لكي لا يزوّر التاريخ، ولكي لا ينخدع الناس بأمواج الدعايات والشعارات، نقول: إن الذين خذلوا القدس وخانوا ضمائرهم فيها كثر، فيهم العرب وفيهم من غير العرب، ولكن لو نظرنا في المعيار العملي الواقعي فلا شك أن أخطر هؤلاء جميعاً هو:

1- الذي أحال العراق وسوريا واليمن ولبنان إلى خراب، وأخرجها بالكامل من المعادلة، وهذه الدول كانت -بغض النظر عن التباين بين حكوماتها- من أقوى الدول العربية والإسلامية المناصرة لفلسطين.

2- من يهدد يومياً باحتلال مكة والمدينة ويزوّد الحوثيين بصواريخه وطائراته المفخخة، ويوفّر الغطاء اللازم لكل ضعيف أو متخاذل لأن يهرول إلى قطار التطبيع بل وإلى طلب التحالف (الحماية) من الكيان الصهيوني وحلفائه التقليديين.

3- للتذكير أيضاً فإن التنسيق بين كيان (الخميني) والكيان (الصهيوني) لتدمير العراق قد مر بثلاث محطات رئيسة:

أولاً - في الوقت الذي كان جيش العراق مشغولاً برد العدوان الخميني على حدوده الشرقية كانت طائرات F16 الصهيونية تقوم بدك مفاعل تموز العراقي وهو أول تجربة نووية عربية.

ثانياً- بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها جيش العراق ضد العدوان الخميني انكشفت فضيحة (إيران كونترا) أو (إيران جيت) والتي كشفت عن مدى التعاون التسليحي بين الكيانين (الصهيونى والخميني).

ثالثاً- وأخيراً سلسلة الفضائح المدوية والتنسيقات المكشوفة بين قوات المارينز وإدارة البيت الأبيض المتصهينة من جهة وبين المليشيات الإيرانية التي أوصلت العراق إلى قعر الهاوية، ليتم بعد ذلك التنسيق التام لتكرار التجربة في سوريا، والسماح أيضاً لحزب الله باجتياز الحدود اللبنانية السورية على مرآى العالم ومسمعه، ليشارك في حفلة تدمير المحافظات السورية وتهجير ملايين السوريين من بلادهم.

أمام هذه الحقائق التي سقتها باختصار شديد لاحظوا كيف استطاعت أبواق الدعاية الإيرانية من تغليف كل هذا التاريخ العدواني والتآمري بشعارات (فيلق القدس) و (يوم القدس) ثم تحويل الأنظار إلى صورة هنا أو تصريح هناك لبعض الأنظمة العربية الضعيفة أو المتخاذلة، لكي تكون الصورة الأخيرة (أن العرب خانوا القدس، وأن سليماني هو شهيد القدس) وهي أكبر فرية في تاريخنا المعاصر، وإن ترسيخ هذه المقولة إنما يقصد به عزل الفلسطينيين عن عمقهم الطبيعي، ثم التخلي عنهم بالكامل وفي الوقت المناسب أمام الآلة العسكرية الصهيونية، ولكن أملنا بالله كبير وثقتنا بالوعي الجماهيري الفلسطيني وتمسكه بعقيدته وهويته والذي لا يقل عن تمسكه بأرضه ووطنه، كل ذلك يجعلنا نطمئن على مستقبل هذه القضية المحورية وأنها ستبقى حية وحاضرة في ضمير الأمة حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده.