كتبت - شيخة العسم ونور القاسمي:
ناشد يمنيون عالقون في البحرين، جاؤوا ضمن مشاركات في فعاليات مختلفة قبل بدء عمليات «عاصفة الحزم» العسكرية، حكومة المملكة لمساعدتهم في إعادتهم إلى بلادهم وتوفير مساكن لهم وتجديد إقاماتهم ومبالغ رمزية يقتاتون منها بعدما تقطعت بهم السبل.
وأشاروا في تصريحات لـ«الوطن»، إلى أن مبادرة «ساندهم» ووزارة التنمية الاجتماعية ومكتب الأمم المتحدة ساعدوهم، لكن السكن ينتهي خلال اليومين القادمين وكذلك الإقامات، وهناك آخرون بلا إقامات ولا يعرفون مصيرهم.
وحمل مسافرون عالقون قدمو من الهند أحدى شركات الطيران مسؤولية انقطاعهم في البحرين بعد يومين من بدء «عاصفة الحزم»، رغم علمها بالحظر الجوي المفروض على الطائرات المتجهة إلى اليمن، وتحملوا العيش مدة شهر في مسجد، بعدما تركتهم «طيران الخليج».
وما بين «جائزة الأميرة سبيكة للأسر المنتجة»، ومؤتمر للأمم المتحدة بمقره الإقليمي في البحرين، والركاب القادمون من الهند، يظل 10 يمنيون ينتظرون المصير المجهول للعودة تحت رحمة البحث عن حلول لوضعهم، أو ينتظر ون الفرج القريب.
أتمنى الموت في بلدي
قال أحمد رئيس وفد حضر إلى البحرين بدعوة من المجلس الأعلى للمرأة للمشاركة في جائزة الأميرة سبيكة للأسر المنتجة، «منذ ثلاث سنوات نحضر إلى البحرين للمشاركة في هذه الفعالية، لكن هذه المرة وقبل عودتنا بأيام صدمنا خبر الضربة والحظر الجوي، خاصة أننا قبل خروجنا من اليمن كانت الآمال معلقة على الحوار والتفاهم بين الأطراف»، مضيفاً «لم نستوعب المشاكل التي ستواجهنا».
وأشار المسؤول إلى أنهم اتصلوا على أهلهم في اليمن للاطمئنان، فوجدوا أن الأوضاع أصبحت مأساوية، وأن انقطاع التيار الكهربائي زاد من مخاوفهم على أهلهم في اليمن، مضيفاً «لم نعمل حسابنا ولم نكن نعرف مستقبلنا القادم وما سيؤول إليه وضعنا».
وصل الوفد اليمني المشارك في جائزة الأميرة سبيكة للأسر المنتجة إلى البحرين بتاريخ 23 مارس الماضي، وكان من المقرر أن يستمر وجودهم حتى 28 مارس، ليعودوا أدراجهم إلى بلدهم، ولكن «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن»، وكتب عليهم الانتظار، ويقول رئيس الوفد «كانت مشاعرنا مختلطة بين الخوف والحذر، أسئلة كثيرة كانت تدور في أذهاننا، بعد التاريخ المقرر لإنهاء الفعالية واستضافتنا ماذا سنفعل بعدها أين سنذهب؟ أين سنسكن؟، كيف سنصرف والمبلغ الذي لدينا لا يكفي مع الواقع الذي فرض علينا، عشنا ليالي وقلبنا ينقسم بين بلدنا وبين حالنا».
وأضاف «بعد أن هدأنا قليلاً توقعنا أن الوضع لن يطول أكثر من أسبوع إلى عشرة أيام وسنرجع إلى بلدنا والآن أصبحنا أكثر من شهر ولكن بدون أي فائدة، حيث إننا يجب أن نأخذ موافقة تأشيرة المرور من المملكة العربية السعودية أو عمان عن طريق البر، وكون طريق عمان أبعد بكثير فخيارنا الأمثل المملكة العربية السعودية ولكننا حتى الآن لم نحصل على تأشيرة المرور حتى بعد إرسال السفارة اليمنية طلباً للسفارة السعودية والعمانية».
وقال «في ليلة 28 مارس، وبعد انتهاء فترة الضيافة من قبل مضيفنا وهو المجلس الأعلى للمرأة زارنا وفد من وزارة التنمية الاجتماعية حيث تكفلت بإسكاننا في شقتين «لي ولزميلي شقة وزميلتي وابنتها شقة أخرى، كما قامت وزيرة التنمية مشكورة باستضافتنا شخصياً مع وكلائها المحترمين في مكتبها وتبادلنا أطراف الحديث والوضع الحالي لنا، بعدها قدمت لكل فرد منا مبالغ رمزية من الوزارة وأنا أقدر هذا الكرم من الوزيرة».
