قال طبيب أطفال وخبير في فئة داون الدكتور محمد عبدالكريم المناعي إن مرض الاكتئاب قد يصاب به الابن من فئة داون منذ عمر الحضانة وتبلغ نسبة الأطفال المصابين بهذا المرض 3% وتزيد هذه النسبة في المراهقين لتبلغ 9%، مؤكداً أن نسبة كبيرة من الأبناء لديهم اكتئاب ولكن لا يحصلون على العلاج المناسب.

جاء ذلك خلال محاضرة أعدها مركز العناية بمتلازمة داون تحت عنوان "الاكتئاب ومتلازمة داون" عن بعد من خلال "الواتس أب" بمشاركة الدكتور طارق المعداوي والدكتور عبدالكريم مصطفى استشاري الطب النفسي بمستشفى سيرين وبحضور عدد من أولياء الأمور.

وقال الدكتور المناعي إن الاكتئاب في فئة متلازمة داون هو اضطراب في المزاج يسبب شعوراً متواصلاً بالحزن ومن أعراضه النوم فترات طويلة للتهرب من حالة الحزن والضيق التي يشعر بها، وصعوبة التركيز فينسى تفاصيل الأمور البسيطة التي اعتاد تأديتها يومياً، والشعور الدائم بالإعياء والإرهاق، والشعور بالقلق يؤدي إلى تغير المزاج بسرعة دون وجود أي أسباب، ودائم البكاء بدون أسباب واضحة، وردود أفعاله تصبح قوية ويفقد المهارات التي اكتسبها سابقاً كما قد يصاحبه هلوسة.



وأضاف: "كما يفقد الاستمتاع والاهتمام بما كان يسعده فيفقد الشعور بالسعادة، ويصبح لديه الرغبة الشديدة في الانعزال عن الآخرين حتى عن أقرب الناس إليه، والميل إلى اللعب منفرداً ويمضي أغلب الوقت في غرفته أو يمارس ألعاب فيديو بالساعات، وقد يصاحبه اضطراب في الشهية والأكل فيتسبب في زيادة الوزن أو النقصان، لكن يجب الانتباه إلى أن الأطفال والشباب من فئة متلازمة داون معرضون لزيادة في الوزن خلال حياتهم؛ فزيادة الوزن لا تعني بالضرورة أنه يعاني من اكتئاب إلا إذا صاحبها الأعراض المذكورة.

وأوضح المناعي أن هناك فرقاً بين الاكتئاب وعوامل أخرى؛ فالاكتئاب يتسبب في تغير المزاج بسبب الشعور بالقلق والخوف وقد يصبح الشخص عدوانياً وعنيفاً ولديه رغبة في إيذاء الآخرين، لكن يجب الانتباه فربما يكون سبب العنف انعكاس لسلوك عنيف في محيط الأسرة فيؤثر عليه ويكون العنف تقليداً لممارسات تحدث أمامه أو ربما عدم تقويم لسلوك الابن أو مشاهدة محتويات تحوي على العنف فيجب هنا التفريق بين العنف بسبب الاكتئاب وبسبب عوامل أخرى.

وذكر الدكتور المناعي أنه يمكن مساعدة مريض الاكتئاب بتناول وجبات الطعام الصحية، والمشاركة الاجتماعية، والنوم الطبيعي، وتغير الروتين اليومي، وممارسة الرياضة.

وأوضح المناعي أنه يجب معرفة الفرق بين الكآبة والاكتئاب؛ فمشاعر الكآبة هي عارض انفعالي يصاب به الفرد في أثناء مروره بفترة حزن أو صدمة أو واقعة سيئة وأليمة ينجم عنها شعور بالكآبة وليس اكتئاباً؛ فالكآبة نوع من الحزن المؤقت عارض ويختفي بانتفاء السبب أما الاكتئاب فيستمر حتى يتم علاجه.

وأكد أنه يجب إجراء الفحوصات الطبية بشكل دوري، لمعرفة الفرق بين الاكتئاب وأعراض بعض المشاكل الصحية الأخرى منها الغدة الدرقية، لذا يجب فحصها دورياً للتأكد من عملها بكفاءة وكذلك فحص الجهاز الهضمي؛ فقد تسبب مشاكل الهضم الأرق وعدم النوم بشكل جيد ما يؤثر على نفسيته، وكذلك يجب فحص السمع والبصر فوجود قصور بها يسبب الحزن.

وتطرق إلى أن الاكتئاب يحتاج إلى تشخيص جيد وعلاج ولذا في حال ظهور أعراض الاكتئاب يجب زيارة الطبيب لتشخيص الحالة وتحديد العلاج المناسب الذي ينقسم إلى علاج دوائي وجلسات أو كلاهما ويجب أن يعرف المحيطون بالشخص حالة المريض سواء في محيط الأسرة أو المدرسة لدعمه ومساعدته لتخطي هذه المرحلة في أثناء العلاج.

