على الرغم من سرعة وتيرة الحياة وازدياد متطلباتها وتحدياتها، فإن ظاهرة مراقبة الآخرين والانشغال بتصرفاتهم وأخبارهم لا تزال في تفشٍّ بين أفراد المجتمع. والغريب العجيب أن فيروس كورونا نفسه الذي تمكن من قلب الحياة رأساً على عقب وجعلنا جميعاً نقف عاجزين أمام الأحداث ووضعنا أمام تحدٍّ للنفس وتطويعها، وأيضاً نقل الفضول الإنساني إلى مستوى جديد يميل لكونه فلسفياً وجودياً، لم يؤثر أبداً في هذه الفئة من المجتمع التي لا تزال تمارس المراقبة والفضول بتمادٍ، بل على العكس وكأن التحديات الأخيرة زادتهم إصراراً وثباتاً على ممارساتهم السلبية. ومؤكد أن ما زاد الطين بلةً وسهل انتشار هذه الظاهرة هو وجود قنوات التواصل الاجتماعي التي تتيح للفرد متابعة أخبار الغير، وخاصة أن هناك من ينشر خصوصياته اليومية أمام الجميع سواء بقصد أو من غير قصد. الكل يعلم أن الإنسان الناجح لا يحتاج أن يراقب غيره، ويضيع وقته في حسدهم على إنجازاتهم وأرزاقهم. كما أن الناجح والواثق من نفسه لا يكشف عيوب غيره من الناس وينشرها أو يختلق عيوباً وينسبها إليهم؛ فالناجح لا يملك رغبة ولا وقتاً أو دافعاً لفعل ذلك. إن الغريب في الأمر أن هذا الاعتقاد قد تغير مع مرور الوقت فلم يعد الفاشل والمعدم وحده من يراقب الناس ويتتبع أخبارهم بهدف أو من غير هدف؛ فاليوم هناك أفراد قد حققوا نجاحات وإنجازات في حياتهم الشخصية والمهنية وللأسف هم يمارسون أيضاً سلوك مراقبة الغير عن كثب، والسبب من وجهه نظري هو وجود أزمة ثقة مع أنفسهم وربما تكون أطماعهم الدنيوية التي لا تنتهي ولا تقف عند حد ما يحركهم لذلك، ويتفق المختصون بأن ظاهرة مراقبة الغير والتمادي فيها من الظواهر السلبية التي تؤثر على الإنسان سلباً وتبعده عن التفكير في تطوره وسيره إلى الأمام، وتعد هذه التصرفات بعيدة عن أخلاق وثقافة مجتمعنا وديننا أيضاً. وفي هذا الشأن، يشير اختصاصي علم النفس، د. محمد مصالحة إلى أن (الفضول وحب الاستكشاف، من الميول الفطرية عند الإنسان، فهي تظهر عنده منذ الصغر إلا أن حب المعرفة والاكتشاف عندما يزيد عن حده ويتحول إلى سلوكات سلبية أهدافها غير إنسانية فهي تنفر الناس عن بعضهم وتفكك علاقاتهم وكنتيجة يتفكك المجتمع). كما أن الفضول تجاه حياة الآخرين يعتبر نوعاً من أنواع انتهاك الخصوصية المحمي من قبل القانون. ومن ناحية تربوية تشير الأستاذة رولا أبوبكر إلى دور التنشئة الاجتماعية الخاطئة في تعزيز هذا الجانب السلبي لدى الأبناء، حيث يكبر الأبناء ويكبر هذا السلوك معهم، وخصوصاً عندما يرى الأبناء أن آباءهم يمارسون هذه العادة السيئة، ويلعب الفراغ المسيطر على بعض الأسر وكذلك غياب الوازع الديني دوراً كبيراً في انتشار هذه السلوكات، ويمكن للنفس أن تقلع عن هذه العادات من خلال التوجه نحو الأمور الجيدة والمفيدة، كالهوايات والقراءة والاهتمام بالمشكلات الخاصة.