وأردف «ولكن الواقع مر، وللأسف رجوعنا لبلدنا الأم هو مشكلة حقيقية، فوزارة التنمية كما أخبرونا أنهم مسؤولون عن سكننا حتى تاريخ 1 مايو، في حين أن الإقامة تنتهى بتاريخ 2 مايو، ماذا سنفعل ما هو مصيرنا أين سنذهب، ورجعت المخاوف من جديد».
وناشد كبار المسؤولين بالبحرين لتكملة مسيرة وزارة التنمية بأن يفعلوا ما هو متوقع من هذا البلد الكريم المعطاء، فنحن ضيوفهم ونتوقع الكثير من الكرم من دولتنا الحبيبة البحرين»، مضيفاً «لا أنكر أنني مرتاح جداً بالبحرين فالبلد متطور وأهله طيبون وكرماء جداً، ولكن ما أريده حقاً أن أكون بين أهلي في محنتهم احتضن أولادي أخفف من خوفهم، صحيح أنني لن أمنع عنهم الموت فكل شيء بقدر الله عز وجل ولكن أريد أن أشعرهم نفسياً بالأمان وأريد لو كتب الله لي الموت أن أموت بينهم».
أم وابنتها
ومن المشاركات في جائزة الأميرة سبيكة للأسر المنتجة، ناشطة نسائية ورئيسة ثلاثة مراكز نسوية في اليمن وابنتها، تتصاعد مخاوفهما كلما انقطع الاتصال مع بقية الأسرة في اليمن، والأم الأكثر حزناً، إذ تقول «لا أنكر أنني أصبر زملائي وابنتي، ولكن ما يحمله قلبي من هم وحزن على بناتي اللاتي في اليمن لا تشعر به إلا أم مثلي يحترق قلبها على رؤية بناتها وليس فقط رؤية بل خوفاً حقيقياً من عدم رؤيتهم مرة أخرى»، وتضيف «المنتدى الذي حضرت للبحرين لأجله لا يطول عن خمسة أيام، وما سمعنا وما حدث لنا هو أمر لم يخطر على بال أحد، لم نكن نتوقع أن تطول «عاصفة الحزم»، وتحجب الممرات والمنافذ لليمن، لو علمنا بهذا لما خرجنا من بلدنا وتركنا عائلتنا في الأساس».
وتوضح الفتاة آلاء «أكبر مخاوفي ألا أرجع إلى بلدي ويطول بقائي بعيداً عن أهلي»، مضيفة وصوتها يرتعش «اشتقت لأخواتي كثيراً، والإنترنت الوسيلة الوحيدة التي تربطنا وتوصلنا بهن، لكنها أحياناً تنقطع ليومين وهنا تنقطع أنفاسنا خوفاً من ألا نسمعهن أو لا نتواصل معهن مرة أخرى، فتتبادر إلى أذهاننا تخيلات لا يمكن تصورها لما نسمعه من أحداث مخيفة بين أزقة اليمن».
الخوف من طول المدة
هما ضمن 10 أشخاص عالقين في البحرين فيصل وزميلته حياة، قصتهما لا تختلف عن السابقات، جاءا إلى البحرين لحضور مؤتمر نظمته الأمم المتحدة في البحرين، في 20 مارس الماضي، وكانت ترتيبات عودتهما في 26 مارس، ذات يوم بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي الإسلامي «عاصفة الحزم».
الجهة المنظمة للمؤتمر حجزت لهما في فندق، كما يقولان «باهظ الثمن»، الأمر الذي اضطرهما للخروج منه بحثاً عن فندق أقل كلفة، وبأموالهما الشخصية، وغيرا أماكن إقامتهما ثلاث مرات خلال 14 يوماً عاشا فيها على نفقتهما الخاصة، في حين كانت الأمم المتحدة الجهة المستضيفة لهما تراسل مكاتب باريس وواشنطن لإيجاد حل لهما ولكن دون جدوى، أخيراً استأجر المدير العام للمكتب الإقليمي للأمم المتحدة بالبحرين سكناً لهما في 8 أبريل الماضي لمدة شهر فقط.
وقالا إنهما لا يعاتبان مكتب الأمم المتحدة خصوصاً أنه مكتب تمثيلي فقط وإمكاناته قليلة وليس جهة رسمية في البحرين تتكفل بكافة مصاريفهما وسكنهما.
وأبدى الضيفان تخوفهما من أن تطول المدة أكثر، خصوصاً مع قرب نهاية فترة السكن الذي وفرته الأمم المتحدة في الثامن من مايو الحالي دون أن يرسما خطة أخرى أو مكاناً يتوجهان إليه.
وأضافت حياة «كان علي أن أنهي محاضراتي وعرضي، ولكن ما حدث في اليمن أثر علي كثيراً وعلى حديثي كنت مرتبكة طوال اليوم لم يكن عرضي لأطروحاتي كما هو متوقع».
