عرفت عمّان وتلالها السبع، فقد قضيت فيها في مطلع الثمانينيات زمناً ليس بالقصير. حينها كان الملك حسين يدعم صدام ويناكف الأسد، ويرسل خطاباً غاضباً للرئيس الأمريكي، رونالد ريغان، يكاد يعطيه درساً بعد خطاب مثقل بادّعاءات تاريخية باطلة، فيها انحياز كاملٍ إلى الرواية الصهيونية. في عصر الملك عبدالله بن الحسين تغيرت البيئة الإقليمية وبعد اتفاقية السلام مع إسرائيل لم تعد عمّان من مفاصل أحداث الصراعات الكبرى كما كانت، رغم أن الملك عبدالله قاد بلاده بحنكة في عاصفة الربيع العربي. كان هذا هو المتغير بين عهدين لكن الثابت هو الجغرافيا، وقد قال نابليون بونابرت إنّ معرفة الخصائص الجغرافية لدولة ما تعني معرفة سياستها الخارجية، في الجغرافيا أهم عوامل تقدير الموقف العسكري والتحرك السياسي والاقتصادي. والدّيموغرافيا «Demography» وهي علم السكّان، جزء من الجغرافيا، وقد ابتليت الأردن بأسوأ جوانب هذا الجزء، فقد كشرت في وجه عمان مرات عدة حتى أصبحت كل أزمة إقليمية في جوارها الجغرافي كارثة ديموغرافيا على الأردن حكومة وشعباً. فبعد حرب 1948 تدفق الفلسطينيون هرباً بحياتهم للأردن، وفي حرب 1967 وبعد سقوط الضفة الغربية بيد الجنرال موشي دايان تدفق البقية إلى عمان في مخيمات للاجئين في كل أنحاء المملكة الصغيرة، وبعد سنوات وجراء فشل الثورة الشعبانية 1991 ضد صدام بعد إخراجه من الكويت، تحولت عمان إلى ملاذ للفارين من حوامات الطاغية التي تقصفهم بوحشية، وبعد سقوط البعث 2003 فر الموالون لصدام للأردن مشكلين أزمة ديموغرافية تشبه ما شكلته الأزمات التي سبقتهم، ولم يطل الأمد فتحولت الصحاري الأردنية إلى مخيمات للاجئين السوريين ابتداء من 2011 حتى اليوم بما يعنيه ذلك من أزمات ضمنية اقتصادية واجتماعية وسياسية وعسكرية.

* بالعجمي الفصيح:

في العلاقات الدولية لا يمكن تغييب الصدف في تشكل الأحداث. ومع تكرار السيول الديموغرافية التي لا تجد لها مصباً إلا بين تلال عمان السبعة، صرنا نملك رفاهية تعليل الأمور بناء على نظرية المؤامرة، فهل تجهز واشنطن لموسم سيول ديموغرافية جديدة على الأردن!

* كاتب وأكاديمي كويتي