هدى عبدالحميد

في السابق كان حديثو الزواج يربطون استمرار العلاقة الزوجية بوجود الأطفال ويتلهفون على الإنجاب، إلا أن ظاهرة تأخير الإنجاب قد طفت على السطح في المجتمعات الحديثة، حيث يرى كثير من الأزواج أنهم لا يرغبون في وجود أطفال بحثاً عن الراحة والاستمتاع بالحياة الزوجية والبعد عن تحمل المسؤولية أو خشية عدم الاستعداد المادي بشكل كافٍ وغيرها من الأسباب إلى أن يقرروا الإنجاب في الوقت الذي يرونه مناسباً، فعلى أي أساس يقرر الزوجان التأخير والإنجاب وهل عمر الزوجين عامل في اتخاذ هذا القرار وما هي الضوابط العلمية التي يجب أن يرتكز عليها هذا القرار المصيري؟

وتقول استشارية أمراض النساء والولادة والعقم الدكتورة فرح النعيمي إن قرار الإنجاب يعتمد على عدة عوامل منها الحالة الاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى عمر الزوج والزوجة، وهل يوجد أطفال من علاقة سابقة أو لا؟ وهل تعرضت الزوجة لحالة إسقاط أو إنجاب طفل بعيوب خلقية أو تشوهات سواء في زواج سابق أو حالي؟



وأوضحت الدكتورة النعيمي بالنسبة إلى المتزوجين حديثاً في حال أجرى الزوجان فحص ما قبل الزواج وثبت خلوهما من الأمراض ولا يوجد في العائلة أي تاريخ لمرض وراثي أو تشوهات أو عيوب خلقية وكان سن الزوجة تحت عمر 30 عاماً يمكن المرونة وتأخير الإنجاب ومنحهم فترة للتهيؤ نفسياً ومادياً قبل الإنجاب، لكن إذا كان سن الزوجة ما بين سن 30 أو 35 عاماً فلا ينصح إبداً بتأخير موعد الإنجاب.

وأشارت إلى الخطوة الأولى للإنجاب بأن يتم تأهيل الزوج والزوجة للعب دور الأب والأم لهذا يشهد بعض الدول تعطي دورات قبل الزواج ومدة صلاحيتها من ستة أشهر إلى سنة يخضع فيها الزوجان لامتحانات جسدية ونفسية وفكرية للتأكد من تأهلهم للإنجاب من عدمه لأن إنجاب طفل مسؤولية كبيرة ويجب التأكد من تهيؤ الزوجة من جميع النواحي المادية والاجتماعية النفسية بشكل كامل لتحمل هذه المسؤولية، ونحن في المجتمعات العربية والإسلامية تتكاتف عائلة الزوج والزوجة لمساندتهم في تحقيق حلمهم بإنجاب طفل فتجد المساعدة من قبل الأم والخالة والخال والعمة وهذا يمنح الزوجة شعوراً بالأمان ويهون تجربة الولادة والتربية ولكن من الناحية العلمية السيدة المتزوجة يجب أن تكون مهيئة نفسياً للتغيرات الجسدية والهرمونية التي تمر بها في فترة الحمل والشريك يجب أن يكون ملماً بهذه التغيرات ويساعد الزوجة على تحملها ويكون طرفاً فيها وليس متفرجاً ودوره هامشي حيث يعتقد الزوج أن واجبه فقط التغطية المالية، إن إنجاب الطفل أعطى لقب أم للزوجة وكذلك لقب أب للزوج وهذا مشروع كبير على الأب أن يتحمل مسؤوليته فيه ويكون داعماً مادياً ونفسياً لهذا المشروع.

وتطرقت الدكتورة النعيمي إلى حديثي الزواج في حال كانت الزوجة في عمر ما بين 30 و35 عاماً وهنا أنصح الزوجة بالتوجه إلى العيادة الطبية النسائية وإجراء بعض الفحوصات السريرية، والسنوار وفحص الهرمونات وإذا كانت خالية من أي أمراض وفي حال ظهرت النتائج مطمئنة يمكنهما البدء في التجربة للحمل وإذا حدث تأخير ولم يحدث الحمل بعد مدة تتراوح ما بين سنة وسنة ونصف يجب التدخل السريع وذلك لأن كل الدراسات الإحصائية تشير إلى أن القابلية للإنجاب تتباطأ ما بين سن 30 و35 عاماً وتنخفض بشدة ما بين عمر 35 و40 عاماً وتكاد تكون معدومة ما بين سن 40 و45 عاماً.

