في زمن أمسى النفاق فيه سيد الموقف، والتقلب والتلون هو طريق الاستمرار والمكسب، انقلبت المعايير وتبدلت الأعراف.

يقول لي بهدف النصح: لا ينفع في هذا الزمن أن تكون صريحاً وواضحاً وأن تتمسك بمبادئك! هذا زمن الدبلوماسية، وزمن الفذلكة والدهاء والذكاء! ومن لا يبدل وجهه خاسر لا محالة، فلا أحد يحب الحقيقة، وخاصة إن جاءت لتثبت خطأه أو تقارعه الحجة بحجة أقوى. في عرفه، الشخص الناجح هو الذي يمتلك ألف وجه ووجه، أي ألف قناع وقناع، يرتدي كل واحد في موقف، يستخدم كل وجه في مناسبة، فالوجوه تتبدل بحسب المصلحة، بحيث تجعلك تسير بلا خطر يتربص بك في مسار حياة هي أصلاً مسرح لا مكان فيه للفاشلين في التمثيل.

هناك من يلبس في يومه أكثر من ألف قناع، يبدل في ساعته أكثر من وجه، وكثير منهم يحقق غايته، يصل إلى مبتغاه، بعضهم «يغسل» أدمغة، وبعضهم يمسح «الجوخ»، وبعضهم يقتل المبادئ، والغاية حصد مكاسب متباينة لا تعد ولا تحصى.

بعض الناس لا يرى في التلون حرجاً، لا يرى في النفاق مشكلة، لا يرى في تبديل الجلد أي كارثة، المهم أن يصل، المهم أن يحقق مبتغاه، حتى لو عرفه الناس بأن له ألف وجه ووجه. لكن هل هذا ما يصنع للإنسان قيمته؟! هل هذا ما يجعل الإنسان يحترم نفسه وذاته؟!

باتت الثوابت والتمسك بالقيم كما السباحة عكس التيار. فمقابل حقيقة واحدة هناك خمس أكاذيب وحالات نفاق وتلون.

البعض يقول إن الوضع يحتم السير في اتجاه الريح، فالجنون هو الوقوف في وجه العاصفة، بل الدهاء والذكاء أن تحني رأسك لتمر العاصفة لترفعه بعدها. لكن هل «رفع الرأس» بعدها له قيمة؟! والأهم قيمة لدى الشخص نفسه؟!

الثابت على الحق كما الممسك بجمرة حارقة في يده! أليس كذلك؟! وأنت من يحدد طريقة عيشك لهذه الحياة التي لن تتكرر إلا مرة، هل تريد العيش بوجه واحد أم العيش بألف وجه ووجه؟!

الفارق هنا بين من يعيش كريماً وإن لم يملك شيئاً، وبين من يعيش خادعاً لنفسه قبل الآخرين، ضارباً بالقيم والمبادئ عرض الحائط، ولو ملك كل شيء. وفي النهاية كل منا حر في كيف يعيش، وكيف يكون، وعلى أي شاكلة يموت!