ضجة غير مسبوقة شهدتها ملاعب رياضة كرة القدم، بعد إعلان ميلاد "سوبر أوروبي" منفصل؛ ليدخل رجال السياسة على الخط حاملين صافرات الرفض والكروت الحمراء.

عاصفة الرفض السياسية المنطلقة من مكاتب الساسة والمسؤولين الأوربيين وهيئات كرة القدم في القارة العجوز يبدو أنها قد تقضي على "السوبر الأوروبي" المزمع حتى قبل أن ينطلق.



فقد أعلن متزعمو الدوري المقترح من 20 ناديا أوربيا، أنهم سيعيدون النظر في خطواته التالية، وذلك بعد اتساع دائرة الرفض في مجتمع الرياضة الأوروبية، بإسناد سياسي قوي، حيث تقلص عدد المشاركين إلى ثلاثة أندية من كل من إسبانيا وإيطاليا، حسب تقارير أمس الثلاثاء.

يوم الأحد الماضي أعلن فلورنتينو بيريز، رئيس نادي ريال مدريد الإسباني، عن نية بعض أقطاب كرة القدم الأوربية إنشاء مسابقة أوروبية جديدة لكرة القدم، يشارك فيها اثنا عشر ناديا من نخبة الأندية الكبرى، سيطلق عليها "دوري السوبر الأوروبي".

وتبع ذلك في نفس اليوم إعلان ستة أندية إنجليزية، إلى جانب ريال مدريد وبرشلونة وأتلتيكو مدريد من إسبانيا، وميلان وإنتر ميلانو ويوفنتوس من إيطاليا، إطلاق ما سمي بدوري السوبر الأوروبي.

وفور انتشار الخبر في الأوساط الرياضية توعد كل من الإتحاد الأوربي لكرة القدم (يويفا)، والاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، واتحادات محلية للعبة، بالوقوف بكل بقوة، في وجه إتمام هذا المشروع.

وهدد الاتحاد الأوربي لكرة القدم، بعقوبات ضد كل الأندية واللاعبين، الذين يقررون المشاركة في بطولة دوري السوبر الأوروبي المقترح.

ويستبق أصحاب مشروع السوبر الضيق اجتماعات الاتحاد الأوربي للدوري، الذي يسعى لتوسيع البطولة الأوربية للتكون من 36 فريقا.

ويعارض ملاك النوادي الأوربية الكبرى لكرة القدم التي تقف وراء إنشاء السوبر، إصلاحات الاتحاد المنتظرة، ويرون أنها "ليست كافية".

ويدافع هؤلاء عن مشروعهم بالقول إن جائحة كورونا، التي ضربت عدة مناحي اقتصادية سرعت من حالة عدم الاستقرار التي يعاني منها النموذج الاقتصادي الحالي للكرة الأوروبية.

لكن هيئات كرة القدم والاتحاد الدولي للعبة ينظرون للمشروع بأنه انشقاق عن كرة القدم العالمية، وضرب لأنصار اللعبة الأكثر شعبية في الكون، كما يؤسس لفكرة نخبة ضيقة تضم النوادي الثرية، وتحرم المشجعين من متابعة نواديها الصغيرة، سعيا من مؤيدي "السوبر" المزمع، إلى جني المزيد من الأرباح.

تداول الكرة بقوة بين أطراف اللعبة في أوروبا أوصلها بتمريرة سريعة إلى مرمى السياسة، فخرجت تصريحات نارية من مكاتب المسؤولين في أوروبا.

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كان رأس الحربة بانتقاده الشديد للمشروع، وهدد بإيقافه وسن قوانين لمنعه.

واستضاف جونسون، أمس الثلاثاء، اجتماعا مع ممثلي هيئات كرة القدم في إنجلترا، لمناقشة خطط إقامة الدوري،

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عقب الاجتماع، إنه لا يوجد أي إجراء مستبعد لإيقاف دوري السوبر الأوروبي، مؤكدا أن حكومته تناقش كل الخيارات الممكنة ومنها سن قوانين جديدة.

وأكد أن الحكومة البريطانية "لن تقف لمشاهدة إنشاء متجر مغلق"، مكررا دعمه الكامل لسلطات كرة القدم، ومساندتها لاتخاذ أي إجراء ضروري لإيقاف مثل هذه الخطط.

