شهر رمضان المبارك هو شهر المعارك والانتصارات في تاريخنا العربي والإسلامي، فأغلب الغزوات والمعارك التي قادها المسلمون في شهر رمضان كانت تكلل بالفوز والانتصار، ولذلك حرص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن تكون أغلب غزواته في شهر رمضان حيث تجتمع لدى المجاهد الصائم مجاهدة النفس ومجاهدة الأعداء، فإن انتصر تحقق له انتصاران: هما الانتصار على هوى النفس والانتصار على الأعداء، وإذا استشهد لقي الله سبحانه وتعالى وهو صائم.

ومن أشهر الغزوات التي حدثت في هذا الشهر الكريم غزوة بدر الكبرى في السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وهي موقعة فاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين، بل في تاريخ البشرية كلها إلى يوم الدين، إنها معركة الفرقان، ومعركة «كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله».

ومنها فتح مكة في السنة الثامنة من الهجرة والتي قال الله سبحانه وتعالى فيها: «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ * إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا».

وقد تم فتح مكة في الثالث والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة وشكَّل فتحها الآية العظمى على مدى الأخلاقية النبوية الإنسانية التي التزم بها الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- مقدماً أرفع نموذج للتسامح والتواضع والسموِّ الذي عرفته البشرية عبر تاريخها.. عاد إليها صلى الله عليه وسلم، وهي التي أخرج منها وهو يذرف الدمع ويقول: «والله إنك لأحب بلاد الله إليّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».. وعندما دخل عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة فاتحاً بعد أن نصره الله على كفار قريش، وأمام الكعبة المشرفة وقف جميع أهل مكة، وقد امتلأت قلوبهم رعباً وهلعاً، يفكرون فيما سيفعله معهم رسول الله بعد أن تمكن منهم، ونصره الله عليهم، وهم الذين آذوه، وأهالوا التراب على رأسه الشريف وهو ساجد، وحاصروه في شعب أبي طالب ثلاث سنين، حتى أكل هو ومن معه ورق الشجر، وتآمروا عليه بالقتل، وعذبوا أصحابه وسلبوا أموالهم وديارهم وأجلوهم عن بلادهم. لكنه صاحب الأخلاق النبوية قابل كل الإساءات بالعفو والصفح والحلم، قال صلى الله عليه وسلم: « يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم؟، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: « اذهبوا فأنتم الطلقاء».

ومن المعارك الكبرى التي وقعت في شهر رمضان المبارك معركة عين جالوت التي هزمت فيها جيوش المسلمين بقيادة سيف الدين قطز والظاهر بيبرس جحافل التتار الغزاة الذين استولوا على المشرق الإسلامي وهم يزحفون نحو الشام وبيت المقدس، وكانت هزيمتهم النكراء في صباح الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة 658هـ.. وكانت أول هزيمة للمغول منذ قائدهم جنكيزخان، وتروي الروايات أن السلطان سيف الدين قطز بعد انتصاره نزل عن جواده ومرغ وجهه في تراب المعركة وقبلها وصلى ركعتين شكرا لله تعالى.

كما أن علينا أن لا ننسى أبدا إنتصارات الجيش المصري على الغزاة الصهاينة الإسرائيليين في حرب أكتوبر المجيدة التي حدثت في العاشر من رمضان من عام 1973م، واستطاع فيها الجيش المصري أن يعبر قناة السويس ويحطم حصن بارليف الذي قالت عنه إسرائيل إنه لا يمكن اختراقه أبداً بأي حال من الأحوال.

هذه بعض الانتصارات العربية الإسلامية التي حدثت في هذا الشهر الفضيل، فلنسجلها حتى لا تمحى من القلوب والعقول والوجدان.