القبس


شهدت المحاكم الكويتية، مرافعة للنيابة العامة هزت ضمائر الحاضرين في القاعة وأبكت السامعين، حيث تحدثت باستفاضة عن واحدة من أبشع جرائم القتل ارتكبتها زوجة بحق شريك حياتها من خلال استخدام مطرقة حطمت بها وجهه وباقي جسده.

المرافعة التي قادها وكيل النائب العام خالد العنزي، كانت مزلزلة وانطلقت من الوجدان وأوردت فيها النيابة بعض الآيات القرآنية التي تحذر من إزهاق النفس البريئة، كما استشهدت بأبيات شعرية وحكم، ووجهت كلمات قاسية بحق مرتكبة الجريمة، وانتهت بالمطالبة بإعدامها، في سبيل الحفاظ على كيان المجتمع من أن ينال منه الإجرام، وتحقيقا للعدالة وصونا لركائز وجود المجتمع، ولما كانت الحياة هبة الله المقدمة، فإنه لايجدر بأحد أن يهدرها إلا بحقها.

غدر ووحشية


واشارت النيابة في مرافعتها إلى ان الجريمة كسلوك إنساني تتشكل على هيئة الشخص الذي يرتكبها، لما له من وجه مادي ووجه باطني، فما السلوك البشري فيها إلا طاقةٌ موجهة على مقاصد محددة بعينها.

وأكملت النيابة مرافعتها بالتساؤل : فكيف بالقتل إذا جاء غدراً؟ أو تم خديعة؟ أو تمخض عن وحشية؟ وكيف إذا بزغ له زوجة خؤون، انتحلت من الضعف رداءً، ومن المسكنة قناعاً، لتنهض منهما مستعرة بالانتقام، تحكم الوجوه والجماجم غدراً، وتسقي كأس المنون ظلماً، وتلف في أحقادها رجلاً أمنها قربه، فصرعته غيلة، ونكثت ميثاقاً غليظاً، لتنقض في ردائه كلمة الله التي استؤمنا عليها إمساكاً وتفريقاً، فما هي إلا زفرة انتقام كدرت الأمل الشحيح، وعويل الثبور يردده الصمت الفصيح، ووحشة القبول تلف الزوج الذبيح.

واضاف ممثل النيابة المترافع أمام المحكمة : الجاني في دعوانا –سيدي- زوجٌ أثيم، بلغت من النشوز الذروة، مستخفة بأقدس رباط في الحياة، تميد عنه رامية هواها، منقلبة على أعقابها، فلا هي صابرت ممسكة عليها سكنها ورحمتها، ولا هي عاجلة آفلة إلى حال سبيلها.

تمرد وقتل

واستطردت النيابة العامة «فما كانت إلا كمينا متمردا على نواميس القدر، تقتل بدم بارد زوجها، وتكفنه ضلالاَ بعيدا ثم تطمس آثامها كما طمس على قلبها من قبل».

وتابع وكيل النائب العام المترافع قوله : ولو ترى إذ ترى –سيدي الرئيس- كيف صيرها الحق موتاً راجلاً، لا ندري كيف مشت إليه وكيف مشى إليها؟.. وكيف أنها التحفت وجوم السكون بخبث النوايا غير هيابة لجلال جدث بعلها، فتنام ملء عينها وكأن الموت قرينها، لما لكل هذه الغواية والوحشية والاستبداد أن تسكن قلب امرأة، ثم تحل بلعناتها على زوجها.

واكمل المترافع قائلاً :تجلت صفحات خزي واقع الدعوى في تسلسل زمني أحسب أنه ليس من بد لي من أن أبسطه لعدلكم كما ضمته الأوراق على لسان الشهود وباقي الأدلة، وذلك لما جاء اليوم الذي تحسس فيه والد المجني عليه (الشاهد الرابع) ابنه الغائب عن عينه لليال ثلاث، فأرسل إلى المتهمة في مكالمة هاتفية يسائلها عنه فتعللت بغيابها عن البيت لدى ذويها، فهاتف أباها فتذكر لقالة ابنته وبأنه لم يرها لبضعة ليال سابقة على تلك المكالمة، فأوجس والد المجني عليه خيفة على فلذة كبده ثم جاء اتصال والدة المتهمة (الشاهدة الثانية) على والدة المجني عليه (الشاهدة الثالثة) تطلب فيه من الأخيرة اقتحام شقة المجني عليه الواقعة في الطابق العلوي من نزل والديه للاطمئنان على مصير ابنهم، فهرع الأب (الشاهد الرابع) معية شقيق المجني عليه (الشاهد الخامس) واقتحما شقة المغدور، ودلفا يبحثان عنه في أرجائها حتى فجعا به في الصالة مكفناً في سجادة ووجهه ينضح بالدماء، فأبلغ شقيقه رجال الشرطة بذلك.

موقف عصيب

وواصل وكيل النائب العام سرد الواقعة بالقول : وفي خضم هذا الموقف العصيب ألح شقيق المتهمة (الشاهد الأول) في مهاتفتها حتى أجابت فبادر إلى الاستفهام عن حال زوجها، فباحت له أنها كانت قد تشاجرت معه في شقتهما لأيام سابقة وتخشى أنها قد أردته قتيلاً، فطلب منها تسليم نفسها لمخفر الشرطة فلم تستجب له.

