^  يُنظر إلى أية أجهزة استخباراتية أو جهات معنية بـ “الأمن الوطني” إلى أنها أجهزة تعمل على الحد من الحريات وتركز على الحد من حرية التعبير و«قمع” الرأي الآخر، رغم أن عمل الاستخبارات ينحصر في إمداد الأجهزة المعنية بالحفاظ على الأمن بالمعلومات ليتم القبض على أشخاص يمثلون تهديداً وخطراً على الأمن القومي. النظرة كما بيناها أعلاه ليست نظرة البسطاء من المدنيين والمواطنين العاديين الذين يريدون ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي دون منغصات، بل هي نظرة “سوداوية” رسختها لدى الناس مجموعات تعمل بالسياسة تمثل لها الأجهزة الاستخباراتية وأجهزة الأمن أكبر تهديد على نشاطاتها. جهاز الاستخبارات قد تفوق أهميته أجهزة الأمن نفسها، باعتبار أن الأخيرة أجهزة مهمتها العمل ميدانياً للحفاظ على أمن المجتمعات بناء على ما تمده الأولى من معلومات قائمة على البحث والمتابعة. بالتأكيد لن يعجب من يمتلك أجندة ومخططاً قيام جهاز المخابرات بدوره، لأنه يقطع عليه الطريق ويعرقل مساعيه، وهو ما يبرر الهجوم الإعلامي الشرس الذي يمارس ضد هذه الأجهزة. حينما ألغى ملك البحرين قانون تدابير أمن الدولة كانت تلك خطوة في الاتجاه الصحيح باعتبار أن هناك أخطاء وسلبيات وملاحظات مورست من قبل أفراد أسيء فيها استخدام الصلاحية، لكن ذلك لم يعني أبداً أن تبقى البحرين كدولة دون جهاز مخابرات باعتبار أن التهديدات سواء الداخلية أو الخارجية التي تستهدفها انتهت بالمرة. من يريد أن يتحرك بحرية ليخطط ما يخطط له أو يخلق خلايا نائمة ويحشد بهدوء على امتداد سنوات بهدف التحرك ضد الحكم في أي بلد، أو أن يسعى لعملية انقلابية أو يختلق أزمة، بالتأكيد لن يعجبه وجود جهاز استخباراتي يعمل على استشعار أي خطر مسبق، وهنا في البحرين لا يعجب الانقلابيون قيام أجهزة الأمن والشرطة بواجبهم في حماية المجتمع، فكيف بالتالي يعجبهم وجود جهاز استخباراتي. وجود مثل هذه الأجهزة يمثل حماية للوطن، ويفرض على المواطنين المخلصين المتمسكين بأوطانهم أن يشعروا بمزيد من الأمان لأن هناك من يسهر على حماية البلد ويضمن أمنهم، إلا طبعاً من يقف في الجهة المقابلة، هؤلاء الذين تفرض ردات فعلهم التساؤلات بشأن بواعثها، إذ لا يخشى ويقلق إلا من يعرف بأنه مخطئ (لا تبوق لا تخاف)، ومن يؤمن بأنه يقوم بالفعل الصائب لا يخشى لا من جهاز استخبارات ولا قوة أمنية ولا أي جهة أخرى. من يمضون لتأزيم الوضع في البحرين يعملون منذ سنوات على خلق مفهوم خاطئ في أذهان من يتبعونهم، يسعون لتأسيس مفهوم “الدولة العدوة”، بحيث تتحول نظرة المواطن إلى نظامه الحاكم والأجهزة الرسمية والشرطة وغيرها إلى نظرة “عدوانية” لا توجه إلا للعدو أو المحتل. لأن هناك من ارتكب أخطاء لا تبرر في وقت قانون تدابير أمن الدولة، فإن جماعات التحريض بنت حراكها “الخامل” في السنوات الأولى على أساس أن الدولة “نائمة” أو أنها لا تريد تكرار التجربة السابقة بحيث يعود هذا الجهاز للعمل، وهنا كان يكمن الخطأ، أي بتعطيل دور الأجهزة الأمنية في اتجاه حماية البلد. نحن لا نقول بأن تمنح السلطة مطلقة وتترك على لنصل لمرحلة يصل فيها أفراد لخلق قانون خاص بهم، أو يمارسوا ممارسات غير مقبولة في دولة قانون ومؤسسات، لكننا نطالب برفع كفاءة عمل هذه الأجهزة بحيث يتم تقويتها أكثر من السابق، فالبحرين مازالت مهددة. من حق المواطنين أن يطالبوا دولتهم بتأمين حمايتهم وتثبيت استقرار حياتهم، وعلى الدولة واجب تلبية ذلك والتصدي لكل فعل خارج عن القانون، أو رصد كل محاولة “خفية” تتم لاستهداف الدولة. اليوم المحرضون ودعاة التسقيط والانقلاب يركزون على إضعاف قوة الأجهزة الأمنية، نعرف تماماً أنه لو كان الأمر بيدهم إما حولوا هذه الأجهزة تابعة لهم بالكامل، وإما ألغوها برمتها حتى يجردوا البحرين من قدراتها الأمنية. عموماً لا توجد دولة تصل لدرجة من الجنون بحيث تضعف أجهزتها الاستخباراتية أو أجهزتها الأمنية بناء على “صياح” دائم من فئات تريد الشر بهذا البلد وتتطاول يومياً على رموز الحكم، أو بناء على بيانات “متحيزة” من مؤسسات حقوقية خارجية لها أجنداتها أيضاً ضد عديد من الأنظمة العالمية. بريطانيا على سبيل المثال، والتي يستقوي هؤلاء الإرهابيون بها وبآلية تعاملها مع طالبي اللجوء، هذه الدولة العظمى تمتلك جهازاً استخباراتياً من أقوى الأجهزة بالعالم، وتمتلك جهازاً أمنياً يعتبر من أكثر الأجهزة المحترفة في عمله (سكوتلانديارد)، ورغم أنها أحد أبلغ أمثلة الديمقراطية والحريات إلا أن دور المخابرات وأجهزة الأمن من الاستحالة أن يلغى أو أن يتم القبول بإضعافه حتى لو خرج من خرج في الشوارع وحتى لو جوع من يريد نفسه وحتى لو انتحر من انتحر. وكالات الأنباء العالمية أوردت بالأمس اعتقال الشرطة البريطانية لعدد من الأشخاص يبلغ خمسة ويتوقع زيادة عدد من تم اتهامهم بـ«التحضير لأعمال إرهابية” أو بـ«مساعدة أشخاص يعدون اعتداء”، وذلك في إطار عملية غرب لندن تم إعدادها بالتنسيق مع “أجهزة الاستخبارات”. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كرر خلال عمليات الفوضى والتخريب التي حصلت في لندن العام الماضي بأنه لا يكترث بما تقوله جمعيات حقوق الإنسان مقابل استتباب الأمن في البلاد ومعاقبة المخربين حتى لو وصلت العقوبات لتجريدهم من الخدمات التي تمنحها الدولة. من يعلو صياحه وصراخه اليوم بشأن الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في البحرين هو من يعتبر هذه الأجهزة “عائقاً” أمام تنفيذ أجنداته ومخططاته. إضعاف هذه الأجهزة في البحرين لا يجب أن يحصل ونثق بأنه لن يحصل، إذ لا توجد أي دولة في العالم تصل لدرجة من الجنون بحيث “تحيد” و«تضعف” أجهزتها الاستخباراتية والأمنية.