تفاعلت الأوساط السياسية والعامة مع تحركات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، الأخيرة باتجاه المحيط العربي والتي كان آخرها زيارته إلى الإمارات.

وأكد مراقبون ومعنيون بالشأن السياسي على أهمية الانفتاح على الدول العربية وتعزيز وشائج الاتصال والتعاون في وقت بات على العراق تصحيح البوصلة والعودة إلى الحضن العربي.

وأنهى الكاظمي، زيارة إلى الإمارات، أمس الأحد، اكتنفها الترحيب والحفاوة البالغة، مع توقيع عدد من بروتكولات تعاون في جوانب مختلفة في مجال الاقتصاد والتنمية والإعمار.



وكان رئيس الحكومة العرقية قد أتم زيارة مؤجلة إلى العاصمة السعودية الرياض، الأربعاء الماضي، هي الأولى له منذ تسنمه منصب رئاسة الوزراء، تضمنت تفاهمات عالية المستوى تكللت بإنشاء صندوق مشترك برأس مال يبلغ 3 مليارات دولار.

الجولة الخليجية جاءت ضمن إطار أوسع لتحرك مدروس بحثا عن استعادة بغداد فضائها العربي، بانفتاح أكبر على مصر والأردن كان من المفترض تتويجه بقمة في بلاد الرافدين الأسبوع الماضي لكنها تأجلت على خلفية حادث قطار في جنوب مصر.

وفيما يشتغل العراق على تعزيز حضوره الدولي عبر بوابة الخليج العربي، تستعد بغداد بعد غد، الأربعاء، لاستئناف الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الامريكية ضمن المرحلة الثالثة من جولة المباحثات التي ستركز على جهود مكافحة الإرهاب وتعزيز آفق التعاون الاقتصادي ومصير تواجد القوات الأجنبية.

ويوضح الناطق الإعلامي باسم وزارة الخارجية، أحمد الصحاف، أن "السياسة الخارجية تكرس المبادرات الجماعية التي تضع العراق ضمن نسق التفاعلات الدولية الإقليمية بشكل جديد وتستدعي العمل بشكل دؤوب تكريساً للتوازن على مستوى المنطقة وتبحث عن شراكات استراتيجية متعددة قوامها دوائر اقتصادية متنوعة".

ويستدرك قائلا إن "السياسية الخارجية لأي بلد هي انعكاس للداخل وبقدر ما تكون الأوراق السياسية مرتبة وهنالك اتفاق ومفاعلة جماعية على تعريف قاعدة المصالح الوطنية يستطيع منفذ السياسة الخارجية ليحمل مصالح الدولة إلى أبعد نقطة".

وبشأن زيارة الكاظمي إلى الإمارات، يلفت الصحاف إلى أن العراق "ينفتح على كل الأطراف وأن الأيدلوجية لا تمثلا خطابا منحازا للدولة وإنما الانحياز لمصالحها بوصفها منظومة مؤسسات تمثل جميع مصالح المكونات".

ويتابع قائلاً "الواقعية ترى أن في الانفتاح على أشقاء العراق وشركائه وأصدقائه لا يعد خيارا بل هو مسار حتمي حتى يبقى متوازنا ويتسم بشراكات متوازنة مع كل الأطراف".

وتتجاوب خطوات الكاظمي على ما يبدو مع شارع غاضب انتفض خلال العامين الماضيين فيما كان شعاره الأبرز كسر هيمنة طهران على قرار العراق، بحسب مراقبين.

ويرى المحلل السياسي، ماهر عواد، أن "الكاظمي يحاول الاستفادة من الوقت بتحقيق أكبر ما يمكن تحقيقه من تصحيح للمسارات الخاطئة ورثها من الحكومات السابقة جعلت من العراق فوهة بندقية بقبضة الذراع الإيرانية".

ويبين عواد، خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "رجوع العراق إلى الخيمة العربية والإقليمية يبشر بتعافي البلاد من كبوتها السياسية والتي ترتب عليها إخفاق على المستويات كافة بدءاً ببناء المؤسسات وصناعة الدولة وليس انتهاءً بالتدهور الاقتصادي والمالي".

فيما يشدد نائب لجنة العلاقات الخارجية النيابية، ظافر العاني، على ضرورة أن يمضي الكاظمي إلى الأمام دون الالتفات إلى الخلف وخصوصا أن قوى الدولة تقف معه وتسانده وتدرك جيداً حاجة العراق لمثل تلك العلاقات".

ويلفت العاني، خلال حديث لـ"العين الإماراتية"، إلى أن "المهمة ليست بالذهاب نحو المحيط الإقليمي والدولي ولكن بقدرة العراق على اغتنام اللحظة واستطاعته تثبيت تلك العلاقات من خلال طمأنة الحاضنة العربية الخليجية بصناعة قرار سيادي بعيداً عن التأثير الإيراني".

وبشأن خط الممانعة الذي يقف بالضد من حراك العراق الأخير، يقول أن "قوى اللا دولة تمارس التجهيل وإثارة البغضاء طوال العقود الماضية بغية تحريك العراق نحو الأفق الإيراني والابقاء عليه غارقاً ضمن تلك الفوضى وهي تجد نفسها اليوم أمام معادلة أخرى في طبيعة العلاقات التي تحكم بناء الدولة".

فيما يرى ظافر العاني، أن "هنالك مناخاً جديداً في الشرق الأوسط وهو التسويات الشاملة والذي واحد من أهم متغيراته وهو التغير في الإدارة الأمريكية بوصول جو بايدن، والذهاب نحو احتواء الأزمات وتبريد المنطقة وباعتبار العراق جزءاً منها".

وفي واحدة من التفاهمات التي تضمنتها زيارة الكاظمي إلى الإمارات تعهدها باستثمارات بقيمة 3 مليارات دولارات في وقت تبحث بغداد عن تنشيط خزينتها الخاوية وإيجاد المعالجات للتقليل من نسب الفقر والبطالة العالية.

وبالرياض كان الوقع متشابه، حيث المشاريع الاستثمارية الكبيرة في مجال الطاقة والصناعة والزراعة، فيما يبقى استكمال تلك الخطوات وتحويلها إلى واقع ملموس رهاناً بقدرة بغداد على توفير البيئة الأمنة لتدفق رؤوس الأموال من الخارج.

يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، ميثم العزاوي، أنه "رغم أن العراق يشكل منطقة جاذبة للاستثمار بسبب تعدد ثرواته وموقعه الجيوسياسي إلا أن ذلك الأمر ليس كافيا لوحده ولا بد من تحصين تلك المعطيات بإطار مؤسساتي ضامن للشركات الراغبة بتحقيق الشراكة والعمل".

ويشدد العزاوي على أن "استقرار الأوضاع الأمنية وقدرة الدولة على بسط سيطرتها وتوفير الاستقرار يعد عاملاً رئيسا في جذب المستثمرين فغالباً ما تنجذب التدفقات المالية نحو المناطق الأمنة".

كما تأتي عوامل أخرى لا تقل أهمية عن ذلك الأمر، من بينها البناءات المصرفية والأنظمة المالية الرصينة حتى تستطيع من خلالها الشركات المستثمرة تتبع أموالها وكشوفات حساباتها بعيداً عن مطبات غسيل الأموال وشبهات الفساد"، بحسب العزاوي.

فيما يرى المحلل السياسي ماهر عواد، أن "الضمانات الأساسية لحصد ثمار تلك التفاهمات الاقتصادية سواء الخليجية منها أو العربية بشكل عام تقف عند السيطرة على سلاح المليشيات المنفلت ومكافحة الفساد من أعلى رؤوسه".