«دعني أخبرك أمراً هاماً وصريحاً، إنني لم أعمل يوماً في عمري». كان هذا رد -لأحد الدكاترة الأكاديميين المتخصصين في الرياضيات والذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير- على سؤال عرض عليه في أحد اللقاءات الثقافية «دكتور هل توافق على مبدأ العمل 8 ساعات في اليوم و5 أيام في الأسبوع؟».

كيف لم يعمل قط!! الجواب وقع بداية على مسامعي كالصاعقة.

واستهل الدكتور الجليل بعد هذه الجملة التي أثارت تعجب الجميع قائلاً: «كل عمل زاولته كان للرياضيات نصيباً منه، أي بالنسبة لي الماء العذب الذي يروي ظمأ السنين، فأنني عاشق للرياضيات ولم أتعامل معها يوماً كمهنة بل حقيقة أعيش شغف العلم والتعلم والتعليم بها إلى أبعد الحدود. والأمر لا يحتاج إلى مجهر كي ترى الرياضيات وتفاصيلها في كل مفصلات حياتي. وأنا اليوم متقاعداً بقوة القانون ولكنني لم أتقاعد في أن أقدم العلم والمعرفة للجميع ولكل من يقصدني لينهل من مسيرة عامرة بالعلم وعلوم الرياضيات التي عشتها». كلام هذا الدكتور الجليل كان درساً عميقاً قدمه لجميع السامعين في أقل من دقيقتين. واسمحوا لي أن أضيف أفعالاً تترجم ضحالة التفكير التي يقوم بها البعض والذين ينظرون للعمل بأنه فقط راتباً يتقاضونه نهاية الشهر دون أن يقوموا بتأدية أمانة هذا العمل بالشكل الصحيح. فالسيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها ذكرت عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».

ومبدأ الإتقان هنا يتوجب علينا سواء كنا نحب هذا العمل أو كونه مفروض علينا، من المنزل أو مكان العمل وأن نخلص النية ونقدّم أحسن ما عندنا فهذا واجب لإرضاء الله عز وجل قبل العباد. فإن كان العمل يتمثل بالرزق، فإن إتقانه يعتبر «أمانة». والإخلال بالأمانة ليست مبرراً إن كنا نعمل في مكان لا نشعر بالراحة به أو نشعر بالغبن بما يمارس علينا من اضطهاد ولكن حقّ علينا أن نقدم أفضل ما عندنا أو بكل بساطة ننسحب أيضاً بأدب. فلنتذكر دائماً أن الله عزّ وجلّ «لا يضيع أجر من أحسن عملاً». وأنه دائماً ما يكون الجزاء أو الحساب من جنس العمل عاجلاً أو آجلاً.. فلنتق الله في أنفسنا ومكان عملنا ونستقيم.