حينما تضيع القيم وتقتل المبادئ، يطغى كل شر، ويسود الكذب، ويعم النفاق، وتكثر الخيانات، وتقل البركة، ويزيد الفساد، ومهما حاولنا إصلاح الأمور فلن نجد التوفيق من الله عز وجل.

مشكلة هذا الزمان أنه يجعلك قسراً تتصادم مع مبادئك، ويجعل عملية بيع القيم تجارة رابحة للبعض.

وللزمان تقلبات، بعضها يكسر الهش، وبعضها يلوي القوي، وبعضها يختبر قوة تحمل الصابر المحتسب، وبالتالي من يأمن الزمان مخطئ، ومن يظن أن الزمان لا ينقلب، وأن المعايير لا تتبدل واهم، فهذه الدنيا صناعة إلهية، لكن ما يدور فيها صناعة بشرية، وحينما تستشري الصفات السيئة في مجتمع، وتكون أصل ممارسات أفراد فيها، والخطير أن يكونوا مؤثرين فيها، فهنا يكون الاستهداف فورياً للمبادئ والقيم.

النفس البشرية أمّارة بالسوء، وللوقوع في مستنقعات السوء يبدأ المشوار بالتخلي عن المبادئ والقيم، وطبعاً قبلها الدين، كونه هو أصل القيم والمبادئ التي كرم الله بها بني آدم عن العالمين.

وحينما تتحول القيم والمبادئ شعارات فقط، تقابلها ممارسات تخلو منها، ولا تقيم لها وزناً أو اعتباراً، هنا نكون في مرحلة مقامرة برحمة الله، حينها نكون سائرين بعكس ما يفترض بنا السير عليه، فنحارب نظيف اليد نقي السريرة، الصادح بالحق الرافض للباطل، وحينما ننجح في إسكات أهل الحق يسود الباطل، في معادلة واقعية تثبت صحتها على الدوام.

لذا نقول إنها مشكلة، حينما ترى الظروف وكأنها تفرض عليك التخلي عن المبادئ والقيم حتى «تسلك» معها، أو تسلك مع صانعيها، حينما ترى المقدرات مكتوبة لمن يتخلى عن مبادئه ويكون تابعاً لمبادئ غيره، حينها الرجولة تنتفي، وحينها تخنق الأصوات، ويكف الناس عن قول الحق، خوفاً على أرزاقهم، وخوفاً على من يعولون.

ما قيمة الإنسان بلا مبدأ؟! ما قيمته وهو يتخلى عن «السليقة» التي خلقه الله عليها؟! وسليقة البشر التي جبلوا عليها أساسها نبتة خير زرعها المولى عز وجل فيهم، التحدي أمامهم أن يحافظوا عليها ويصونوها ويتصدوا لأي مؤثرات تجعل الإنسان السوي يتحول لآخر دنيء.

هناك من يؤثر التضحية بكل ما يملك من أجل قيمه، هناك من يؤثر تفويت الفرص وتضييع المغريات؛ لأن مبادئه لا تقبل الخطأ، وعلى النقيض هناك من يبيع كل شيء، الضمير والقيم والأخلاق وللأسف حتى العرض من أجل مكسب رخيص، هو رخيص ولو كان عالي الثمن وغالي القدر، فلا حياة دون كرامة، ولا كرامة دون مبادئ.

لا عزة لإنسان لا يصر على العيش عزيزاً، ولا خير في بشر يرى الحق ولا يتبعه ويرى الباطل فيهب منغمساً فيه.