تأتي مشاركة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد في القمة التشاورية لقادة المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المنتظر عقدها في الرياض الثلاثاء الخامس من مايو الجاري، لتؤكد أن البحرين، قيادة وحكومة وشعبا، كانت وما زالت حريصة على بذل كل ما تستطيع وبالتعاون مع شقيقاتها الخليجيات لمجابهة أية عقبات تواجه مسيرة وحدة دول التعاون، أو تنال من أمنها واستقرارها.
وتجيء المشاركة البحرينية في أعمال القمة المرتقبة، في وقت يحبس فيه الجميع أنفاسه انتظارا لما قد تسفر عنه تطورات الأوضاع في المنطقة على خلفية ما تشهده من أحداث جسام ربما تغير وجه العالم مستقبلا، سيما في ظل التهديدات التي تواجه دول التعاون الخليجي على الصعد كافة، وحاولت النيل من ترابها الوطني ومقدراتها، وسعت لتقويض مسيرتها الوحدوية، وتحتم ـ في الحقيقة ـ التنسيق والتشاور المسبق بين القادة والزعماء الخليجيين، خاصة قبيل اجتماعهم المنتظر مع الرئيس الأمريكي في كامب ديفيد منتصف الشهر الجاري.
وكان وزراء خارجية دول التعاون الخليجي قد اجتمعوا في لقاء تحضيري الخميس 30 إبريل لمناقشة جدول أعمال القمة التشاورية المرتقبة، وذلك لدراسة الترتيبات المناسبة كي تخرج اجتماعاتها بالنتائج المرجوة لها في ظل الآمال الكبيرة المعقودة عليها لمواصلة استكمال مسيرة العمل الوحدوي لدول المجلس، والتعاطي مع مستجدات الوضع في اليمن بهدف تعزيز الشرعية الدستورية واستئناف العملية السياسية هناك وفق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، إضافة إلى التطورات التي يفرضها اتفاق "لوزان"، وأثر كل ذلك على توازنات القوى في منطقة توصف باعتبارها الأكثر محورية وسخونة وتوترا في العالم.
وواقع الأمر، أن القمة الخليجية التشاورية وبحضور فاعل من القيادة البحرينية التي لا تترك مناسبة بهذه الحيوية إلا وشاركت فيها بوفد عال المستوى يتقدمه جلالة العاهل المفدى الذي يحرص دوما على كل ما من شأنه دعم أواصر اللحمة الخليجية، تحظى باهتمام كبير من السياسيين والمراقبين، فضلا عن الشعوب الخليجية ذاتها، ويرجع ذلك لأكثر من عامل:
أولها: توقيت انعقاد القمة، حيث الظروف والأجواء المحيطة التي سبقتها وتخللتها، ولعل أبرزها انتهاء عملية عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية في اليمن الشقيق، وبدء عملية إعادة الأمل التي تهدف لوضع اليمنيين من جديد على بداية طريق التنمية والتقدم، فضلا بالطبع عن الأوامر الملكية السعودية الأخيرة بتعيين ولي عهد وولي ولي عهد جديدين، والتي اعتبرها مراقبون رسالة لكل من يهمه الأمر بمواصلة عمليتي البناء والتحديث، وربطوا بينها وبين الانتهاء من العمليات الحربية ومواجهة مليشيات الحوثيين في خاصرة شبه الجزيرة العربية.
ويبدو هذا التوقيت مهما بالنظر إلى ما أفرزته هذه الظروف في مجملها من تداعيات ومخاطر، وما فرضته من تحديات وتهديدات تستوجب سرعة التعامل معها ومواجهتها بمنطق ورأي واحد، حيث الحاجة لموقف سياسي ودفاعي وأمني واقتصادي واحد في مواجهة خارطة التهديدات المشتركة التي تحتم التعاطي معها من فوق جبهة أمنية واحدة، وهو ما أكدت عليه البحرين على لسان وزير داخليتها الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، وذلك في الاجتماع التشاوري الـ16 لوزراء الداخلية الخليجيين الذي استضافته العاصمة القطرية الدوحة يوم الـ 29 من إبريل، وذلك قبل أيام من انعقاد قمة القادة الزعماء.