وذكرت «اليوم مصيرنا غير واضح من سيساعدنا أن نكمل حياتنا من سكن واحتياجات شخصية، لا نريد أن نكون عالة».
واقترحت أن تستفيد البحرين من خبراتهم «نحن مستشارون ومهندسون وغير ذلك، ومن الممكن أن نعمل بشكل مؤقت فيستفاد من خبراتنا وأن يكون لنا مردود مالي، ويمكن أن ننضم للجمعيات التطوعية بمبالغ رمزية تساعدنا لحين العودة إلى بلدنا اليمن».
3 أشخاص يقيمون في مسجد
قصة أخرى لثلاثة عالقين، لم تكن البحرين وجهتهم لحضور مؤتمر أو للسياحة، إنما لعبت شركة الطيران دوراً في أن يعلقوا بالمملكة، أسبوعاً كاملاً قضوه في مطار البحرين الدولي، وأسبوعاً في فندق على حساب شركة الطيران، ومنه إلى المسجد.
شابان يافعان وسبعيني كفيف، ركبوا إحدى الطائرات بعد يومين من بدء عمليات «عاصفة الحزم»، من الهند ووجهتهم صنعاء، فطال السفر ، وقالوا إن شركة الطيران كانت تعرف أن حظراً جوياً كان مفروضاً على الطائرات المتجهة إلى صنعاء، لكنها سمحت لنا بالركوب، وكانت تعرف وجهتنا النهائية».
وقال الشابان إنهما عندما ركبا الرحلة لم يكونا يعلمان بالأوضاع التي تمر بها اليمن حينها، لظروف سفرهما البعيدة والتي تحتم عليهما الابتعاد عن وسائط الإعلام والصحف.
وبعد أسبوع من إقامتهم في مسجد مطار البحرين الدولي، وفرت لهم الشركة إقامة في فندق لمدة أسبوع فقط، وطلبوا منهم مغادرة الفندق ليلة اليوم الثامن في الساعة العاشرة ليلاً دون أن يعرفوا إلى أين يذهبون أو إلى من يلجؤون ودون أن يملكوا أي مال، فاختاروا المبيت في مسجد بحي بحريني بعد استئذانهم من إمام المسجد وظلوا على ذلك.
أملهم أن تلتفت لهم الجهات الحكومية في البحرين وتقدم لهم يد العون، خصوصاً أن شركة الطيران احتجزت جوازاتهم، وبالتالي لجؤوا للسفارة اليمنية في البحرين لأن ترد إليهم جوازات سفرهم لكن دون جدوى، واكتفت بأن تعطيهم ورقة تحوي أسماءهم وأرقام جوازاتهم لا تعترف فيها ولا جهة حكومية في البحرين، مما يصعب عليهم سهولة الحركة أو الحصول على الخدمات الصحية.
وبعد مضي أكثر من شهر من المعاناة ساعدتهم مبادرة بحرينية أطلقها شباب بحرينيون لمساعدة العالقين اليمنيين في البحرين «ساندوهم» والتي تكفلت باستئجار سكن لهم ريثما تتحرك الجهات المعنية الحكومية.
مبادرة «ساندهم»
أطلق شباب بحرينيون وعرب مبادرة شبابية تطوعية «ساندوهم» تهدف إلى مساعدة اليمنيين العالقين في البحرين.
وقال عصام القراضي رئيس المبادرة «نحن شباب بحرينيون وعرب، كونا فريقاً لمساعدة ضيوفنا، وأضاف إن ساندوهم مبادرة خرجت للنور بعد أن سمعنا ما آل إليه حال أهلنا نتيجة للوضع في اليمن، مؤكداً أن الفكرة لم تأت تكرماً ولا عطفاً، فهي واجب ديني وأخلاقي وإنساني، وما قمنا به هو ما تربينا عليه ما تعلمناه».
واستطاعت المبادرة حتى الآن توفير سكن متواضع لثلاثة عالقين وصلوا للبحرين عبر إحدى شركات الطيران، وتأمين مبالغ رمزية للإخوة العالقين.
وأضاف على باحاج أحد أعضاء المبادرة «مبادرتنا تركز على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي ولا تغني أبداً عن الدور الرسمي والحكومي المنشود في معالجة ملف الإخوة العالقين. مبينا نحن لا نستطيع تأمين منحهم الإقامات الرسمية أو تأمين الرعاية الصحية لهم، وغير ذلك من متطلبات الحياة الأساسية والتي هم في أمس الحاجة لها».
وناشدت مبادرة «ساندوهم» صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حفظه الله، التوجيه بتأمين عيش كريم وتسهيل إقامة إخوته وأبنائه اليمنيين العالقين بالمملكة إلى حين عودتهم لأهلهم وديارهم سالمين، مشيراً إلى ما تعودناه من سمو رئيس الوزراء في مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة والمعقدة.