حديث جونسون لقي صدى إيجابيا لدى الأندية الإنجليزية التي تراجعت عن المشاركة في السوبر؛ حيث أعلنت الأندية الستة ( مانشستر سيتي وأرسنال ومانشستر يونايتد وليفربول وتوتنهام هوتسبير وتشيلسي)، الليلة الماضية انسحابها من المسابقة.

جونسون قال اليوم الأربعاء تعليقا على القرار إنه يرحب بما أعلن الليلة الماضية؛ معتبرا أنه "النتيجة الصحيحة لكرة القدم والجماهير والأندية والمجتمعات في كافة أنحاء البلاد. علينا مواصلة حماية رياضتنا الوطنية العزيزة"، يقول رئيس الوزراء البريطاني.

من فرنساـ جاء انتقاد الرئيس إيمانويل ماكرون الشديد للمخطط، وقال قصر الإليزيه إن "رئيس الجمهورية يرحب بموقف الأندية الفرنسية الرافض للمشاركة في مشروع السوبر الأوروبي الذي يهدد مبدأ التضامن والجدارة الرياضية".

كما انتقد نائب رئيس المفوضية الأوربية المشروع، قائلا: "يجب أن ندافع عن نموذج أوروبي للرياضة تحركه القِيَم ويقوم على التنوع والشمول".

وقال المسؤول الأوربي، اليوناني مارغاريتيس سخيناس؛ إنه لا مجال لحصر المسابقة الجديدة بالأندية المعدودة الثرية؛ التي ترغب في قطع الروابط مع كل ما تمثله الاتحادات؛ الدوريات الوطنية، الصعود والهبوط ودعم كرة القدم الهواة على مستوى القاعدة.

أما إسبانيا التي انطلق منها إعلان السوبر الأوروبي فقد وقفت فيها حكومة مدريد بقوة في وجه المشروع.

وأعلنت الحكومة الإسبانية يوم الاثنين أنها تعارض تأسيس دوري السوبر الأوروبي الجديد لكرة القدم، وذلك عقب اجتماع وزير الرياضة الإسباني برؤساء مؤسسات وأندية.

وفي وقت لاحق، اجتمع وزير الرياضة الإسباني خوسيه مانويل رودريغيز أوريبس مع الاتحاد الأوربي للعبة، وقال في بيان إن "الحكومة الإسبانية لا تدعم مبادرة تأسيس دوري السوبر الأوروبي الذي تروج له أندية أوروبية متعددة ومنها أندية إسبانية".

وأشار أوريبس إلى أن أي تغييرات يجب أن تعود بالنفع على الدوري الإسباني والمنتخب والأندية وحتى الصغيرة منها، مضيفا: "لا نريد أن يؤثر ذلك على كرة القدم الإسبانية وإن حدث ذلك فيجب أن يكون تأثيرا إيجابيا".

الرفض الأوروبي امتد أيضا لإيطاليا؛ حيث عبرت فالنتينا فيتسالي نائبة وزير الرياضة الإيطالي بقلق بالغ من عواقب دوري السوبر الأوروبي الجديد.

أندية دوري السوبر الأوروبي، أعلنت في وقت مبكر من صباح اليوم الأربعاء، ردا على انسحاب الأندية الإنجليزية أنها ستتخذ خطوات "لإعادة تشكيل المشروع"، لكنها لم تعلن التراجع عن الفكرة.

وقالت الأندية المصرة على "السوبر" في بيان:"وفقا للظروف الحالية، سنعيد النظر في الخطوات المناسبة لإعادة تشكيل الموضوع"، في منظر يحاكي تقنية الفيديو المعروفة بـ"الفار" للتأكد من صحة القرارات التحكيمية.

لكن انسحاب ستة أندية إنجليزية، وترجيح تراجع إنتر ميلان وميلان الإيطاليين، ونادي أتلتيكو مدريد الإسباني، والمعارضة السياسية القوية في العواصم الأوربية، يعتبرها محللون رياضيون بأنها آخر المسامير في نعش المشروع؛ الذي يبدو أنه مات في مهده.