ثانيها: طبيعة القضايا المحورية التي يتعين على قادة الدول الخليجية اتخاذ قرارات مصيرية بشأنها، وهي بلا شك قضايا حيوية تمس استقرار دول المنطقة في مجموعها وأمن شعوبها، ويأتي في مقدمة هذه القضايا الملف اليمني، حيث ضرورة البناء على ما حققته عملية عاصفة الحزم من نتائج ومواصلة الإجراءات التي تستجيب لنداءات الشعب اليمني في استعادة الأمل وبدء مستقبل جديد بعيدا عن التوتر الذي تفرضه مليشيات الحوثيين، وتهدد بتقويض السلم العام هناك، وهو ما يضاف بالتأكيد إلى الملف النووي الإيراني، إذ إن هناك ضرورة لبحث وتدارس المستجدات الناتجة عن مفاوضات مجموعة 5+1 مع إيران، والتي أسفرت عن اتفاق إطاري مبدئي تم التوصل إليه في لوزان، يأمل القادة الخليجيون أن يؤدي إلى اتفاق شامل يسهم في تعزيز أمن المنطقة واستقرارها وبما يضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، وينسجم مع كافة المعايير الدولية، ويعالج المشاغل البيئية لدول المجلس، بحيث يوضع تحت الإشراف الكامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك حسبما نص البيان الصادر عن الاجتماعات التشاورية لوزراء الخارجية دول المجلس في الرياض نهاية شهر إبريل الماضي.
هذا فضلا عن القضية المحورية الأبرز، وهي اللقاء المنتظر أن يجمع قادة دول التعاون مع الرئيس الأمريكي في قمتهم التي يستضيفها منتجع كامب ديفيد منتصف شهر مايو الجاري، ويلاحظ هنا أن القمة التشاورية الخليجية تسبق انعقاد القمة المنتظرة بنحو أسبوع كامل، وتستهدف ليس فقط التباحث بين حليفين مهمين امتدت العلاقات الاستراتيجية بينهما على مدار عقود وعقود، وشملت الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية، علاوة على السياسية، والتشاور بشأن سبل حلحلة النزاعات والتوترات الإقليمية المختلفة، ومنها الملف اليمني بطبيعة الحال، وإنما تطمين دول المنطقة وتهدئة مخاوفها بشأن اتفاق لوزان وما قد يستتبعه من نتائج إذا لم تحد طهران من تدخلاتها الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول العربية.
ناهيك بالطبع عن جملة القضايا الأخرى التي تئن من وطأتها المنطقة ككل، وتلقي بتداعياتها على أمن دول المجلس، وهي متغيرات خليجية وإقليمية عديدة، منها الأوضاع الأمنية غير المستقرة في سوريا والعراق، والتدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية للدول، والتي تثير توترا ونزاعات بينية، وخطورة ظهور اتجاهات فكرية عنيفة تعادي الدول والمجتمعات، تحاول فرض سطوتها بأفكارها وجرائمها على حاضر ومصير شعوب المنطقة برمتها، وتستدعي سرعة ووحدة الرد عليها.
وتفرض كل هذه التطورات والمستجدات العمل من أجل تعزيز التعاون والتكامل الخليجي ـ الخليجي لمواجهة هذه المتغيرات من جهة، والترتيب لتبني نهج سياسي جديد يستشرف مستقبل المنطقة من جهة أخرى بحيث يمكن وضع هذه التحديات والمخاطر ضمن الأولويات السياسية لدول المنطقة والاستعداد لمجابهتها جيدا.
ثالثها: ضرورة تحقيق الحلم الخليجي في الوحدة باعتبارها أساسا لازما للتعاطي مع تداعيات المرحلة الراهنة التي تمر بها المنطقة العربية، وهي قضية قومية تمثل هما مشتركا وأولوية عالية بالنسبة لشعوب وقادة وزعماء دول الخليج في قمتهم التشاورية، وذلك لأكثر من سبب، ليس فقط للتحديات الخطيرة التي يواجهها الإقليم، وأشير إليها سلفا، ولا بسبب تطلعات الشعوب في تحقيق حلم مشترك طال انتظاره ويوصف بأنه قاطرة إنقاذ وحماية للمنطقة ومقدراتها ومكتسباتها، وإنما بسبب كون هذه الوحدة باتت واقعا ملموسا إثر عملية عاصفة الحزم وما تلاها، وجسدت على الأرض الطموح الذي تشترك في السعي إليه غالبية الشعوب الخليجية، التي وجدت أن الأمة بأسرها يمكن أن تجتمع وتجمع على قرار واحد من حيث التخطيط والتنفيذ، وإنها قادرة على اتخاذ موقف موحد والالتزام به في برهان ساطع على روح التعاون الحقيقية التي بمقدورها تخطي كافة الصعاب والعراقيل.