ستظل لغة الخطاب مقطوعة بين البحرينيين طالما منعت عقدة الاضطهاد بعض (المجموعات) من قياس وتقييم فعلها، وجعلتها لا ترى ولا تشعر إلا بردة الفعل فقط في حين تتجاهل أفعالها. تحيي من لبى النداء الوطني وتطوع للعمل في المواقع التي تركت بلا عمال أثناء الإضراب العام الماضي، فلا ينقاش الإضراب بل يرد البعض -بعد السب والشتم طبعاً- لماذا لا تتحدثين عن فصل العمال، نتحدث عن مخالفة القانون يريدون عن إجراءات القبض، نتحدث عن جرائم يتحدثون عن إجراءات محاكمة، نتحدث عن شروع في قتل يتحدثون عن ضوابط الدفاع عن النفس.. نتحدث عن آدب الحوار فيرد عليك (يا عبدة الدينار يا حمالة الحطب يا حقيرة يا بنت الـ ..)، وهكذا يستمر الحديث بخطين متوازيين لا يلتقيان أبداً.. هذه أحاديث متداولة وموجودة وليست مختلقة. عقدة «المظلومية» لا تسمح أبداً للشخص أن يرى أفعاله ويقيمها، فكل ما قامت به المجموعة منذ العام الماضي إلى اليوم هو حلال وصح ومشروع وسلمي ومؤدب، لأن عقدة (المظلومية) تضع صاحبها دائماً في مصاف المرفوع عنه القلم، فيجوز (للمظلوم) ما لا يجوز لغيره، يجوز له أن يخالف القانون، يجوز له أن يعتدي على الآخرين، يجوز له أن يكذب، يجوز له أن يشتم ويسب، يجوز له حتى أن يقتل، فكل ما يفعله حلال لأنه في النهاية (مظلوم) وما على المظلوم من حرج!! كلما خطابته عن فعله صم أذنه؛ فهو لا يرى ولا يسمع ما تقول، زمنه وقف عند ردة الفعل، زمنه يبدأ من ردة الفعل، مقاييسه وحكمه على مجريات الأمور تبدأ من ردة الفعل. ومهما حاولت مناقشة صاحب عقدة (المظلومية) فإنك تضيع وقتك معه، فالآخر دائماً هو موضع شك بالنسبة له، متذمر شاك غير مستمتع بحياته، حتى لو عاش في نعمة وأصبح في خير يغبطه الناس عليه فإنه لا يراه ولا يستمتع به، يشعر دائماً أن حقه منقوص لو ركب أفخم السيارات واقتنى أفخم الماركات ووصل أعلى الرتب، فإنه لا يرى تلك النعم ولا يتمتع بها ولا يقيس أقرانه وزملاءه من نفس المهنة في دول أخرى كيف يعيشون ومستوى حياتهم، بل عينه على ما انتقص من مستواه. فإذا أضفنا البعد التراثي الثقافي التاريخي لهذه العقدة، وإذا أضفنا لها مخزون الذاكرة الذي جمع كل مصائب الدنيا والكون وصبها في مساره تثبيتاً وترسيخاً لوضع (المظلومية) فإنه من الصعب جداً إقناعه بأنه ارتكب خطأ أو بأنه لا يجوز له أن يقوم بما قام به من أفعال. ليس هذا فحسب بل تدفع هذه العقدة صاحبها إلى عدم الالتزام بأية قواعد سواء كانت قوانين عمل أو قوانين مرور أو أية قوانين مقيدة (لحقه) الذي دائماً هو بالنسبة له حق مهضوم، لذلك فصاحب عقدة (المظلومية) في مشكلة دائمة مع الدولة وقوانينها، ولا يخضع لها إلا خوفاً أو تقية، مثلما يفعل حين يكون في دول أجنبية حازمة في تطبيق القوانين. لهذا لن توجد لغة تخاطب تجمع الضدين في المجتمع البحريني، ما لم يتكلم العقل الواعي لا العقل الباطن، ما لم تملك المجموعة شجاعة تجميد العقل اللاواعي وتحييده ولو إلى حين، ونبدأ بقياس الأفعال ونقيمها بناء على مقاييس ومعاير متفق عليها، إنما مثلما قلنا الأمر يحتاج لشجاعة مواجهة الواقع وشجاعة توقف المخيال المغذي للذاكرة.