يشهد العالم من حولنا حركة حثيثة مدارها الملف الإيراني عامة، والملف النووي الإيراني خاصة، في ضوء تغير معادلات السياسة الخارجية الأمريكية بوجه خاص، بعد عودة الديمقراطيين إلى السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية: اجتماعات في فيينا وأخرى في بروكسل وثالثة في طهران، بعضها في العلن وبعضها الآخر في السر. تصريحات وتهديدات بالانسحاب وتطمينات ومناورات من هنا وهناك. والمهم أن قطار التفاوض قد انطلق مجدداً، ومن الواضح أن إيران تضع أوراق الملف النووي على طاولة المفاوضات مجدداً، وهي تبدو أكثر قوة من ذي قبل، وأقل استعداداً للتراجع أمام الضغوط.

وباختصار، وبغض النظر عن مآلات المفاوضات، فإن العالم من حولنا يتدخل في هذا الملف بشكل مباشر أو غير مباشر، بالرغم من بُعد المسافة بين الدول المتدخلة والمنطقة: الأمريكان والأوروبيون والصينيون والروس والإسرائيليون وغيرهم، إلا العرب، فإنهم يبدون خارج معادلة المفاوضات، مع أنهم الأقرب جغرافيا، وأكثر المتضررين من التمدد الإيراني العسكري والسياسي. فالعرب لوحدهم يبدون في موقع «لا حياة لمن تنادي»، للمرة الثانية خلال السنوات العشر الأخيرة، باختيارهم الجلوس على الربوة. لم يرفعوا أصواتهم ولم يستخدموا أوراقاً عديدة بحوزتهم، بل تركوا المعركة الدبلوماسية للآخرين، وأحجموا عن تسجيل حضورهم حتى كمراقبين في معادلة المفاوضات لتأمين مصالحهم أو الحد من الاضرار والمخاطر المحتملة في المستقبل.

قد يقول البعض إنه لا أحد يسمح للعرب بتسجيل حضورهم داخل هذه المعادلة الاستراتيجية، إلا أنه قول مردود، لأن عرب المنطقة، متى توحدت كلمتهم فإنهم يمتلكون العديد من الأرواق التي تجعل حضورهم في أي تفاوض حضوراً مهماً ومفيداً للجميع. وقد يقول البعض الآخر أن كل التعويل هو على الدور الأمريكي والأوروبي في تمثيل هواجس الجانب العربي ومخاوفه وعكسها على هذه المفاوضات. وهو أيضاً قول مردود، لأن مدار الخلاف بين الأمريكان والأوربيين والإيرانيين، يتعلق فقط بالمصالح وبحسابات النفوذ والسيطرة، وأن المفاوضات الحالية والتي يغيب عنها العرب، تهدف إلى تجاوز نقاط الخلاف أو تقليلها، لتحقيق تلك المصالح فقط.

فمن مصلحة أمريكا والدول الأوروبية أن تكون إيران سوقاً مفتوحة لشركاتها ولاستثماراتها، وموقعاً متقدماً في أية مواجهة مستقبلية محتملة، مع موسكو أو مع بكين. وإذا كان هنالك أي اهتمام بأي طرف آخر «من خارج منظومة خمسة زائد واحد»، فهو الحرص على تأمين مصالح إسرائيل، التي تبدو كالمعتاد بمظهر المحدق به الخطر، مما يؤمن لها استمرار تدفق الأسلحة والدعم السياسي. في حين لا أحد تقريباً يعبأ بمصالح الدول العربية في المنطقة، ومخاوفها من طموحات طهران التوسعية وبرنامجها النووي والصاروخي، بالرغم من أن هذه الدول هي التي تقف على خطوط المواجهة الأمامية. وهذا يعكس تلك العقلية الاستعمارية الغربية من ناحية، والعجز العربي المزمن، من ناحية ثانية.