محرر الشؤون المحلية

أكدت عوائل بحرينية أن السرديات والشواهد التاريخية المسموعة المتناقلة جيلاً بعد جيل من الأجداد تؤكد أن حكام الدولة الخليفية بنوا دولتهم على قواعد اقتصادية متينة وفكر قيادي رصين جعل القبائل تدخل تحت قيادتهم خاصة وأنهم هيؤوا البنية التحتية ووفروا سبل العيش الكريم في إقليم الزبارة.



وأشاروا إلى أن حرية الحركة التجارية وتأمين سير السفن كان لهما دور كبير في تعزيز موقع الزبارة على الخارطة التجارية في تلك المرحلة التاريخية.

وأشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس النواب المهندس محمد السيسي البوعينين إلى أن حكام الدولة الخليفية بنوا علاقات وطيدة مع قبائل المنطقة، لما ذاع عنهم من سمعة طيبة في المنطقة وحنكة في إدارة إقليم الزبارة.

وأوضح البوعينين أن استقطاب حكام آل خليفة للقبائل في الزبارة ومحيطها لم يتم من خلال سيطرة عسكرية على مناطق القبائل وإنما كان عبر ما يتمتع به حكام آل خليفة من سيرة حميدة ورؤية إستراتيجية في تطوير الزبارة التي تحولت إلى محطة هامة للتجارة في المنطقة وحركة للملاحة.

وقال البوعينين: «إن التوسعَ الذي قام به الشيخ محمد بن خليفة الكبير في شبه جزيرة قطر، وبناءَه لقلعة مرير بمواصفات متقدمة كانا من أبرز الأسباب التي جمعت القبائل تحت حكمه، وهذا ما يتناقله الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل وما تثبته الوثائق والمرويات الشفهية لديهم».

نهج التعايش في الزبارة

من جانبها أشارت عضو مجلس الشورى سبيكة الفضالة إلى أن حكام آل خليفة الكرام، ومنذ عهد الشيخ محمد بن خليفة الكبير، اتبعوا نهج التعايش والتسامح والانفتاح وتقبل الآخر، وكانت الزبارة تعتمد على هذه السياسة في حركة التنمية التي لم تقتصر على البناء والتشييد والتجارة فقط، بل احتضنت العلماء والمثقفين والتجار من كافة الطوائف والأديان الذين وجدوا في الزبارة نموذجاً فريداً يجمع بين حرية المعقتد واحترام الآخر.

وتطرقت الفضالة إلى فترة الوباء الذي أصاب البصرة والذي ساهم في انتقال التجار إلى الزبارة بحكم ما تتمتع به من موقع إستراتيجي وسمعة تجارية وحنكة إدارية لحكامها جعلت منها مقصداً لكل من يبحث عن حياة كريمة.

واستعرضت الفضالة ما قام به الشيخ محمد بن خليفة الكبير من بناء قلعة مرير كأحد مظاهر تعزيز الأمن وحماية شبه جزيرة قطر من أي عدوان خارجي.

ونوهت الفضالة بما ذكره المؤرخ البريطاني لوريمر حول حقبة حكم الدولة الخليفية لإقليم الزبارة حيث قالت:«انتقلت زعامة شبه جزيرة قطر لآل خليفة خلال عشرين عاماً من استقرارهم»، وذكر لوريمر أمراً هاماً وهو أن الشيخ أحمد الفاتح عندما جهز جيشه لفتح جزر البحرين في العام 1783، كانت القبائل ضمن جيوش وتحت قيادته، وهو ما يؤكد أن حكام آل خليفة تمكنوا من الاستقلال بكامل شبه جزيرة قطر في فترة قياسية قبل فتح جزر البحرين.

الحركة التجارية في الزبارة

وقال عضو مجلس الشورى نوار المحمود إن «تركيز الشيخ محمد بن خليفة الكبير في فترة التأسيس بالزبارة على التجارة وتأمين حركة الملاحة يعتبر أبرز قرار اقتصادي تم اتخاذه في هذا الوقت، خاصة وأن تلك الفترة شهدت انتشار وباء الطاعون في البصرة وهو الأمر الذي هيأ الزبارة لتكون محطة تجارية بديلة في المنطقة وجعل التجار يحولون رؤوس أموالهم لها فكان كما قالوا «خراب البصرة عمار الزبارة» التي أصحبت ذات صيت في المنطقة من الناحية التجارية ومن الناحية الاجتماعية لما تتمع به من انفتاح.

