ها هو رمضان يلملم حقائبه ويتهيَّأ للرحيل، كان ضيفاً يؤلِّف بين القلوب ويهذِّب النفوس ويسمو بها. فما بال شهر الصوم يمضي مسرعاً، ولكأنه زائر يتعجل؟ ها قد رحلت أيها الحبيب بعد أن قضينا نهارك في الصيام، وقراءة القرآن والدعاء، وقضينا ليلك في الصلاة والاعتكاف والابتهال، وصلة الرحم، واجتهدنا في فعل الصالحات طمعاً في رضا رب العالمين، وفي الأجر والثواب، وقضينا أياماً وليالي ندرب أنفسنا على الصبر وضبط النفس وضبط رغباتنا وشهواتنا، ليكون شهر رمضان خير وسيلة لتدريب نفوسها على الانضباط والتحكم فيها، فما أصعب ترويض النفس! لعمري إنه لأصعب من ترويض الخيول فقد قال الشاعر البوصيري:

والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على

حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم

فاصرفْ هواها وحاذرْ أنْ تُوَلِّيَهُ

إنَّ الهوى ما تولَّى يُصمِ أوْ يَصمِ

وَراعِها وهيَ في الأعمالِ سائِمة ٌ

وإنْ هِيَ اسْتَحْلَتِ المَرْعَى فلا تُسِم

كَمْ حَسَّنَتْ لَذَّة ٍ لِلْمَرءِ قاتِلَة ً

من حيثُ لم يدرِ أنَّ السُّمَّ في الدَّسَمِ

ها هي الأيام انقضت فدعونا نجعل أيام رمضان بداية لصفحة جديدة في حياتنا فنتخلص من بعض التصرفات والسلوكات الخاطئة التي أدمنا عليها ويصعب علينا أن نقلع عنها، فمن اعتاد على التدخين ليجعل في أيام رمضان الخطوات الأولى للإقلاع عن التدخين والتخلص من هذه العادة السيئة، وكذلك يفعل من ابتلي بشرب الخمر أو البيرة أو تعاطي المخدرات، فكان الإدمان بلاءً في دمه يشق عليه علاجه فليجعل من أيام هذا الشهر الفضيل الخطوة الأولى للتخلص من هذا الابتلاء. ولنذكر قول الشاعر جابر قميحة:

من كان يهوى الخمرَ عاش أسيرَها

وكـأنـه عـبـدٌ بـلا إعتاق

الـصـومُ تـربيةٌ تدومُ مع التُّقَى

لـيـكونَ للأدواءِ أنجعَ راقي

هـو جُـنـةٌ للنفس من شيطانِها

ومـن الصغائرِ والكبائرِ واقي

وكذلك نقلع عن السلوكات الخاطئة كالغيبة وقطع الرحم، والوشاية بين الناس. فإن فعلنا ذلك في كل عام فسنجد أننا نرقى بأنفسنا خطوة خطوة فنسمو بروحنا ونرقى نحو الأفضل.

ها هي الأيام انقضت فدعونا نجعل من أيام شهر رمضان بدايات لمزيد من العبادة ومزيد من فعل الخير، فنزيد من الورد المخصص لقراءة القرآن في يومنا، ونزيد من الأدعية الراتبة التي نخصصها في يومنا، ونزيد من صلوات السنن، ونزيد من فعل الصالحات، فإن فعلنا ذلك في كل عام فسنجد أننا نرقى بأنفسنا خطوة خطوة فنسمو بروحنا ونرقى نحو الأفضل.. ودمتم أبناء قومي سالمين.