الصحة عام 1987، وبالتالي فإن إنشاء المستشفى المتخصص سيكون استمراراً للريادة البحرينية في تقديم الخدمات الصحية والعلاجية.
وشددوا على، أهمية برنامج معاً لمكافحة العنف والإدمان كونه نموذجاً رائداً في التوعية المجتمعية الهادفة والمفيدة، وما أسهمه في الحد من تنامي آفة الاتجار والترويج والتعاطي.
البداية من المنزل
من جانبها، أكدت الطبيبة بمركز الحورة الصحي د.أمال الثوادي، أن من الأسباب المؤدية للتعاطي وإدمان المخدرات هو جو الأسرة العام الذي يسوده التوتر والشقاق والخلافات بين أفرادها.
وأشارت إلى أن المتعاطي يقوم بعادات غير مقبولة لدى الأسرة، حيث يتولد لديهم الخوف والقلق خشية أن يهاجم المنزل من ضباط المخدرات والمتعاطين، أو أن يحدث المدمن المتعاطي شيئاً في نفسه أو في أهل بيته.
وأضافت، أن أسباب اللجوء إلى التعاطي وإدمان المخدرات والكحوليات كثيرة، ولكن البداية تكون من داخل المنزل نفسه، سواء إن كان أحد الأطراف متعاطياً، أو الخلافات الأسرية، وكذلك نسب الطلاق العالية التي نراها تغزو مجتمعنا بقوة قد تكون نقطة البداية.
مدمن سابق
من جهته، قال شاب، تعافى تماماً من الإدمان ورفض ذكر اسمه، إن بداية دخولي لمجال تعاطي المخدرات في الثانية عشرة من عمري، عن طريق صديق عرض علي أن أدله على أحد ليشتري منه مخدرات فقمت بتجربتها بنفسي.
وأضاف، أن السبب الأول والأخير لدخولي عالم المخدرات أن والدي كان كثير الشرب للكحوليات ومهملاً لنا كعائلة، فلم أشعر بوجود أب لي، فسلب مني أبسط حقوقي وهو وجود سند وظهر وقت الحاجة.
وأشار إلى أن كثرة الخلافات بين والدي ووالدتي كانت تربكني وتكتفني كطفل لا يستطيع أن يأخذ بثأر والدته، مما جعلني أهرب من خذلان نفسي إلى عالم المخدرات، وفي عمر الرابعة عشرة بدأت ألاحظ كثرة دخول الشرطة للمنزل واستجواب والدي للعديد من المرات وبدأت الخلافات في ازدياد مع والدتي التي تعبت من أجلي الكثير حتى أتعافى تماماً الآن.
وأردف لم يكن إدماني على نوع مخدر واحد، بل قمت بتجربة العديد من الأنواع منها الترامادول، الحشيش، الهيروين، الكوك والعديد والعديد، وكان هذا المجال بالنسبة لشاب في عمري باب رزق واسع حيث كنت أخرج في اليوم الواحد أكثر من 600 دينار فقط من بيعي للمخدرات، مما كان يسعدني كمراهق لا يتعدى عمره الخامسة عشر، وبدأ الموضوع يؤثر على صحتي ونفسيتي حيث بدأت تلاحظ والدتي، مما جعلها ترسلني إلى مستشفى متخصص في مصر لعلاجي، وبالفعل تم علاجي هناك، وعدت إلى البحرين خالياً من أي مخدر.
وواصل الشاب حديثه قائلاً، عدت إلى البحرين لا أريد أن أعود مرة أخرى إلى هذا الطريق، لكن كل من حولي يقوم بالتعاطي، ولا يوجد لدي صديق صالح غير واحد كان دائماً مشغولاً بعمله، مما جعلني أعود مرة أخرى إلى الحشيش، إلا أنني أتابع حالياً مع الطب النفسي ولكنه ضعيف جداً فأساليب العلاج قديمة.
وأكد نحن بحاجة بالفعل إلى مستشفى بحريني متخصص لعلاج الإدمان بكافة أنواعه بأحدث التقنيات والأساليب.