وأضاف: "فالمريض يحتاج إلى المساعدة الطبية ودعم بالمشاركة المجتمعية لتغيير الروتين اليومي ويجب أن ينام نوماً طبيعياً 8 ساعات يومياً ويمارس الرياضة ويمكن أن يخرج للعب بالدراجة في الطبيعة، كما يجب أن يكون الأكل صحياً وهناك بعض الأكلات التي تحتوي المواد التي تزيد مادة هيرمون السيروتونين وهو مادة كيميائية تلعب دور الناقل العصبي بالمخ، وتقوم هذه المادة الكيميائية دوراً رئيسياً فى تحسين المزاج والشعور بالسعادة".

من جانبه أوضح الدكتور طارق المعداوي "أنه توجد عوامل تؤثر بالإيجاب على فئة داون ومنها سلوكات الأشخاص المحيطين بهم ومقدار الشعور بالاحترام والحب وقدرتهم على التواصل الجيد والمستمر معهم، وبالعكس في حال غياب هذه العوامل يؤدي إلى التوتر والقلق ويصاب الشخص بحالة اكتئاب وهي حالة مرضية وتعد من أكثر الأمراض النفسية التي تؤدي إلى إعاقة نفسية وعضوية بحسب منظمة الصحة العالمية".

وأفاد بأن العلم أثبت توافر ثلاثة مكونات رئيسية لظهور الاضطراب ومنها المواد الكيميائية بسبب اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ الموجودة ويتعلق بمناطق المخ التي تنظم عمل الموصلات العصبية التي تتحكم بالأفكار والمشاعر والمكون الثاني عوامل وراثية لظهور الاكتئاب هو أكثر انتشاراً لدى الأشخاص الذين لديهم أقرباء بيولوجيون مصابون بمرض الاكتئاب والمكون الثالث هو الصدمات النفسية التي يتعرض لها الطفل أو المراهق فهم فئة تتميز بالحساسية الزائدة فقد يكون سفر أخ أكبر أو غياب معلم أو مرض أحد أفراد الأسرة جميعها تمثل صدمات حقيقية لا تحتمل بالنسبة إليهم أو حدث أو تغيير مفاجئ كتغيير المدرسة أو المنزل أو مشاهدة مشهد مخيف في فيلم وغيرها يؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب لمن لديهم استعداد.

وأضاف: "أعراض الاكتئاب أهمها الشعور بالحزن وعدم الرغبة في فعل الأشياء ولا يستمتع بما كان يسعده واللامبلاة، ما يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي وقد يصاحبها أعراض عضوية منها اضطرابات النوم واضطرابات الشهية، ولكن لا بد من التأكد من صحة الغدة الدرقية فنقصها يؤدي إلى أعراض تشبه الاكتئاب".

وأوضح أن علاج الاكتئاب البسيط يتم بالجلسات النفسية أما الشديدة فلا بد من اللجوء إلى العلاجات مضاد الاكتئاب كورس يأخذ في مدة محددة تحت الإشراف الطبي ثم يتم سحبها تدريجياً، وقد يحتاج علاجاً كهربائياً وهي جرعة بسيطة من الكهرباء تحت تأثير المخدر ويتم اللجوء إليه في الحالات الشديدة التي لم تستجب للعلاج الدوائي، ولكنه علاج ناجز وممتاز.

وفي نفس السياق قال الدكتور عبدالكريم مصطفى إن الاكتئاب في الأطفال يظهر في صورة سلوك ربما تصل إلى أذية نفسه ويصبح سهل الاستفزاز ولديه مشاكل سلوكية مثل السرقة ويشعر بالإعياء وعدم القدرة على التركيز، وليس لديه رغبة في الذهاب إلى المدرسة ويرفض مشاركة الأسرة.

وشدد على ضرورة الاكتشاف المبكر للاكتئاب حتى لا تتفاقم الأعراض ويكون صعباً علاجه، لافتاً إلى أن 40% من داون لديهم اكتئاب غير مشخص وغير معالج وهي نسبة كبيرة وهو مرض يؤثر في الطفل والمحيطين من حوله، ومن مظاهره أنه لا يشعر بالمتعة ويشعر أن مزاجه منخفض وحزين وأنه بلا قيمة قد تصل به إلى أن يتمنى الموت، وربما يكون لديه أفكار انتحارية أو خطط انتحارية أو قد ينتحر، وهنا لا بد من سؤال الطفل بشكل مباشر للتعرف عن أفكار الانتحار التي لديه؛ فالأبحاث تؤكد مناقشة الانتحار يقلل من أفكار انتحارية ولا يزيده.

وأكد أن من الضروري أن تتعلم الأسرة عن الاكتئاب وكيفية التعامل مع المصاب به، ولا بد أن تقتنع الأسرة بضرورة علاجه وتبدأ خطة العلاج من خلال علاج سيكوتيرابي "الجلسات" أو الدوائي ولكن في حال دمجهم تتحقق نسبة شفاء أعلى ويحتاج مريض الاكتئاب كورساً علاجياً لا يقل عن 6 أشهر ثم يتم تقييمه. وختاماً مرض الاكتئاب مرض يجب معالجته؛ لأنه يحد من النمو النفسي والاجتماعي للطفل والاهتمام بعلاجه وتجييش البيئة المحيطة بالطفل من المدرسة للأسرة لمنظمات المجتمع المدني والمتخصصون جميعهم يساهمون في تقليل العبء عن الأسرة والمريض.