الثورة التكنولوجية الصناعية والتقنية الرابعة التي يشهدها عالمنا المعاصر هي في واقعها امتداد لأفكار وجهود المبتكرين والمبدعين ولازلنا لا نعرف عن حياتهم شيء وكيف اجتهدوا ودرسوا وإنتاجهم الإبداعي هو الذي قاد العالم ويقوده الى اليوم عندما نستهلك ما اخترعوه سواء في التكنولوجيا أو الإنتاج الفكري ولكننا نجهل الكثير عن حياتهم وكيف اخترعوا كافة أنواع التكنولوجيا مثل وسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات كالهواتف الذكية والمواصلات وجعلوا الإنسان يعيش في حياة من الرفاهية التي تزداد سهولة يوم بعد يوم وغيرها رغم كل ذلك معظمنا لا يعرف عن التفكير الإبداعي شيئاً حتى في بعض المؤسسات التعليمية لا يوجد فيها مقررات لتدريس التفكير الإبداعي لاعتقادهم أن الإبداع هو نسج من القضايا الكمالية يختص بها الشعراء والفنانين ولذلك عندما ارادت اليابان أن تأخذ مكانتها الحضارية في العالم وتنهض بعد قنبلة هيروشيما لم تقبل استيراد العلوم والتكنولوجيا والصناعات من الغرب وأمريكا وتصبح كمستهلك لها وخاصة أنها دولة ليس بها موارد طبيعية وثروات ولذلك قاموا بأرسال البعثات التعليمية إلى أرقى الجامعات ودرسوا علومهم ومن هم وراء هذه المخترعات الإبداعية وكيف وصلوا إلى هذه المرحلة وما هو نظامهم التعليمي وعلومهم مع التمسك بتراثهم وثقافتهم ثم حققوا السبق الحضاري عن الغرب وأصبحت صناعاتهم تسابق الصناعات الغربية وأصبحت أسواق العالم كلها تفضل استيراد الصناعات اليابانية ولاتزال اليابان تحقق تطور صناعي وحضاري مذهل وصدق المثل الصيني الذي يقول لنا «لا تعطيني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها».

الإبداع ذو أهمية استراتيجية خاصة للتعليم الناجح الذي يغرس في الطلبة مهارات التفكير الإبداعي والنقدي لذا أكدت منظمة اليونسكو أن تعليم المستقبل ركيزته التفكير النقدي الإبداعي فلا تميز في التعليم بدونه فلم يعد التعليم هو ذلك الذي يهتم بوضع قوالب جامده من المناهج الدراسية لا تتغير بتغير المكان والزمان فالمعرفة العلمية مستمرة وسريعة التطور لا تتحقق في ظل جمود فكري وبيروقراطية تعوق مسيرة التعلم إنما تتحقق في ظل من يعطون التفكير الإبداعي والنقدي قيمته ومكانته في التعليم وكيفية تنميته الذي له شروط وأسس دونها لا يتحقق التميز والإبداع وأثبتت ذلك نتائج الدراسات والبحوث العلمية والتربوية للمفكرين والعلماء وأهم ما تم التوصل إليه واتفق عليه الجميع في العالم أن التعلم الإبداعي يتطلب وجود البيئة التربوية المدرسية الحاضنة للإبداع بأركانها المتعددة سواء المعلم المتميز أو المنهج الدراسي أو المبنى المدرسي أو الإدارة المدرسية الحرفية فلا ينمو التفكير الإبداعي عند المتعلم إلا في بيئة تعليمية يسودها تفكير مرن في التعامل والتواصل بين كل أطراف العملية التعليمية وذلك لأن التعليم هو في حقيقته مشروع تنمية للمورد البشري وثمرتها هو المتعلم الذي هو بدوره انسان له أحاسيس ومشاعر وعواطف وقد يعاني من مشكلات نفسية وأمراض فهو ليس جهاز الكتروني نريد برمجته على حسب ما نريد ونزوده بما نشاء من المعلومات والحقائق ونمتحنه فيها وننتظر النتائج دون الأخذ في الاعتبار وكذلك المعلم ليس هو جهاز ريبورت إلكتروني نقوم بشحنه بمعلومات ومهارات مجهزه سلف ونطالبه بتنفيذها.

لذلك أهم شروط التعليم الناجح بجانب ادخال التكنولوجيا مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب وأن كل طالب له خصوصيته وهذا ما تطالب به منظمة اليونسكو الدول لتعليم المستقبل القائم على مبدأ «تعلَّم لتصبح الإنسان الذي تريد»، ومن هنا ننطلق الى التعلم الإبداعي وإيجاد عقل منفتح يقوم على التفكير النقدي والإبداعي والاستنتاجي والاستنباطي وغيرها من مهارات التفكير العليا التي تترابط فيما بينها وهي التي تعطي التعليم جودة نستثمر منه ما يفيدنا وينفعنا للمستقبل فما نغرسه اليوم سوف نجنيه غداً وجودة مدخلات التعلم هي التي تحقق جودة مخرجاته وبذلك يكون هذا النوع من التعليم الإبداعي بحاجه إلى دعم وشراكة مجتمعية لتحقيق التميز والريادة بصورة أكثر فعالية.