نظرة فاحصة في مجمل الأحوال المعيشية التي نعيشها، وفي ظل أوضاع كورونا والاتجاه السائد للتبادي الفكري والعاطفي في إطار الغرف المغلقة الافتراضية، نجد الشح الشديد في الأطروحات الإيمانية والتذكير بحقيقة قصر حياة المؤمن على وجه هذه البسيطة والتحذير من غفلة الناس. بتنا نتحدث عن مقومات العيش الهانئ وفلسفة التعاملات الحياتية، وتغافلنا عن الهدف الأسمى الذي من أجله نعيش على هذه الأرض. رضا الله عز وجل والتقرب إليه والارتقاء الإيماني الذي يعطي المؤمن الزاد الحقيقي في مسيره نحو الآخرة.

رمضان على الأبواب.. ضيف كريم يزورنا مرة في العام.. ألا يستحق أن نطرق كل الأبواب من أجله.. ألا يستحق أن نثير الرأي العام من أجله.. ونضع كل قضايا الحياة على الهامش وهي كثيرة لا تنتهي.. ولكن رمضان سيأتي مرة وينتهي.. ولا نعلم هل سنلاقيه مرة أخرى أم لا.. زد في شوقك لشهر الخير فهو شهر يحمل بين جنباته التغيير الحياتي المرتقب، فمنه ستكون انطلاقة الحياة الجديدة. فالمرء لا يبارك له بقدوم سنة جديدة من حياته فحسب، بل يبارك له بتجديد حياته بحلول شهر رمضان الكريم، فهو شهر الميلاد لكل مسلم يبتغي رضا الله عز وجل، ففيه ليلة تقدر فيها مقادير الخلائق على مدار العام والعبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، وتتنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير والرحمات والبركات، وهي ليلة خالية من الشرور والآثام وتكثر فيها الطاعات والقربات.

أليس من الأجدر أن نستعد «لشهر ميلادنا» وبالأخص لليلة ميلادنا التي نترقبها كل عام لنولد من جديد ونجدد بياض صفحات الحياة.. وهي ليلة القدر!! فهو الشهر الذي يستحق أن نستعد له بالفرح والسرور ونستبشر بقدومه قبل فترة طويلة، ونهيء أنفسنا للطاعة والعبادة ولا تأخذنا الغفلة فيمضي من أمامنا دون أن نستشعر به. إن الواحد منا يترقب يوم ميلاده لكي يتلقى الهدايا والتبريكات في كل عام، ولكنه إن استشعر بأن ميلاده الحقيقي الذي سيتبارك به طوال السنة وهو التصفية الحقيقة لكل أدران نفسه، والتجديد الإيماني وحسن الإقبال على الله عز وجل، فإنه سيتفرغ من كل مشاغل الحياة طيلة الشهر الكريم أملاً في الحصول على العطايا الثمينة. لم لا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لها ما تقدم من ذنبه»، «ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر لها ما تقدم من ذنبه».

عندما أتمعن في هذا الشهر أجد أننا نستقبله ونتعايش معه ونؤدي صيامه وقيامه «بكل برود» ونهتم أكثر بسلسلة البرامج التلفزيونية و «التعب». فلا نعطيه حقه من الاهتمام وهو الذي يحوي «الخير كله» فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثر جوداً في رمضان يحين يلقاه جبريل عليه السلام فكان أجود بالخير من الريح المرسلة. فجوده عليه السلام يكثر في هذا الشهر في جميع جوانب العبادة.

دعونا نجدد العهد ونبدأ بالتدريب الروحاني قبل الولوج في هذا الشهر، ونعقد العزم على بذل الجهد والوقت ونملي جل الوقت بالطاعة والعبادة والتقرب إلى الله عز وجل بكل ألوان الخير المتعددة في هذا الشهر. فنسأل الله عز وجل أن يبلغنا هذا الشهر الكريم غير فاقدين ولا مفقودين ونحن في أحسن حال، وأن يرزقنا فيها الجد والاجتهاد و»التركيز» في العبادة والطاعة، وأن يعيذنا فيه من السآمة والكسل والفتور، وأن يلبسنا لباس الصحة والعافية وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

* ومضة أمل:

استعد جيداً لشهر ميلادك.