بدأت روسيا حشد قوات عسكرية بأعداد كبيرة على الحدود مع أوكرانيا، في اختبار مبكر لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في وقت تتطلع واشنطن لإصلاح علاقتها مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وفصل نفسها عن سياسة الرئيس السابق دونالد ترمب، المثيرة للجدل بشأن العلاقات الأميركية الروسية.

وأثار حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، وانتهاكات وقف إطلاق النار في الأقاليم الشرقية لأوكرانيا التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا، قلق "ناتو"، وموجة من المكالمات الهاتفية بين كبار الأعضاء في إدارة بايدن، ونظرائهم الأوكرانيين والروس.

وقال جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون أوروبا وحلف "ناتو" حتى عام 2017 لمجلة "فورين بوليسي": "إنهم يختبروننا، ويحاولون معرفة ما سنفعله، وما سيفعله الحلف، وما سيفعله الأوكرانيون".



وأضاف: "هل ستتصرف هذه الإدارة بنوع من الرعونة، أم بحزم؟ إنهم يفعلون ما يفعلونه ليقيموا أين تقف الإدارة الجديدة".

وأشارت المجلة، إلى أن بايدن أجرى مكالمة هاتفية مطولة مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، وهي المحادثة الأولى بين رئيسي الدولتين منذ مكالمة ترمب في يوليو 2019 مع زيلينسكي التي أطلقت أول مساءلة لعزل الرئيس الأميركي السابق.

وفي أعقاب المكالمة التي استمرت 50 دقيقة، غرد الرئيس الأوكراني: "إننا نقف كتفاً إلى كتف عندما يتعلق الأمر بحماية ديمقراطياتنا".

قلق "ناتو"

والتقى مبعوثون من حلف "ناتو" المؤلف من 30 عضواً، الخميس، لمناقشة الأمر، وأعربوا عن قلقهم بشأن التدريبات العسكرية الروسية الموسعة، وتصاعد انتهاكات وقف إطلاق النار.

وقال مسؤول في الحلف لمجلة "فورين بوليسي": "تصرفات روسيا المزعزعة للاستقرار تقوض جهود تهدئة التوترات".

وأضاف: "يواصل ناتو دعمه لاستقلال وسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها، لا نزال حذرين ونواصل مراقبة الوضع عن كثب".

من جهته، حذر الكرملين، الجمعة، من أن أي نشر لقوات الحلف في أوكرانيا، سيصعد من حدة التوترات، ويدفع روسيا لاتخاذ تدابير إضافية لحماية نفسها.

تصعيد على الأرض

وقال محللون، إن التصعيد الذي يجري على الأرض الآن أقل بكثير من المخاوف السابقة.

وتظهر الفيديوهات التي نشرها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الروس، قطارات وقوافل من المركبات العسكرية تتدفق إلى الحدود مع أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا بطريقة غير قانونية في عام 2014، وقالت المجلة الأميركية إنه "يصعب التحقق منها بشكل مستقل".

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن الصراع في شرق أوكرانيا اندلع بين القوات المسلحة الأوكرانية والانفصاليين المدعومين من روسيا بشكل دوري، بعد أن أنهى اتفاق السلام 2015 أسوأ موجة قتال شهدتها المنطقة.

ولا يزال الخبراء والمحللون يحاولون تحديد نوايا روسيا من وراء هذه الحشود، التي يبدو أنها تفوق وتيرة التدريبات العسكرية المعتادة.

وقال تاونسند، المسؤول السابق في البنتاغون: "لم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واضحاً عندما أقدم على هذه الخطوة، لماذا يجعلنا نرى هذا؟".

غزو محتمل

وبحسب "فورين بوليسي"، كان ضم شبه جزيرة القرم في 2014 بدأ أيضاً بتدريبات عسكرية سريعة على طول الحدود الغربية الروسية مع أوكرانيا، قبل أن يتدفق رجال ملثمون في وقت لاحق إلى إقليم البحر الأسود، ويستولون عليه.

ويشكك مراقبون في أن روسيا تخطط لغزو جديد لأوكرانيا، لكنهم لا يستبعدون هذا الاحتمال تماماً. وقال كيريل ميخائيلوف، الباحث في فريق "صراع أجهزة الاستخبارات"، الذي يتتبع تورط الجيش الروسي في أوكرانيا لـ"فورين بوليسي": "عندما نفكر في ما سيفعله بوتين، فإننا نحاول أن نعتقد أنه سيكون منطقياً ومعقولاً"، ولكن "ربما يمتلك بوتين رؤية مغايرة".

وقال روبرت لي الخبير، في العسكرية الروسية: "هذه التحركات تهدف على الأرجح إلى ردع أوكرانيا عن شن أي هجمات مستقبلية في المنطقة".

وأضاف: "تحاول روسيا أن تظهر أنها وحدها تمتلك الهيمنة التصعيدية في المنطقة".

اختبار لبايدن

واعتبر مسؤولون عسكريون سابقون، ما يحدث محاولة مكشوفة من موسكو لاختبار إدارة بايدن، التي لا تزال تجري مراجعات سياسية للوصول إلى صياغة استراتيجية جديدة تجاه روسيا بعد تصعيدات أخرى من قبل موسكو، شملت عملية اختراق للوكالات الحكومية الأميركية، والتي ألقت واشنطن باللائمة فيها على الكرملين.

وقال مسؤول رفيع المستوى سابق في إدارة الرئيس ترمب لـ "فورين بوليسي": "قد تكون هذه مناورة يقومون فيها باختبارنا لمعرفة كيف سيكون رد فعلنا، وقد تكون إجراء عسكرياً، وأخيراً قد يكون هذا هو المكان الذي يتم فيه جمع الناس على الحدود".

وأضاف: "إنهم بحاجة ليكشفوا عن سياستهم، لكن المزيد من التوغل الروسي لن يكون مقبولاً".