وأضافت: "قد يعتقد بعض الأزواج أن عامل العمر غير مهم بالنسبة إليهم، لذا يجب التأكيد أن عامل العمر للزوج أيضاً مهم حيث إن الدراسات تشير إلى أن الرجال معرضون لتأخر أو تباطؤ في عملية الإنجاب والخصوبة ومعرضون للإصابة ببعض الأمراض الذكورية وبعض الأعراض المصاحبة ومنها عوامل التهابات وعوامل نفسية قد تتسبب في تأخر الإنجاب، لذا نحث الأزواج على تلقي المعلومة الطبية الصحيحة وإجراء الفحوصات اللازمة في حال تقدم في العمر.

وشددت على عدم تأخير الإنجاب والإسراع فيه وأخذه على محمل الجد إذا تخطى عمر الزوجين 35 عاماً بالنسبة للزوجين الجد، ولفتت إلى أن الظاهرة الشائعة بمختلف أعمار الزوجين يريدون تأخير الإنجاب متحججين برغبتهم في الاستمتاع بالحياة والرغبة في السفر أو التركيز في الوظيفة لتحقيق مكانة رفيعة وهي أشياء مشروعة ولكنها ضد العوامل الفسيولوجية الطبيعية التي تقلل القدرة على الإنجاب ما بين 35 و40 عاماً.

وأضافت: "كذلك لا يجب أن يقع الزوجان تحت ضغط الإلحاح من قبل العائلة أو الأصدقاء بالإسراع في الإنجاب حيث يتسبب هذا الضغط في هدم الصحة النفسية والبدنية، لذا نحث الزوجين قبل إتمام الزفاف على أن يجلسا سوياً ويناقشا أمر الإنجاب بكل صراحة وشفافية ويستعرض كل طرف رغبته وأسبابه وإذا أسفر النقاش عن الرغبة في تأجيل الإنجاب فيجب أن يلجآ للمختصين لإجراء الفحوص الطبية للتعرف على الوسائل الطبيعية وغير الطبيعية للتأجيل وهل هو قرار صائب أم لا فهذا قرار مصيري يجب أن يكون مبنياً على أسس علمية.

وأوضحت الدكتورة النعيمي سلبيات تأخير الإنجاب المتمثلة في قلة الفرصة الفسيولوجية والطبيعية في سن معين لحدوث الإنجاب في الوقت الذي تم فيه تحديده وتزداد فرصة اللجوء إلى الوسائل غير الطبيعية، ومنها تنشيط التبويض والحقن المجهري وأطفال الأنابيب، والتلقيح الصناعي بسبب التغيرات التي تطرأ على الجسم بعد سن 35 عاماً.

وأضافت: "على صعيد آخر هناك سلبيات الزواج المبكر والتسرع في الإنجاب فبعض الشبان والشابات يتزوجون في عمر مبكر جداً ما بين 18 و23 وفي هذه الحالة أنصح المتزوجين حديثاً بالتروي وعدم التسرع بالإنجاب؛ لأنه علمياً الجهاز التناسلي للأنثى يكون في قمة نضوجه في ما بين عمر 23 و25 عاماً والحمل في العمر المبكر قد يعرض الأم الحامل لمضاعفات عديدة، منها ارتفاع الضغط المفاجئ أو الإسقاط أو الولادة المبكرة، إضافة إلى ذلك تتعرض الأم لمشاكل نفسية وتوترات بسبب عدم النضوج النفسي والفكري".

وتطرقت الدكتورة النعيمي إلى إيجابيات الإنجاب، حيث تتمثل في تحقيق حالة من الاستقرار النفسي والمعنوي للزوجين؛ لأن وجود طفل في الأسرة يوطد دعائم هذه الأسرة ويكون أطراف أهل الزوجين في تقارب ويصبح مصير العائلتين مشتركاً، وهذا يقلل من فرصة الانفصال بالإضافة إلى أنه دليل حي على أن الزوجين في حالة إنجابية ممتازة فيزيل الخوف من العقم والمشاكل التي تطرأ بسببه قد تهدد استقرار الأسرة.