ثراء فاحش
وفي السياق نفسه أوضح اختصاصي علم النفس والإحصاء النفسي د.أحمد سعد، أن من أسباب انجراف الشباب في الآونة الأخيرة للتعاطي وإدمان المخدرات والكحوليات هو الفقر، وسوء الحالة الاجتماعية، في حين أن هذا لم يعد هو الحجة، فالغنى الفاحش بات أقوى من الفقر وتأثيره يعم على العائلة جميعها ليس الفرد وحده.
وقال شاب رفض ذكر اسمه، إن إدمانه للكحوليات بدأ وهو في عمر الثانية عشر، حيث إنه ينحدر من عائلة مرموقة ذي مستوى عال اجتماعياً ومادياً، مما دفعه لصرف كل مصروفه على المسكرات دون وجود أي أدنى اهتمام من الأسرة، إلى أن اكتشف إصابته بمشاكل في الكبد جراء هذا الكم الهائل من المواد الكحولية، وهو الآن يتعالج في المستشفيات.
فشل العلاج
بدوره، أكد أمين سر جمعية الأطباء البحرينية د.محمد النفيعي، أن افتتاح المستشفى لن يكون كافياً دون تعاون باقي وزارات الدولة بداية من وزارة الداخلية، من خلال تنفيذها للقوانين والعقوبات الرادعة، انتقالاً إلى وزارة التنمية التي يجب أن يكون لها دور كبير في معالجة المشاكل الأسرية التي باتت من أقوى الأسباب المؤدية للتعاطي وإدمان المخدرات.
وأكد أن نسب العلاج من الإدمان بشتى أنواعه قليلة في معظم دول العالم وليست البحرين وحدها، لافتاً إلى أنه بعد أن يتم التحقيق في أسباب وفيات العديد من الشباب نرى السبب الأول والطاغي عليهم هو تناول جرعة زائدة من المخدرات دون التحقيق في كيفية وصول هذه الحالة إلى الجرعة الزائدة أم هو تقصير في العلاج من الدولة أو أي طرف من الأطراف.
وكشف مصدر مطلع في مستشفى الطب النفسي لـالوطن في وقت سابق، أن بعض المرضى يلجؤون للمستشفى للحصول على بدائل المخدرات في حال عدم حصولهم عليها خارجه، ثم يتوقفون عن العلاج ويوقعون على ورقة رفض مشورة طبية، ولا يستطيع المستشفى إلزامهم بالبقاء، حيث لا يوجد قانون ينص بهذا، مما يجعل المدمن يعود بقوة أكبر من السابق إلى التعاطي الذي قد يصل إلى تغيير المادة التي يتعاطاها إلى الأقوى منها، وسط محاولات عدة لتقديم المساعدة لمدمني المخدرات من الوحدات ومختلف الجمعيات التوعوية في البحرين.
وذكر شاب آخر رفض ذكر اسمه، عن صديق توفي له من 5 أشهر ماضية، وكان مدمناً من الدرجة الأولى للكحول والمخدرات بكافة أنواعها، وفشل الجميع في علاجه، إلى أن توفي بسبب جرعة زائدة في منزل كان يقتنيه هو وشباب من رفاقه.
آثار الإدمان
وكشف د.النفيعي، عن كيفية معرفة إذا هناك مدمن في المنزل عن طريق ملاحظة سلوك الفرد وخاصة الشباب إذا بدأ في التغيير في علاقاته داخل المنزل، وسريع الغضب والانفعال، وكثرة طلبه للأموال، وتغيبه عن المدرسة إن كان طالباً، وتغيبه عن العمل إن كان خريجاً، ودخوله في مشاكل مع الشرطة.
وأوضح أن آثار التعاطي للمخدرات المعروفة كالإحساس بنوع من النشوة المصحوبة بالضحك والقهقهة وضعف التركيز واختلال الذاكرة ومن حين لآخر يقشعر بدنك وتحس بالارتجاف وتصدر عنك حركات لا إرادية ومنها أيضاً ما يستدعيك إلى بيع أغراض المنزل لشراء المخدرات وغيرها.
وقال تصل الآثار الصحية لصرع وخرف مبكر وتليف الكبد إثر الكحوليات ونقص في الفيتامينات وقد تصل مفعول المخدرات ذروتها عندما يكون المدمن في منزل أو مكان به أدوات حادة قد يقتل نفسه.