واضاف وكيل النائب العام : ولعلها –سيدي الرئيس- اكتحلت بهلاك بعلها عيناها، ولعل المغدور شرب مرير الكؤوس من يديها، لكننا – ولامراء- امتحنا الأوراق فقرحنا ناظرينا، فها هي ليلة السادس من ابريل 2020 حيث نشب شجار بين المجني عليه والمتهمة في شقتهما أسفر عن اشتباكهما بالأيدي، ولما ينفض حتى ازاورت المتهمة عنه ناحية دورة المياه في حجرة النوم وهنالك التقطت مطرقة حديدية كانت هملاً في محاولة منها لصده عبثا فألقتها عليه واخطأته فقبض عليها بيد وأمسك المطرقة اللعينة باليد الأخرى.

نار الحقد

وتابع وكيل النائب العام : وساق المتهمة إلى الصالة مجدداً وأمنها قربه، والمطرقة تتوقد على نار حقد المرأة المتأججة وما إن ذهل الرجل عنها لوهلة شطر الزاوية العمياء، حتى انقضت المتهمة من سكونها وخطفت مقمع الموت وهوت به على قامته فإذا هي تفور، وعوداً على بدء هشمت رأس الرجل فإذا الدنيا به تمور، ولكي لا يقوى استذكرت علته بركبته اليسرى فقصمتها هي الأخرى بضربة تداعى لها الجسد الضعيف، وسقط بين قدميها كأوراق الخريف.

مشهد بشع

ووصف وكيل النائب العام المشهد البشع قائلا : في تلك الأثناء، كانت المتهمة واقفة على أطلاله في غطرسة ترنو له يستجدي الحياة عبثاً أن تنفحه عمراً جديداً ويتمتم بفيه غرغه النجيع (كم كان شحيحاً بك عمري، كم كان تعيساً بك حظي، أما آن لك أن ترقي لحالي، أما آن لك أن تغادري حطامي) !

واستطرد وكيل النائب العام سرد الواقعة : وفي معرض الصمت الفصيح أطبقت المتهمة على ما تبقى من أنوار وجهه عتمة في طريق الهلاك فإذا بناصيته تسحق هشيماً ، وبجسده ينتشر ذبولاً، وبروحه وقد فارقت التوثب للصمود.

وتابع بالقول: نعم –أيها السادة القضاة- لقد أدركت المتهمة حينها أن المجني عليه، وعلى ما عاناه، لا يزال يتمسك بأهداب الحياة فاستعجلته بتلك القطعة الرخامية حتى غيبت عمره، وطفقت تطمس على آثار الجريمة مستخدمة مواد كيماوية ومناشف، ثم طوت جثمان زوجها بسجادة الصالة وأحكمت غلقها ووضعت البخور في أرجاء الشقة المنطوبة خيفة نتن الجثة أن تنتشر في الهواء، واغتسلت، ونامت في قبر الزوجية قريرة العين حتى جاء صباح اليوم التالي وفرت هاربة إلى حيث جاخور (صديقها) فمكثت عنده حتى حين، ثم أنبأتهُ بجرمها فكذبها فجاءت بآية صدقها عبارة عن صورة فوتوغرافية للقتيل.!

10 دروس من مرافعة النيابة

1- العنف إذا شاع في المجتمع فإنه يقوض الاستقرار والأمان

2- القتل بدماء باردة دليل على تجرد المرء من المشاعر الإنسانية

3- الزوجة القاتلة سكن الحقد قلبها ويطرت عليها روح الانتقام

4- يجب الحفاظ على كيان المجتمع من أن ينال منه الإجرام

5- تحقيق العدالة ضرورة ملحة لصيانة لركائز وجود المجتمع

6- الحياة هبة مقدمة من الله سبحانه وتعالى ولا يحق لأحد أن يهدرها إلا بحقها

7- السلوك البشري طاقةٌ موجهة على مقاصد محددة بعينها

8- القتل في هذه القضية جاء غدراً وخديعة تمخضت عن وحشية

9- القاتلة سقت كأس المنون لشريك حياتها ظلماً وغيلة

10- المتهمة ارتكبت الجريمة عن عمد ثم باتت ليلتها في قبر الزوجية

نوازع النفس الشريرة!

وصفت النيابة العامة في مرافعتها هذه الجريمة بأنها جريمة عدوان على الحق في الحياة، موضحة ان جريمة القتل عمدية، ذات قصد خاص بالإضافة إلى القصد العام، المتمثل بعلم الجاني بفعلته النكراء وإرادته الموجهة على خطى من علمه، فضلاً عن إرادة مخصوصة تعتمل فيها نوازعه الشريرة في إزهاق روح المجني عليه.

شيوع العنف يقوض التعايش والألفة

قالت النيابة ان المجرم عادة يكون مدفوعا إلى ارتكاب الجريمة بعامل من عوامل الطمع أو الكراهية بيد أنه في حق زوجه يكون مدفوعا –إلى جانب الكراهية- بعوامل الحقد والقسوة والانتقام مما يولد في نفسه رضاءً وارتياحاً لا لشيء إلا لأن الضحية أقرب الناس إليه لتعود وتقابله نفوس أخرى بعنف مثله أو أشد وطأة. وحذرت النيابة بالقول: إن ظل هذا العنف مستكينا بعض الوقت فإن مصيره على المدى الطويل أن يطفو على السطح، حتى يصير أسلوباً للتعامل مع مشاكل الحياة التي لا تنتهي أبداً، فيشيع فقه البطش، وتسود روح الإنتقام، ولإبتلاء فيه المعنِف بآخر يقهره ثم بثالث يرد على هذا الآخر فرابع يتصدى لهذا الثالث وهكذا حتى تنهار أسس التعايش والألفة بين الناس فيتقوض كيان المجتمع.