وبين المحمود أن البنيان المتطور والعمران الذي شهدته الزبارة وباقي مناطق شبه جزيرة قطر من بناء القلاع والقصور كان أحد مظاهر السيادة التي لم يعرفها أهل القبائل من قبل حاكم آل خليفة، ووفرت تلك القلاع والحصون الأمن للرعية، وظهر جلياً أن حكم آل خليفة يتمتع بالقوة والتسامح والعدالة والوفرة الاقتصادية.

وأضاف المحمود «أن حكام الدولة الخليفة كانت لهم رؤية شاملة للحكم احتوت كافة المذاهب الدينية في ذاك الوقت، على الرغم من كونهم من أتباع المذهب المالكي، إلا أنهم تسامحوا مع الطوائف والمذاهب الأخرى واستضافوا العلماء على اختلاف مذاهبهم في الزبارة، ومن خلال هذا المبدأ تم بسط السلطة القضائية التي ارتضاها جميع مواطني إقليم الزبارة، والقبائل المتفرقة في المنطقة».

توفير الدولة الخليفية للعيش الكريم

واسترجع عضو مجلس النواب السابق علي المقلة الكواري ذكريات السرد التاريخي من والديه وأجداده وأقاربه من كبار السن عندما كان صغيراً، حيث سمع منهم سرديات تدل على اهتمام حكام الدولة الخليفية بتطوير الحياة المعيشية وتوفير سبل العيش الكريم للقبائل التي وجدت في حكام الدولة الخليفية المعونة والسند في الشدائد.

وقال المقلة إن «حكم الدولة الخليفية اتسم منذ بدايات تأسيس الدولة بالحكمة والفكر القيادي الذي استطاع أن يقنع كافة القبائل أن تنضوي تحت لوائه في الزبارة، حين استطاع الشيخ محمد بن خليفة الكبير تأسيس شبكة من العلاقات مع القبائل في المنطقة، على الرغم من صعوبة ذلك بسبب الأعراف القبلية السائدة في هذا الوقت ورغبة كل رئيس قبيلة في أن يكون هو صاحب السلطة العليا، لكن الشيخ محمد بن خليفة الكبير، اتسم بالكرم والجود والعطاء واستطاع أن يوفر لأهالي القبائل إمكانيات متطورة في التجارة والصيد لم يكونوا يعرفونها، كما وفر جهازاً قضائياً يفصل في النزاعات بين أفراد القبائل بالحق والعدالة، وهو ما جعله يتمكن من توطيد علاقاته بالقبائل».

الزبارة مقصد الجميع

وأكد النائب السابق عبدالله بن حويل أن التاريخ يشهد لحكام آل خليفة بمواقفهم مع جميع القبائل، ليس في البحرين وتوابعها فقط، ولكن أيضاً في الجزيرة العربية حيث كانت لهم نظرة تسامحية في التعامل باحترام وتقدير مع الصغير قبل الكبير، وكان خيرهم يعم على قبائل المنطقة منذ بداية حكم الشيخ محمد بن خليفة الكبير، وحتى اليوم.

وأوضح أن المحبة والتواضع والدعم المتواصل من حكام آل خليفية على مر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وامتدادا للقرن الحادي والعشرين، لأهالي وقبائل منطقة الخليج كانت أسباباً رئيسة في أن تضع القبائل لها موطئ قدم تحت مظلة حكم الدولة الخليفية.

وقال: «اليوم تجد أن البحرين على الرغم من صغر حجمها بين دول الخليج، إلا أنها تعتبر ملفى الأياويد من قبائل الجزيرة العربية، وفيها من قبيلة فرع ونسل فضلوا البقاء في البحرين».

وأشار بن حويل إلى أن التجارة من الأسباب التي جمعت القبائل تحت مظلة حكم الشيخ محمد بن خليفة الكبير في تلك الفترة، حيث وفر في الزبارة الإمكانيات غير المسبوقة في المنطقة لتسيير التجارة والتأمين في الموانئ وتنظيم حركة السفن، والذي وفر للمقيمين فيها الغذاء والماء والحياة الرغيدة التي جعلت كل أبناء القبائل يرغبون في العيش ضمن حدود الدولة الخليفية، وذلك بعد أن ساهم تطويرُ البنية التحتية للزبارة وميناؤُها في أن تتحول إلى مركز اقتصادي بارز في شبه جزيرة قطر، بحسب ما ذكره المؤرخون لهذه الحقبة المحورية من تاريخ المنطقة.