وأشار إلى أن المدمن خاصة متعاطي المخدرات يتصور أن الزمن يمر ببطء شديد، لافتاً إلى أن البعض يعتقدون خطأً أن الحشيش يطيل مدة اللقاء الجنسي، والحقيقة الأولى أن المتعاطي هو الذي تختل لديه تقديرات الزمن، والحقيقة الثانية التي ربما يجهلها البعض أن الحشيش يؤدي إلى نقص هرمون الذكورة، وإصابة الخصية بالضمور، وأن 40% من الذين يتعاطون الحشيش يصابون بالركود الجنسي، ونسبة 15-20% من المتعاطين للحشيش يصابون بالعقم.
وأكد، أن هناك ارتباطاً قوياً بين مرض الإيدز، وفيروس التهاب الكبد الوبائي C، حيث إن الفيروسات تنتقل عبر التعاطي بالإبر، إذ إن متعاطي المخدرات في كثير من الأحيان يلجأ إلى زيادة الاتصال الجنسي، مما يؤدي لزيادة نسبة الإصابة بمرض فيروس نقص المناعة المكتسبة والتهاب الكبد الوبائي.
علاج الإدمان
وقالت الخبيرة العلاجية معصومة حسن عبدالرحيم، إن العلاج من الإدمان من الناحية الصحية مكلف مادياً سواء بالنسبة للأسرة أو بالنسبة للدولة، وعلى سبيل المثال كل مريض يكلف 150 ديناراً في يوم والإقامة في المستشفى، ولمدة شهر تكلف 4,500 دينار، أي أن التكلفة السنوية تساوي 54 ألف دينار لكل مريض.
وأشارت آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية، إلى وجود 20-30 ألف مدمن بالبحرين، لافتة إلى أن الأمراض المنتشرة عند المدمنين بشكل عام متمثلة في التهاب الكبد الوبائي C، والتهاب الكبد الوبائي B، وحالات HIV.
وذكر مدير جمعية أصدقاء مرضى الإدمان عباس جعفر في وقت سابق أن عدد الأعضاء المسجلين من المدمنين المتعافين بالجمعية بلغ 47، في حين بلغ عدد الأعضاء غير المسجلين بالجمعية من المدمنين المتعافين أكثر من 120، في حين بلغت نسبة النساء المدمنات المتعافيات 20 في المائة من نسبة الأعضاء.
وأكد أن هناك مدمنات في البحرين إلا أن النظرة المجتمعية والعادات والتقاليد التي تتحكم في المجتمع البحريني، تجعل المرأة تنفر في الدخول للجمعيات المعنية بالإدمان؛ خوفاً من وصمة العار التي يحملها المجتمع الشرقي، والتي ينظر بها إلى المدمن، رغم أن الإدمان مرض بالإمكان محاربته والقضاء عليه من خلال تكاتف الجهود.
ونصح د.النفيعي، بنص قانون يلزم الطبيب النفسي أن يعلن عن المدمن إذا كان يمثل خطورة على المجتمع، وسحب رخصة السياقة منه كما يحدث في الغرب لوقف نزيف الدم الذي يجري وراء الحوادث التي تسببها المخدرات والكحوليات.
ورغم انخفاض عدد المدمنين بالمخدرات والمشروبات الكحولية، وفقاً للإحصائيات الرسمية، إلا أن التصدي لهذه الآفة الضارة اجتماعياً وصحياً هو واجب وقائي من الدولة وذلك للحد من تنامي هذه الآفة الخطرة، عبر استثمار وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة للتوعية والوقاية، فضلاً عن اتخاذ السلطات الأمنية إجراءاتها الصارمة بالتشديد على المنافذ الحدودية لضبط المهربين الذين ينقلون السموم إلى داخل البحرين وخارجها.
وتعتبر البحرين رائدة في تقديم الخدمات الصحية العلاجية بمختلف أنواعها ومن بينها رعاية مرضى الإدمان، حيث أسست وحدة المؤيد لعلاج وتأهيل مرضى الإدمان بوزارة الصحة عام 1987، وبالتالي فإن إنشاء المستشفى المتخصص سيكون استمراراً للريادة البحرينية في تقديم الخدمات الصحية والعلاجية.